فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة غافر

وهي سورة المؤمن ، وتسمى سورة الطول . وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . قال الحسن إلا قوله : { وسبح بحمد ربك } لأن الصلوات نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين نزلتا بالمدينة ، وهما { إن الذين يجادلون في آيات الله } والتي بعدها ، وهي خمس وثمانون آية ، وقيل اثنتان وثمانون آية . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت سورة حم المؤمن بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج ابن الضريس والنحاس والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت الحواميم السبع بمكة . وأخرج ابن مردويه والديلمي عن سمرة بن جندب قال نزلت الحواميم جميعاً بمكة . وأخرج محمد بن نصر وابن مردويه عن أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الله أعطاني السبع الحواميم مكان التوراة ، وأعطاني الراءات إلى الطواسين مكان الإنجيل وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور ، وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي » . وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس قال : إن لكل شيء لباباً ، وإن لباب القرآن ال حم . وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : الحواميم ديباج القرآن وأخرج أبو عبيد ومحمد بن نصر وابن المنذر عنه قال : إذا وقعت في ال حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن . وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحوميم ديباج القرآن » . وأخرج البيهقي في الشعب عن خليل بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الحواميم سبع ، وأبواب النار سبع ، تجيء كل حم منها تقف على باب من هذه الأبواب تقول : اللهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني » . وأخرج أبو عبيد وابن سعد ومحمد بن نصر وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ حم المؤمن إلى { إليه المصير } وآية الكرسي حين يصبح ، حفظ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي ، حفظ بهما حتى يصبح } .

قوله : { حم } قرأ الجمهور بفتح الحاء مشبعاً ، وقرأ حمزة والكسائي بإمالته إمالة محضة . وقرأ أبو عمرو بإمالته بين بين ، وقرأ الجمهور { حم } بسكون الميم كسائر الحروف المقطعة . وقرأ الزهري بضمها على أنها خبر مبتدأ مضمر أو مبتدأ ، والخبر ما بعده . وقرأ عيسى بن عمر الثقفي بفتحها على أنها منصوبة بفعل مقدر ، أو على أنها حركة بناء لا حركة إعراب . وقرأ ابن أبي إسحاق ، وأبو السماك بكسرها لالتقاء الساكنين ، أو بتقدير القسم . وقرأ الجمهور بوصل الحاء بالميم . وقرأ أبو جعفر بقطعها .

وقد اختلف في معناه ، فقيل هو اسم من أسماء الله ، وقيل : اسم من أسماء القرآن . وقال الضحاك والكسائي معناه : قضى ، وجعلاه بمعنى حمّ أي قضى ووقع ، وقيل : معناه حمّ أمر الله ، أي قرب نصره لأوليائه ، وانتقامه من أعدائه . وهذا كله تكلف لا موجب له ، وتعسف لا ملجأ إليه ، والحق أن هذه الفاتحة لهذه السورة ، وأمثالها : من المتشابه الذي استأثر الله بعلم معناه كما قدّمنا تحقيقه في فاتحة سورة البقرة .

/خ9