75- هذا سلوك أهل الكتاب في الاعتقاد ، أما سلوكهم في المال فمنهم من إن استأمنته على قنطار من الذهب أو الفضة أدَّاه إليك لا ينقص منه شيئاً ، ومنهم من إن استأمنته على دينار واحد لا يؤديه إليك إلا إذا لازمته وأحرجته ، وذلك لأن هذا الفريق يزعم بأن غيرهم أميون ، وأنهم لا ترعى لهم حقوق ، ويدعون أن ذلك حكم الله ، وهم يعلمون أن ذلك كذب عليه سبحانه وتعالى .
قوله تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } الآية . نزلت في اليهود ، أخبر الله تعالى أن فيهم أمانة وخيانة ، والقنطار عبارة عن المال الكثير ، والدينار عبارة عن المال القليل ، يقول : منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت ، ومنهم من لا يؤديها وإن قلت ، قال مقاتل : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) هم مؤمنو أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأصحابه .
قوله تعالى : { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } يعني : كفار اليهود ، ككعب بن الأشرف وأصحابه ، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز وجل ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) يعني عبد الله بن سلام ، أودعه رجل ألفاً ومائتي أوقية من ذهب ، فأداها إليه ، ( و منهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) يعني فنحاص بن عازوراء ، استودعه رجل من قريش ديناراً فخانه ، قوله ( يؤده إليك ) قرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة يؤده ولا يؤده ، ونصله ، ونؤته ، ونوله ، ساكنة الهاء ، وقرأ أبو جعفر ، وقالون ، ويعقوب ، بالاختلاس كسراً ، والباقون بالإشباع كسراً ، فمن سكن الهاء قال لأنها وضعت في موضع الجزم ، وهو الياء الذاهبة ، ومن اختلس فاكتفى بالكسرة عن الياء ، ومن أشبع فعلى الأصل ، لأن الأصل في الهاء الإشباع .
قوله تعالى : { إلا ما دمت عليه قائما } . قال ابن عباس ملحاً ، يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح ، وقال الضحاك مواظباً أي تواظب عليه بالاقتضاء ، وقيل : أراد أودعته ثم استرجعته وأنت قائم على رأسه ولم تفارقه ، رده إليك ، فإن فارقته وأخرته أنكره ولم يؤده .
قوله تعالى : { ذلك } أي : ذلك الاستحلال والخيانة .
قوله تعالى : { بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } أي : في مال العربي إثم وحرج كقوله تعالى( ما على المحسنين من سبيل ) وذلك أن اليهود قالوا :أموال العرب حلال لنا ، لأنهم ليسوا على ديننا ، ولا حرمة لهم في كتابنا ، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم . وقال الكلبي : قالت اليهود : إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد العرب منها فهو لنا ، وإنما ظلمونا وغصبونا فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهم . وقال الحسن وابن جريج ومقاتل : بايع اليهود رجالاً من المسلمين في الجاهلية ، فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا : ليس لكم علينا حق ، ولا عندنا قضاء أنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم ، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم ، فكذبهم الله عز وجل ، وقال عز من قائل :
قوله تعالى : { ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } . ثم قال رداً عليهم : { بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين } .
ثم يمضي السياق يصف حال أهل الكتاب ؛ ويبين ما في هذه الحال من نقائص ؛ ويقرر القيم الصحيحة التي يقوم عليها الإسلام دين المسلمين . ويبدأ فيعرض نموذجين من نماذج أهل الكتاب في التعامل والتعاقد :
( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما . ذلك بأنهم قالوا : ليس علينا في الأميين سبيل ، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون . بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين . إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ) . .
إنها خطة الإنصاف والحق وعدم البخس والغبن يجري عليها القرآن الكريم في وصف حال أهل الكتاب الذين كانوا يواجهون الجماعة المسلمة حينذاك ؛ والتي لعلها حال أهل الكتاب في جميع الأجيال . ذلك أن خصومة أهل الكتاب للإسلام والمسلمين ، ودسهم وكيدهم وتدبيرهم الماكر اللئيم ، وإرادتهم الشر بالجماعة المسلمة وبهذا الدين . . كل ذلك لا يجعل القرآن يبخس المحسنين منهم حقهم ، حتى في معرض الجدل والمواجهة . فهو هنا يقرر أن من أهل الكتاب ناسا أمناء ، لا يأكلون الحقوق مهما كانت ضخمة مغرية :
( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) . .
ولكن منهم كذلك الخونة الطامعين المماطلين ، الذين لا يردون حقا - وإن صغر - إلا بالمطالبة والإلحاح والملازمة . ثم هم يفلسفون هذا الخلق الذميم ، بالكذب على الله عن علم وقصد :
( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما . ذلك بأنهم قالوا : ليس علينا في الأميين سبيل . ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) . .
وهذه بالذات صفة يهود . فهم الذين يقولون هذا القول ؛ ويجعلون للأخلاق مقاييس متعددة . فالأمانة بين اليهودي واليهودي . أما غير اليهود ويسمونهم الأميين وكانوا يعنون بهم العرب [ وهم في الحقيقة يعنون كل من سوى اليهود ] فلا حرج على اليهودي في أكل أموالهم ، وغشهم وخداعهم ، والتدليس عليهم ، واستغلالهم بلا تحرج من وسيلة خسيسة ولا فعل ذميم !
ومن العجب أن يزعموا أن إلههم ودينهم يأمرهم بهذا . وهم يعلمون أن هذا كذب . وأن الله لا يأمر بالفحشاء . ولا يبيح لجماعة من الناس أن يأكلوا أموال جماعة من الناس سحتا وبهتانا ، وألا يرعوا معهم عهدا ولا ذمة ، وأن ينالوا منهم بلا تحرج ولا تذمم . ولكنها يهود ! يهود التي اتخذت من عداوة البشرية والحقد عليها ديدنا ودينا :
عطف على قوله : { وقالت طائفة من أهل الكتاب } [ آل عمران : 72 ] أو على قوله : { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } [ آل عمران : 69 ] عطف القصة على القصة والمناسبة بيان دخائل أحوال اليهود في معاملة المسلمين الناشئة عن حسدهم وفي انحرافهم عن ملة إبراهيم مع ادّعائهم أنهم أولَى الناس به ، فقد حكى في هذه الآية خيانة فريق منهم .
وقد ذكر الله هنا أنّ في أهل الكتاب فريقين : فريقاً يؤدّي الأمانة تعففاً عن الخيانة وفريقاً لا يؤدّي الأمانة متعلّلين لإباحة الخيانة في دينهم ، قيل : ومن الفريق الأول عبد الله بن سلام ، ومن الفريق الثاني فِنْحَاص بن عازوراء وكلاهما من يهود يثرب والمقصود من الآية ذمّ الفريق الثاني إذ كان من دينهم في زعمهم إباحة الخَون قال : { ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } فلذلك كان المقصود هو قوله : { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } إلخ ولذلك طُوِّل الكلام فيه .
وإنما قدّم عليه قوله : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار } إنصافاً لحقّ هذا الفريق ، لأنّ الإنصاف مما اشتهر به الإسلام ، وإذ كان في زعمهم أنّ دينهم يبيح لهم خيانة غيرهم ، فقد صار النعيُ عليهم ، والتعبيرُ بهذا القول لازماً لجميعهم أمينهم وخائنهم ، لأنّ الأمين حينئذ لا مزية له إلاّ في أنّه ترك حقاً يبيح له دينُه أخذه ، فترفّع عن ذلك كما يترفع المتغالي في المروءة عن بعض المباحات .
وتقديم المسند في قوله : { ومن أهل الكتاب } في الموضعين للتعجيب من مضمون صلة المسند إليهما : ففي الأول للتعجيب من قوة الأمانة ، مع إمكان الخيانة ووجود العذر له في عادة أهل دينه ، وفي الثاني للتعجيب من أن يكون الخوْن خُلْقاً لمتبع كتاب من كتب الله ، ثم يزيد التعجيبُ عند قوله : { ذلك بأنهم قالوا } فيكسب المسند إليهما زيادة عجَب حالٍ .
وعُدّي { تأمنه } بالباء مع أنّ مثله يتعدّى بعلي كقوله : { هل آمنكم عليه } [ يوسف : 64 ] ، لتضمينه معنى تُعامله بقنطار ليشمل الأمانة بالوديعة ، والأمانةَ بالمعاملة على الاستيمان ، وقيل الباء فيه بمعنى على كقول أبي ذرّ أو عباسسٍ بن مِرداس :
* أربٌّ يَبولُ الثعْلُبَان بِرَأسه *
وهو محمل بعيد ، لأنّ الباء في البيت للظرفية كقوله تعالى : { ببطن مكة } [ الفتح : 24 ] .
وقرأ الجمهور { يؤدّهِ } إليك بكسر الهاء من يؤدّهِ على الأصل في الضمائر .
وقرأه أبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبُو جعفر : بإسكان هاء الضمير في يؤدّه ، فقال الزجاج : هذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بيِّن لأنّ الهاء لا ينبغي أن تجزم وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تكسر في الوصل ( هكذا نقله ابن عطية ومعناه أنّ جزم الجواب لا يظهر على هاء الضمير بل على آخر حرف من الفعل ولا يجوز تسكينها في الوصل كما في أكثر الآيات التي سكنوا فيها الهاء ) .
وقيل هو إجرَاء للوصل مُجرى الوقف وهو قليل ، قال الزجاج : وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسر فغلط عليه من نقله وكلام الزجاج مردود لأنه راعى فيه المشهور من الاستعمال المقيس ، واللغة أوسع من ذلك ، والقراءة حجة . وقرأه هشام عن ابن عامر ، ويعقوب باختلاس الكسر .
وحكى القرطبي عن الفرّاء : أنّ مذهب بعض العرب يجزمون الهاء إذا تحرّك ما قبلها يقولون ضربته كما يسكنون ميم أنتم وقمتم وأصله الرفع وهذا كما قال الراجز :
لَما رَأى ألاّ دَعَهْ ولاَ شِبَع *** مَالَ إلى أرْطَاةِ حقف فاضطجع
والقِنطار تقدم آنفاً في قوله تعالى : { والقَناطير المقنطرة من الذهب والفضة } [ آل عمران : 14 ]
والدينار اسم للمسكوك من الذهب الذي وزنه اثنتان وسبعون حبة من الشعير المتوسط وهو معرّب دِنَّار من الرومية .
وقد جعل القنطار والدينار مَثَلين للكثرة والقلة ، والمقصود ما يفيده الفحوى من أداء الأمانة فيما هو دون القنطار ، ووقوع الخيانة فيما هو فوق الدينار .
وقوله : { إلا ما دمت عليه قائماً } أطلق القيام هنا على الحرص والمواظبة : كقوله : { قائماً بالقسط } [ آل عمران : 18 ] أي لا يفعل إلاّ العدل .
وعديّ « قائماً » بحرف ( على ) لأنّ القيام مجاز على الإلحاح والترداد فتعديته بحرف الاستعلاء قرينة وتجريد للاستعارة .
و ( ما ) من قوله : { إلا ما دمت عليه قائماً } حرف مصدري يصير الفعل بعده في تأويل مصدر ، ويكثر أن يقدر معها اسم زمان ملتزَمٌ حذفه يدل عليه سياق الكلام فحينئذ يقال ما ظرفية مصدرية . وليست الظرفية مدلولها بالأصالة ولا هي نائبة عن الظرف ، ولكنها مستفادة من موقع ( مَا ) في سياق كلام يؤذن بالزمان ، ويكثر ذلك في دخول ( ما ) على الفعل المتصرّف من مادة دَام ومرادفها .
و ( ما ) في هذه الآية كذلك فالمعنى : لا يؤدّه إليك إلاّ في مدة دوام قيامك عليه أي إلحاحك عليه . والدوام حقيقته استمرار الفعل وهو هنا مجاز في طول المدة ، لتعذر المعنى الحقيقي مع وجود أداة الاستثناء ، لأنه إذا انتهى العمر لم يحصل الإلحاح بعدَ الموت .
والاستثناء من قوله : { إلا ما دمت عليه قائماً } يجوز أن يكون استثناء مفرّغاً من أوقات يدل عليها موقع ( مَا ) والتقدير لا يؤدّه إليك في جميع الأزمان إلاّ زماناً تدوم عليه فيه قائماً فيكون ما بعد ( إلاّ ) نصباً على الظرفِ ، ويجوز أن يكون مفرّغاً من مصادر يَدل عليها معنى ( ما ) المصدرية ، فيكون ما بعده منصوباً على الحال لأنّ المصدر يقع حالاً .
وقدّم المجرور على متعلقه في قوله : { عليه قائماً } للاهتمام بمعنى المجرور ، ففي تقديمه معنى الإلحاح ، أي إذا لم يكن قيامُك عليه لا يُرجعُ لك أمانتك .
والإشارة في قوله : { ذلك بأنهم قالوا } إلى الحكم المذكور وهو { إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } وإنما أشير إليه لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بهذا الشأن العجيب .
والباء للسبب أي ذلك مُسَببٌ عن أقوال اختلقوها ، وعبّر عن ذلك بالقول ، لأنّ القول يصدر عن الاعتقاد ، فلذا ناب منابه فأطلق على الظنّ في مواضع من كلام العرب .
وأرادوا بالأميين من ليسوا من أهل الكتاب في القديم ، وقد تقدم بيان معنى الأمي في سورة البقرة .
وحرف ( في ) هنا للتعليل . وإذ قد كان التعليل لا يتعلق بالذوات ، تعيَّن تقدير مضاف مجرور بحرف ( في ) والتقدير في معاملة الأمّيّين .
ومعنى ليس علينا في الأميين سبيل ليس علينا في أكل حقوقهم حرج ولا إثم ، فتعليق الحكم بالأميين أي ذواتِهم مراد منه أعلق أحوالهم بالغرض الذي سبق له الكلام .
فالسبيل هنا طريق المؤاخذة ، ثم أطلق السبيل في كلام العرب مجازاً مشهوراً على المؤاخذة قال تعالى : { مَا على المحسنين من سبيل } [ التوبة : 91 ] وقال : { إنما السبيل على الذين يستأذنوك } [ التوبة : 93 ] وربما عبّر عنه العرب بالطريق قال حُميد بن ثور :
وهل أنا إن علّلتُ نفسي بسَرحة *** من السرْح موجود عليَّ طريق
وقصدهم بذلك أن يحقروا المسلمين ، ويتطاولوا بما أوتوه من معرفة القراءة والكتابة مِنْ قبلهم . أو أرادوا الأميين بمعرفة التوراة ، أي الجاهلين : كناية عن كونهم ليسوا من أتباع دِين موسى عليه السلام .
وأيَّاماً كان فقد أنْبَأ هذا عن خلق عجيب فيهم ، وهو استخفافهم بحقوق المخالفين لهم في الدين ، واستباحةُ ظلمهم مع اعتقادهم أنّ الجاهل أو الأمّي جدير بأن يدحَضُ حقُه . والظاهر أنّ الذي جرّأهم علَى هذا سوء فهمهم في التوراة ، فإنّ التوراة ذكرت أحكاماً فرّقت فيها بين الإسرائيلي وغيره في الحقوق ، غير أنّ ذلك فيما يرجع إلى المؤاساة والمخالطة بين الأمة ، فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح الخامس عشر : « في آخر سبع سنين تعمل إبراء يبرىء كلُ صاحب دين يدَه ممّا أقرض صاحبه . الأجنبيَّ تُطالِب ، وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئة » وجاء في « الإصحاح » 23 منه : « لا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام وللأجنبي تُقرض بربا » ولكن شَتان بين الحقوق وبين المؤاساة فإنّ تحريم الربا إنما كان لقصد المؤاساة ، والمؤاساة غير مفروضة مع غير أهل الملّة الواحدة . وعن ابن الكلبي قالت اليهود : الأموال كلّها كانت لنا ، فما في أيدي العرب منها فهو لنا ، وإنهم ظلمونا وغصَبونا فلا إثم علينا في أخذ أموالنا منهم . وهذان الخلقان الذميمان اللذان حكاهما الله عن اليهود قد اتصف بهما كثير من المسلمين ، فاستحلّ بعضهم حقوق أهل الذمة ، وتأوّلوها بأنهم صاروا أهل حرب ، في حين لا حرب ولا ضرب .
وقد كذّبهم الله تعالى في هذا الزعم فقال : { ويقولون على الله الكذب } قال المفسرون : إنهم ادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم . وروى عن سعيد بن جبير أنه لما نزل قوله تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه } إلى قوله { وهم يعلمون } قال النبي صلى الله عليه وسلم « كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلاّ وهو تحت قدميّ هاتين إلاّ الأمانة فإنها مؤدّاة إلى البرّ والفاجر .
وقوله وهم يعلمون حال أي يعتمدون الكذب : إما لأنهم علموا أنّ ما قاسوه على ما في كتابهم ليس القياس فيه بصحيح ، وإما لأنّ التأويل الباطل بمنزلة العلم بالكذب ، إذ الشبهة الضعيفة كالعهد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا الخبر من الله عزّ وجلّ أن من أهل الكتاب، وهم اليهود من بني إسرائيل أهل أمانة يؤدونها ولا يخونونها، ومنهم الخائن أمانته، الفاجر في يمينه المستحلّ.
فإن قال قائل: وما وجه إخبار الله عزّ وجلّ بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد علمت أن الناس لم يزالوا كذلك منهم المؤدّي أمانته والخائنها؟ قيل: إنما أراد جلّ وعزّ بإخباره المؤمنين خبرهم على ما بينه في كتابه بهذه الآيات تحذيرهم أن يأتمنوهم على أموالهم، وتخويفهم الاغترار بهم، لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين. فتأويل الكلام: ومن أهل الكتاب الذي إن تأمنه يا محمد على عظيم من المال كثير، يؤدّه إليك، ولا يخنك فيه¹ ومنهم الذي إن تأمنه على دينار يخنك فيه، فلا يؤدّه إليك إلا أن تلحّ عليه بالتقاضي والمطالبة. والباء في قوله: {بِدِينارٍ} وعلى يتعاقبان في هذا الموضع، كما يقال: مررت به، ومررت عليه.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {إلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائما}: فقال بعضهم: إلا ما دمت له متقاضيا... إلا ما طلبته واتبعته... [قائما]: مواظبا.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما دمت عليه قائما على رأسه... يعترف بأمانته ما دمت قائما على رأسه، فإذا قمت ثم جئت تطلبه كافَرَك الذي يؤدي، والذي يجحد.
وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال: معنى ذلك: إلا ما دمت عليه قائما بالمطالبة والاقتضاء، من قولهم: قام فلان بحقي على فلان حتى استخرجه لي، أي عمل في تخليصه، وسعى في استخراجه منه حتى استخرجه، لأن الله عزّ وجلّ إنما وصفهم باستحلالهم أموال الأميين، وأن منهم من لا يقضي ما عليه إلا بالاقتضاء الشديد والمطالبة، وليس القيام على رأس الذي عليه الدين، بموجب له النقلة عما هو عليه من استحلال ما هو له مستحلّ، ولكن قد يكون مع استحلاله الذهاب بما عليه لربّ الحق إلى استخراجه السبيلُ بالاقتضاء والمحاكمة والمخاصمة، فذلك الاقتضاء: هو قيام ربّ المال باستخراج حقه ممن هو عليه.
{ذَلِكَ بِأنّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمّيّينَ سَبِيلٌ}: أن من استحلّ الخيانة من اليهود وجحود حقوق العربي التي هي له عليه، فلم يؤدّ ما ائتمنه العربي عليه إليه إلا ما دام له متقاضيا مطلبا¹ من أجل أنه يقول: لا حرج علينا فيما أصبنا من أموال العرب، ولا إثم، لأنهم على غير الحقّ، وأنهم مشركون.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو قولنا فيه. وقال آخرون: عن ابن جريج: بايع اليهودَ رجالٌ من المسلمين في الجاهلية، فلما أسلموا تقاضوهم ثمن بيوعهم، فقالوا: ليس لكم علينا أمانة، ولا قضاء لكم عندنا، لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه، وادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم، فقال الله عزّ وجلّ: {وَيَقُولُونَ على اللّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
عن صعصعة: أن رجلاً سأل ابن عباس فقال: إنا نصيب في الغزو أو العذق -الشكّ من الحسن- من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة، فقال ابن عباس: فتقولون ماذا؟ قال نقول: ليس علينا بذلك بأس. قال: هذا كما قال أهل الكتاب: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمّيّينَ سَبِيلٌ} إنهم إذا أدّوا الجزية لم تحلّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم.
{وَيَقُولُونَ على اللّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}: إن القائلين منهم ليس علينا في أموال الأميين من العرب حرج أن نختانهم إياه، يقولون بقيلهم: إن الله أحلّ لنا ذلك، فلا حرج علينا في خيانتهم إياه، وترك قضائهم الكذبَ على الله عامدين الإثم بقيل الكذب على الله أنه أحلّ ذلك لهم، وذلك قوله عزّ وجلّ: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. يعني ادّعاءهم أنهم وجدوا في كتابهم قولهم: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمّيّينَ سَبِيلٌ}.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك} والقنطار ما تقدم ذكره {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} وصف جل وعلا أهل الكتاب بعضهم بأداء الأمانة وبعضهم بالخيانة، وليس المراد من الآية، والله أعلم، القنطار نفسه والدينار، ولكن وصفهم بأن فيهم أمانة وخيانة، قلت الخيانة، أو عظمت، وكذلك الأمانة. ألا ترى أنه يستحق الذم بدون القنطار والدينار إذا خان، وكذلك يستحق الحمد إذا أدى بدون ذلك؟ دل أنه لم يرد به التقدير، ولكن على التمثيل...
وقوله تعالى: {إلا ما دمت عليه قائما} قيل: ملازما مواظبا دائما متقايضا، ومن عامل من الناس المسلمين الناس هذه المعاملة يخاف دخلوه في هذا النهي والوعيد.
وقوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} قالوا ذلك لأنهم كانوا يستحلون أموال المسلمين ظلما، يقولون: لم يجعل علينا في كتابنا لأموالهم حرمة أموالنا علينا، يقولون: {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: 18] أراد بالأميين العرب إذ ليس لهم كتاب، وقيل: ذلك الاستحلال بأن قالوا ليس علينا لله فيهم سبيل، وأرادوا بالأميين المسلمين على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [أنه] قال: (نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب) [البخاري: 1913] وقيل: قالوا لا حرج علينا في حبس أموالهم في التوراة، فأكذبهم الله جل وعلا بقوله: {ويقولون على الله الكذب} بأن ليس في كتابهم حرمة أموالهم ولا لهم عليهم سبيل {وهم يعلمون} أنهم يكذبون على الله جل وعلا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فائدة الآية: القطع على أن فيهم هؤلاء، وهؤلاء وسائر الناس يجوز أن لا يكون فيهم إلا أحد الفريقين، فلذلك فائدة بينة. ويمكن أيضا أن تكون الفائدة أن هؤلاء لا يؤدون الأمانة لاستحلالهم ذلك بقوله:"ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل" وسائر الفرق وإن كان منهم من لا يؤدي الأمانة، لا نعلم أنه يستحلها، وذلك فائدة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أخبر أنهم -مع ضلالتهم وكفرهم- متفاوتون في أخلاقهم، فكُلُّهمْ خَوَنَةٌ في أمانة الدِّين، ولكنّ منهم من يرجع إلى سداد المعاملة، ثم وإن كانت معاملتهم بالصدق فلا ينفعهم ذلك في إيجاب الثواب ولكن ينفعهم من حيث تخفيف العذاب؛ إذ الكفار مُطَالَبُون بتفصيل الشرائع، فإذا كانوا في كفرهم أقلَّ ذنباً كانوا بالإضافة إلى الأخسرين أقلَّ عذاباً، وإن كانت عقوبتهم أيضاً مؤبَّدة. ثم بيَّن أنه ليس الحكم إليهم حتى إذا: {قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}. فلا تجري عليهم هذه الحالة، أو تنفعهم هذه القالة، بل الحكم لله تعالى...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
المسألة الثالثة: فائدتها النَّهيُ عن ائتمانهم على مال. وقال شيخنا أبو عبدالله العربي: فائدتها ألا يؤتمنوا على دِين؛ يدلُّ عليه ما بعده من قوله: {وإنَّ منهم لفريقاً يَلْوُون ألسِنَتَهُمْ بالكتاب لتَحْسَبُوه من الكتاب} [آل عمران:78]: فأراد ألاّ يؤتمنوا على نَقْل شيء من التوراة والإنجيل.
قال القاضي: والصحيحُ عندي أنها في المال نصٌّ، وفي الدين سنَّة؛ فأفادت المعنيين بهذين الوجهين. وقد قال جماعة من الناس: إن معنى {لا يؤدِّه إليك ما دمتَ عليه قائماً} أي حافظاً بالشهادة.
المسألة السادسة: أقسام هذه الحال ثلاثة:
قسم يؤدى، وقسم لا يؤدّى إلا ما دمتَ عليه قائماً، وقسم لا يؤدى وإن دمتَ عليه قائماً، إلا أن اللهَ سبحانه ذكر القسمين، لأنه الغالب المعتاد، والثالث نادر؛ فخرج الكلام على الغالب.
المسألة السابعة: قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبيِلٌ}.
المعنى فعلوا ذلك لاعتقادهم أنَّ ظُلْمَهُم لأهل الإسلام جائز، تقديرُ كلامهم ليس علينا في ظلم الأميّين سبيل؛ أي إثم. وقولهم هذا كذبٌ صادرٌ عن اعتقاد باطل مركب على كُفْر، فإنّهم أخبروا عن التوراة بما ليس فيها، وذلك قوله تعالى: {ويقولون على اللهِ الكَذِب وهم يعلمون}.
المسألة الثامنة: الأمانة عظيمة القَدْرِ في الدين، ومِنْ عظيم قَدْرِهَا أنّها تقفُ على جنبَتي الصراط، ولا يمكَّنُ من الجواز إلاّ من حفظها؛ ولهذا وجب عليك أن تؤدّيها إلى من ائتمنك ولا تَخُنْ من خانك؛ فتقابل معصية فيك بمعصية فيه.
ولذلك لم يَجُزْ لك أن تغدر بمن غدر بك.
المسألة العاشرة: قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
هذه الآية ردٌّ على الكفَرَة الذين يحلّلُون ويحرّمون من غير تحليل الله وتحريمه، ويجعلون ذلك من الشرع، ومن هذا يخرج الرَّد على من يحكم بالاستحسان من غير دليل، ولستُ أعلم أحداً من أهل القبلة قاله.
اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها من وجهين؛ الأول: أنه -تعالى- حكى عنهم في الآية المتقدمة أنهم ادعوا أنهم أوتوا من المناصب الدينية، ما لم يؤت أحد غيرهم مثله، ثم إنه تعالى بين أن الخيانة مستقبحة عند جميع أرباب الأديان، وهم مصرون عليها، فدل هذا على كذبهم. والثاني: أنه تعالى لما حكى عنهم في الآية المتقدمة قبائح أحوالهم فيما يتعلق بالأديان وهو أنهم قالوا {لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} [آل عمران: 73] حكى في هذه الآية بعض قبائح أحوالهم فيما يتعلق بمعاملة الناس، وهو إصرارهم على الخيانة والظلم وأخذ أموال الناس في القليل والكثير، وههنا مسائل:
المسألة الأولى: الآية دالة على انقسامهم إلى قسمين: بعضهم أهل الأمانة، وبعضهم أهل الخيانة وفيه أقوال؛ الأول: أن أهل الأمانة منهم هم الذين أسلموا، أما الذين بقوا على اليهودية فهم مصرون على الخيانة لأن مذهبهم أنه يحل لهم قتل كل من خالفهم في الدين وأخذ أموالهم ونظير هذه الآية قوله تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون ءايات الله ءاناء الليل وهم يسجدون} [آل عمران: 113] مع قوله {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: 110]. الثاني: أن أهل الأمانة هم النصارى، وأهل الخيانة هم اليهود، والدليل عليه ما ذكرنا، أن مذهب اليهود أنه يحل قتل المخالف ويحل أخذ ماله بأي طريق كان الثالث: قال ابن عباس: أودع رجل عبد الله بن سلام ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأدى إليه، وأودع آخر فنحاص بن عازوراء دينارا فخانه فنزلت الآية.
المسألة الثانية: يقال أمنته بكذا وعلى كذا، كما يقال مررت به وعليه، فمعنى الباء إلصاق الأمانة، ومعنى: على استعلاء الأمانة، فمن اؤتمن على شيء فقد صار ذلك الشيء في معنى الملتصق به لقربه منه، واتصاله بحفظه وحياطته، وأيضا صار المودع كالمستعلي على تلك الأمانة والمستولي عليها، فلهذا حسن التعبير عن هذا المعنى بكلتا العبارتين، وقيل إن معنى قولك أمنتك بدينار أي وثقت بك فيه، وقولك أمنتك عليه، أي جعلتك أمينا عليه وحافظا له.
المسألة الثالثة: المراد من ذكر القنطار والدينار ههنا العدد الكثير والعدد القليل، يعني أن فيهم من هو في غاية الأمانة حتى لو اؤتمن على الأموال الكثيرة أدى الأمانة فيها، ومنهم من هو في غاية الخيانة حتى لو اؤتمن على الشيء القليل، فإنه يجوز فيه الخيانة، ونظيره قوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20] وعلى هذا الوجه، فلا حاجة بنا إلى ذكر مقدار القنطار...
{ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما}: وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في لفظ (القائم) وجهان:... ومنهم من حمل لفظ (القائم) على مجازه ثم ذكروا فيه وجوها: الأول: قال ابن عباس المراد من هذا القيام الإلحاح والخصومة والتقاضي والمطالبة، قال ابن قتيبة: أصله أن المطالب للشيء يقوم فيه والتارك له يقعد عنه، دليل قوله تعالى: {أمة قائمة} [آل عمران: 113] أي عامله بأمر الله غير تاركه، ثم قيل: لكل من واظب على مطالبة أمر أنه قام به وإن لم يكن ثم قيام. الثاني: قال أبو علي الفارسي: القيام في اللغة بمعنى الدوام والثبات، وذكرنا ذلك في قوله تعالى: {يقيمون الصلاة} [البقرة: 3] ومنه قوله {دينا قيما} [الأنعام: 161] أي دائما ثابتا لا ينسخ فمعنى قوله {إلا ما دمت عليه قائما} أي دائما ثابتا في مطالبتك إياه بذلك المال.
المسألة الثانية: يدخل تحت قوله {من إن تأمنه بقنطار} و {بدينار} العين والدين، لأن الإنسان قد يأتمن غيره على الوديعة وعلى المبايعة وعلى المقارضة وليس في الآية ما يدل على التعيين والمنقول عن ابن عباس أنه حمله على المبايعة، فقال منهم من تبايعه بثمن القنطار فيؤده إليك ومنهم من تبايعه بثمن الدينار فلا يؤده إليك ونقلنا أيضا أن الآية نزلت في أن رجلا أودع مالا كثيرا عند عبد الله بن سلام، ومالا قليلا عند فنحاص بن عازوراء، فخان هذا اليهودي في القليل، وعبد الله بن سلام أدى الأمانة، فثبت أن اللفظ محتمل لكل الأقسام.
{ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل}: والمعنى إن ذلك الاستحلال والخيانة هو بسبب أنهم يقولون ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل. وههنا مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في السبب الذي لأجله اعتقد اليهود هذا الاستحلال وجوها:
الأول: أنهم مبالغون في التعصب لدينهم، فلا جرم يقولون: يحل قتل المخالف ويحل أخذ ماله بأي طريق كان.
الثاني: أن اليهود قالوا {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: 18] والخلق لنا عبيد فلا سبيل لأحد علينا إذا أكلنا أموال عبيدنا.
الثالث: أن اليهود إنما ذكروا هذا الكلام لا مطلقا لكل من خالفهم، بل للعرب الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، روي أن اليهود بايعوا رجالا في الجاهلية فلما أسلموا طالبوهم بالأموال فقالوا: ليس لكم علينا حق لأنكم تركتم دينكم، وأقول: من المحتمل أنه كان من مذهب اليهود أن من انتقل من دين باطل إلى دين آخر باطل كان في حكم المرتد، فهم وإن اعتقدوا أن العرب كفار إلا أنهم لما اعتقدوا في الإسلام أنه كفر حكموا على العرب الذين أسلموا بالردة.
المسألة الثانية: نفي السبيل المراد منه نفي القدرة على المطالبة والإلزام. قال تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} [التوبة: 91] وقال: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] وقال: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} [الشورى: 41 42].
المسألة الثالثة: {الأمي} منسوب إلى الأم، وسمي النبي صلى الله عليه وسلم أميا قيل لأنه كان لا يكتب وذلك لأن الأم أصل الشيء فمن لا يكتب فقد بقي على أصله في أن لا يكتب، وقيل: نسب إلى مكة وهي أم القرى.
ثم قال تعالى: {ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} وفيه وجوه: الأول: أنهم قالوا: إن جواز الخيانة مع المخالف مذكور في التوراة وكانوا كاذبين في ذلك وعالمين بكونهم كاذبين فيه،ومن كان كذلك كانت خيانته أعظم وجرمه أفحش الثاني: أنهم يعلمون كون الخيانة محرمة. الثالث: أنهم يعلمون ما على الخائن من الإثم.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
قيل: معنى: دمت عليه قائماً، أي: مستعلياً، فإن استلان جانبك لم يؤدّ إليك أمانتك...
وقيل: السبيل هنا الفعل المؤدّي إلى الإثم...
فيكون الكذب المقول هنا هو هذا الكذب المخصوص في هذا الفصل. والظاهر أنه أعم من هذا، فيندرج هذا فيه، أي: هم يكذبون على الله في غير ما شيء...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فلما تقرر أن الأمر كله له ذكر دليل ذلك فيهم بأنه فضل فريقاً منهم فأعلاه، ورذل فريقاً منهم فأرداه، فلم يردهم الكتاب -وهم يتلونه- إلى الصواب، فقال عاطفاً على ما مضى من مخازيهم مقرراً لكتمانهم للحق مع علمهم بأنه الحق بأن الخيانة ديدنهم في الأعيان الدنيوية والمعاني الدينية منبهاً على أنهم وإن شاركوا الناس في انقسامهم إلى أمين وخائن فهم يفارقونهم من حيث إن خائنهم يتدين بخيانته ويسندها -مروقاً من ربقة الحياء- إلى الله، مادحاً للأمين منهم: {ومن أهل الكتاب} أي الموصوفين {من إن تأمنه بقنطار} أي من الذهب المذكور في الفريق الآتي {يؤده إليك} غير خائن فيه، فلا تسوقوا الكل مساقاً واحداً في الخيانة {ومنهم من إن تأمنه بدينار} أي واحد {لا يؤده إليك} في زمن من الأزمان دناءة وخيانة {إلا ما} أي وقت ما {دمت عليه قائماً} تطالبه به غالباً له، بما دلت عليه أداة الاستعلاء، ثم استأنف علة الخيانة بقوله: {ذلك} أي الأمر البعيد من الكمال {بأنهم قالوا} كذباً على شرعهم {ليس علينا في الأميين} يعني من ليس له كتاب فليس على دينهم {سبيل}.
ولما كان ترتيب الإثم على شيء إثباتا ونفيا لا يعرف إلا من قبل الله سبحانه وتعالى قال مبينا أن هذا تضمن الكذب على الله تعالى سائقا له على وجه معرف بأنهم أجرأ الناس على الكذب: {ويقولون} أي على سبيل التجديد والاستمرار غير متحاشين {على الله} أي الملك الأعلى {الكذب} أي بهذه الدعوى وغيرها مجترئين عليه.
ولما كان الكذب من عظم القباحة بمكان يظن بسببه أنه لا يجترئ عليه ذو عقل فكيف على الله سبحانه وتعالى قال: {وهم يعلمون} أي ذوو علم فيعلمون أنه كذب.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
هذا بيان حال أخرى من أحوال أهل الكتاب، تمثلها طائفة أخرى تخون الأمانة وتستحب أكل أموال من ليس من الإسرائيليين بالباطل، غرورا في الدين وتأويلا للكتاب. وهي قد جاءت في مقابل الطائفة التي تكيد للمسلمين ليرجعوا عن دينهم. وقال الأستاذ الإمام في قوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك...}: هذه الآية جاءت ببعض التفصيل لما أجمل في الآيات السابقة من غرور أهل الكتاب وزعهم أنهم شعب الله الخاص، وأن الدين والحق من خصائصهم. وابتداؤها بالعطف يشعر بمعطوف محذوف حذف إيجازا، لأن السياق لا يقتضي ذكره وهو مبين في آيات أخرى كقوله تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة} [آل عمران: 113] الخ فكأنه ههنا يعطف على ما هنالك أي منهم كذا ومنهم كذا. وإنما قال: كأنه لأن آية "من أهل الكتاب... "في هذه السورة وهي متأخرة عن هذه الآيات. ولعل جعله معطوفا على ما قبله باعتبار المفهوم أقرب، فكأنه قال منهم طائفة تكيد للمسلمين ومنهم من يستحل أكل أموالهم وأموال غيرهم، وقد أرشدنا إلى ذلك آنفا وإنما أعاد ذكر "أهل الكتاب" ولم يبتدئ الآية بقوله "ومنهم" والكلام فيهم للإشعار بأنهم فعلوا ذلك باسم الكتاب الذي حرفوا نهيه عن أكل أموال الناس بالباطل فزعموا أنه لم ينههم إلا عن خيانة إخوتهم الإسرائيليين.
{إلا ما دمت عليه قائما}: معناه إلا مدة دومك أيها المؤتمن له قائما على رأسه تلح بالمطالبة، أو تلجأ إلى التقاضي والمحاكمة، {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا الأميين سبيل} أي ذلك الترك للأداء بسبب قولهم ليس علينا في أكل أموال الأميين أي العرب تبعة ولا ذنب. فكأنه يقول إن استحلال هذه الخيانة جاءهم من الغرور بشعبهم والغلو في دينهم، فإن ذلك يستتبع احتقار المخلف احتقارا يهضم به حقه الثابت في المعاملة. قال الأستاذ الإمام: كأنهم يقولون: إن كل من ليس من شعب الله الخاص وليس من أهل دينه فهو ساقط من نظر الله ومبغوض عنده، فلا حقوق له ولا حرمة لماله، فيحل أكله متى أمكن.
وقد رد الله عليهم هذه المزاعم بقوله: {ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} أن ذلك كذب عليه لأن ما كان منه فهو ما جاء في كتابه، وليس في التوراة التي عندهم إباحة خيانة الأميين وأكل أموالهم بالباطل وهم يعلمون أن ذلك ليس فيها ولكنهم لا يأخذون الدين من الكتاب وإنما لجؤوا إلى التقليد فعدوا كلام أحبارهم دينا ينسبونه إلى الله، وهؤلاء يقولون في الدين بآرائهم ويحرفون الكلم عن مواضعه ليؤيدوا بذلك أقوالهم. فكل هذه الدواهي جاءتهم من هذه الناحية: ناحية التقليد والأخذ بكلام العلماء في الحلال والحرام، وهو مما لا يؤخذ فيه إلا بكتاب الله ووحيه. وانظر كيف أنصفهم الكتاب فبين أن منهم الوفي والخائن ولا يكون أفراد جميع الأمة خائنين وناهيك بأمة منها السموأل.
أقول: وفي خبر هؤلاء المحرفين من العبرة لنا معشر المسلمين ما فيه، فإن فينا من يقول الآن إنه يجوز أكل أموال غير المسلمين بل والمسلمين في دار الحرب مطلقا ثم إن هؤلاء يفسرون دار الحرب كما يشاؤون... فهم بهذا يحلون الخيانة والسرقة والكذب وهي من كبائر المعاصي التي لا تحل في دين ويتناولهم وعيد اليهود في الآية ووعيد قوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع قليل ولهم عذاب أليم} [النحل: 116 117] ما جرأهم على ذلك إلا سوء التقليد للفقهاء الذين قالوا بجواز أكل مال الحربي في داره بالعقود الفاسدة التي لا تحل في دار الإسلام كالربا والبيع والفاسد. ولكن هؤلاء الفقهاء لا يحلون الغش ولا الخيانة ولا السرقة ولا الكذب والاحتيال لذلك، وإنما يقولون يجوز أكل ماله برضاه في مثل تلك العقود، على أن المسألة خلافية لم يتفق الفقهاء عليها. فلينظر المسلم الصادق المستنير بالدليل إلى سوء مغبة التقليد وكيف أنه استلزم الاجتهاد الباطل إذ صار الجاهلون المقلدون يقيسون أكل المال بالغش والخيانة والسرقة على أكله بالعقود الفاسدة مع التراضي وبينهما فرق عظيم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنها خطة الإنصاف والحق وعدم البخس والغبن يجري عليها القرآن الكريم في وصف حال أهل الكتاب الذين كانوا يواجهون الجماعة المسلمة حينذاك؛ والتي لعلها حال أهل الكتاب في جميع الأجيال. ذلك أن خصومة أهل الكتاب للإسلام والمسلمين، ودسهم وكيدهم وتدبيرهم الماكر اللئيم، وإرادتهم الشر بالجماعة المسلمة وبهذا الدين.. كل ذلك لا يجعل القرآن يبخس المحسنين منهم حقهم، حتى في معرض الجدل والمواجهة. فهو هنا يقرر أن من أهل الكتاب ناسا أمناء، لا يأكلون الحقوق مهما كانت ضخمة مغرية:
(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك)..
ولكن منهم كذلك الخونة الطامعين المماطلين، الذين لا يردون حقا -وإن صغر- إلا بالمطالبة والإلحاح والملازمة. ثم هم يفلسفون هذا الخلق الذميم، بالكذب على الله عن علم وقصد:
(ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما. ذلك بأنهم قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل. ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)..
وهذه بالذات صفة يهود. فهم الذين يقولون هذا القول؛ ويجعلون للأخلاق مقاييس متعددة. فالأمانة بين اليهودي واليهودي. أما غير اليهود ويسمونهم الأميين وكانوا يعنون بهم العرب [وهم في الحقيقة يعنون كل من سوى اليهود] فلا حرج على اليهودي في أكل أموالهم، وغشهم وخداعهم، والتدليس عليهم، واستغلالهم بلا تحرج من وسيلة خسيسة ولا فعل ذميم!
ومن العجب أن يزعموا أن إلههم ودينهم يأمرهم بهذا. وهم يعلمون أن هذا كذب. وأن الله لا يأمر بالفحشاء. ولا يبيح لجماعة من الناس أن يأكلوا أموال جماعة من الناس سحتا وبهتانا، وألا يرعوا معهم عهدا ولا ذمة، وأن ينالوا منهم بلا تحرج ولا تذمم. ولكنها يهود! يهود التي اتخذت من عداوة البشرية والحقد عليها ديدنا ودينا:
(ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وإذ كان في زعمهم أنّ دينهم يبيح لهم خيانة غيرهم، فقد صار النعيُ عليهم، والتعبيرُ بهذا القول لازماً لجميعهم أمينهم وخائنهم، لأنّ الأمين حينئذ لا مزية له إلاّ في أنّه ترك حقاً يبيح له دينُه أخذه، فترفّع عن ذلك كما يترفع المتغالي في المروءة عن بعض المباحات...
{ومن أهل الكتاب} في الموضعين للتعجيب من مضمون صلة المسند إليهما: ففي الأول للتعجيب من قوة الأمانة، مع إمكان الخيانة ووجود العذر له في عادة أهل دينه، وفي الثاني للتعجيب من أن يكون الخوْن خُلْقاً لمتبع كتاب من كتب الله، ثم يزيد التعجيبُ عند قوله: {ذلك بأنهم قالوا} فيكسب المسند إليهما زيادة عجَب حالٍ...
وعُدّي {تأمنه} بالباء مع أنّ مثله يتعدّى بعلي كقوله: {هل آمنكم عليه} [يوسف: 64]، لتضمينه معنى تُعامله بقنطار ليشمل الأمانة بالوديعة، والأمانةَ بالمعاملة على الاستئمان،...
وعديّ « قائماً» بحرف (على) لأنّ القيام مجاز على الإلحاح والترداد فتعديته بحرف الاستعلاء قرينة وتجريد للاستعارة...
وحرف (في) هنا للتعليل. وإذ قد كان التعليل لا يتعلق بالذوات، تعيَّن تقدير مضاف مجرور بحرف (في) والتقدير في معاملة الأمّيّين...
ومعنى ليس علينا في الأميين سبيل ليس علينا في أكل حقوقهم حرج ولا إثم، فتعليق الحكم بالأميين أي ذواتِهم مراد منه أعلق أحوالهم بالغرض الذي سبق له الكلام...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وذلك هو الأساس في حبّ اللّه لعباده، في ما ينطلقون فيه من أعمال، وما ينطلقون منه من ملكة التَّقوى في ما يريد وما لا يريد، وتلك هي قصّة الأمانة في التشريع الديني، أيّ تشريع كان، فإنَّ اللّه لم يبعث نبيّاً إلاَّ بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر. حتّى الكافر الذي يحل لك قتاله لكفره وعدوانه، لا يحل لك خيانة أمانته. وقد ورد في حديث الإمام جعفر الصادق (ع): «ثلاثة لا عُذر لأحدٍ فيها: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبرّ الوالدين برين كانا أو فاجرين»...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ترسم الآية ملامح أخرى لأهل الكتاب. كان جمع من اليهود يعتقدون أنّهم لا يكونون مسؤولين عن حفظ أمانات الناس، بل لهم الحقّ في تملّك أماناتهم! كانوا يقولون: إنّنا أهل الكتاب، وأن النبيّ والكتاب السماوي نزلا بين ظهرانينا، لذلك فأموال الآخرين غير محترمة عندنا. لقد تغلغلت فيهم هذه الفكرة بحيث غدت عقيدة دينية راسخة. وهذا ما يعبّر عنه القرآن بقوله (يقولون على الله الكذب) قال اليهود: إنّ لنا حقّ التصرّف بأموال العرب واغتصابها لأنّهم مشركون ولا يتّبعون دين موسى.
وقيل أيضاً إن اليهود كانت لهم مع العرب اتفاقات اقتصادية وتجارية وعندما أسلم العرب، امتنع اليهود عن ردّ حقوقهم، قائلين: إنكم عند عقد الاتفاق لم تكونوا من مخالفينا. أما وقد اتخذتم ديناً جديداً فقد سقط حقّكم.
من الجدير بالذكر أنّ هذه الآية تعلن أنّ أهل الكتاب لم يكونوا جميعاً ينهجون هذا الطراز من التفكير غير الإنساني، بل كان فيهم جماعة ترى أنّ من واجبها أن تؤدّي حقّ الآخرين. ولذلك فإنّ القرآن لم يدنهم جميعاً ولم يلق تبعة أخطاء بعضهم على الجميع، ولذلك يقول (ومن أهل الكتاب مَن إن تأمنه بقنطار يؤدّه إليك ومنهم مَن إن تأمنه بدينار لا يؤدّه إليك إلاَّ ما دمت عليه قائماً).
إنّ تعبير (إلاَّ ما دمت عليه قائماً) أي واقفاً ومسيطراً، يشير إلى مبدأ أصيل في نفسيّة اليهود، فكثير منهم لا يجدون أنفسهم ملزمين بردّ حقّ إلاَّ بالقوّة. ليس أمام المسلمين لاسترجاع حقوقهم منهم سوى هذا السبيل، سبيل السعي للحصول على القوّة التي تجعلهم يردّون حقوقهم.
(ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأُمّيّين سبيل).
هذه الآية تبيّن منطقهم في أكل أموال الناس، وهو قولهم بأنّ «لأهل الكتاب» أفضلية على «الأُميّين» أي على المشركين والعرب الذين كانوا أُمّيّين غالباً أو أن المقصود كلّ من ليس له نصيب من قراءة التوراة والإنجيل، لذلك يحقّ لهم أن يستولوا على أموال الآخرين، وليس لأحد الحقّ أن يؤاخذهم على ذلك، حتّى أنّهم ينسبون إلى الله تقرير التفوّق الكاذب.
لاشكّ أنّ هذا المنطق كان أخطر بكثير من مجرّد خيانة الأمانة، لأنّهم كانوا يرون هذا حقّاً من حقوقهم، فيشير القرآن إلى هذا قائلاً: (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون).
هؤلاء يعلمون أنّه ليس في كتبهم السماوية أيّ شيء من هذا القبيل بحيث يجيز لهم خيانة الناس في أموالهم، ولكنّهم لتسويغ أعمالهم القبيحة راحوا يختلقون الأكاذيب وينسبونها إلى الله.