قوله تعالى : { والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها } ، أي : لهم مثلها ، كما قال : { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } [ الأنعام-160 ] . { وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم } ، و{ من } صلة ، أي : ما لهم من الله من عاصم ، { كأنما أغشيت } ، ألبست ، { وجوههم قطعاً } ، جمع قطعة ، { من الليل مظلماً } ، نصبت على الحال دون النعت ، ولذلك لم يقل : مظلمة ، تقديره : قطعا من الليل في حال ظلمته ، أو قطعا من الليل المظلم . وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب : " قطعاً " ساكنة الطاء ، أي بعضا ، كقوله : { بقطع من الليل } [ هود-81 ] . { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .
فكانت هي الربح الذي خرجوا به من صفقة الحياة ! هؤلاء ينالهم عدل الله ، فلا يضاعف لهم الجزاء ، ولا يزاد عليهم السوء . ولكن :
( جزاء سيئة بمثلها ) . . ( وترهقهم ذلة ) . .
( ما لهم من الله من عاصم ) . .
يعصمهم ويمنعهم من المصير المحتوم ، نفاذا لسنة الله الكونية فيمن يحيد عن الطريق ، ويخالف الناموس . . ثم يرسم السياق صورة حسية للظلام النفسي والكدرة التي تغشى وجه المكروب المأخوذ المرعوب :
( كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ) . .
كأنما أخذ من الليل المظلم فقطع رقعا غشيت بها هذه الوجوه ! وهكذا يغشى الجو كله ظلام من ظلام الليل المظلم ورهبة من رهبته ، تبدو فيه هذه الوجوه ملفعة بأغشية من هذا الليل البهيم . .
( أولئك ) . . المبعدون في هذا الظلام والقتام ( أصحاب النار ) . . ملاكها ورفاقها ( هم فيها خالدون ) .
وقوله : { والذين كسبوا السيئات } الآية ، اختلف النحويون في رفع «الجزاء » بم هو ؟ فقالت فرقة : التقدير لهم جزاء سيئة بمثلها ، وقالت فرقة : التقدير جزاء سيئة مثلها والباء زائدة .
قال القاضي أبو محمد : ويتوجه أن يكون رفع «الجزاء » على المبتدأ وخبره في { الذين } لأن { الذين } معطوف على قوله { للذين أحسنوا } فكأنه قال والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، وعلى الوجه الآخر فقوله { والذين كسبوا السيئات } رفع بالابتداء ، وتعم { السيئات } ها هنا الكفر والمعاصي فمثل سيئة الكفر التخليد في النار ، ومثل سيئة المعاصي مصروف إلى مشيئة الله تعالى . و «العاصم » المنجي « ، ومنه قوله تعالى { إلى جبل يعصمني من الماء }{[6088]} . و { أغشيت } كسيت ومنه الغشاوة ، و » القطع «جمع قطعة ، وقرأ ابن كثير والكسائي » قطْعاً «من الليل بسكون الطاء ، وقرأ الباقون بفتح الطاء ، و » القطع «الجزء من الليل ومنه قوله تعالى : { فاسر بأهلك بقطع من الليل }{[6089]} وهذا يراد به الجزء من زمان الليل ، وفي هذه الآية الجزء من سواده{[6090]} . و { مظلماً } ، نعت ل » قطع « ، ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في قوله { من الليل }{[6091]} ، فإذا كان نعتاً فكان حقه أن يكون قبل الجملة ولكن قد يجيء بعدها ، وتقدير الجملة قطعاً استقر من الليل » مظلماً «على نحو قوله تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك }{[6092]} ومن قرأ » قطعاً «على جمع قطعة فنصب » مظلماً «على الحال { من الليل } والعامل في الحال { من } إذ هي العامل في ذي الحال{[6093]} ، وقرأ أبي بن كعب ، » كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم{[6094]}« ، وقرأ ابن أبي عبلة » قطَع من الليل مظلم «بتحريك الطاء في قطع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.