{ فجعلهم جذاذاً } قرأ الكسائي { جذاذاً } بكسر الجيم أي كسراً وقطعاً جمع جذيذ ، وهو الهشيم مثل خفيف وخفاف ، وقرأ الآخرون بضمها مثل الحطام والرفات ، { إلا كبيراً لهم } فإنه لم يكسره ووضع الفأس على عنقه ، وقيل ربطه بيده وكانت اثنين وسبعين صنماً بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد وبعضها من رصاص وشبه وخشب وحجر ، وكان الصنم الكبير من الذهب مكللاً بالجواهر في عينيه ياقوتتان تتقدان . قوله تعالى : { لعلهم إليه يرجعون } قيل : معناه لعلهم يرجعون إلى دينه وإلى ما يدعوهم إليه إذا علموا ضعف الآلهة وعجزها ، وقيل : لعلهم إليه يرجعون فيسألونه ، فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم جذاذاً .
( فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ) . .
وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة . . إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم ( لعلهم إليه يرجعون ) فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغارر الآلهة ! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها ، فيرجعون إلى صوابهم ، ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت .
وعاد القوم ليروا آلهتهم جذاذا إلا ذلك الكبير ! ولكنهم لم يرجعوا إليه يسألونه ولا إلى أنفسهم يسألونها : إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا . وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها ? لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال ، لأن الخرافة قد عطلت عقولهم عن التفكير ، ولأن التقليد قد غل أفكارهم عن التأمل والتدبر .
وقوله : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } أي : حطامًا كسرها كلها { إِلا كَبِيرًا لَهُمْ } يعني : إلا الصنم الكبير عندهم كما قال : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } [ الصافات : 93 ] .
وقوله : { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم ، لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غَارَ لنفسه ، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار ، فكسرها .
ثم انصرف إبراهيم عليه السلام إلى بيت أصنامهم فدخله ومعه قدوم فوجد الأصنام وقفت أكبرها أول ثم الذي يليه فالذي يليه وقد جعلوا أطعمتهم في ذلك اليوم بين يدي الأصنام تبركاً لينصرفوا من ذلك العيد إلى أكله ، فجعل عليه السلام يقطعها بذلك القدوم حتى أفسد أشكالها كلها حاشى الكبير فإنه تركه بحاله وعلق القدوم من يده وخرج عنها ، و { جذاذاً } معناه قطعاً صغاراً ، والجذ القطع . وقرأ الجمهور «جُذاذاً » بضم الجيم ، وقرأ الكسائي وحده بكسرها ، وقرأ ابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال بفتحها وهي لغات والمعنى واحد ، وقوله { فجعلهم } ونحوه معاملة للأصنام بحال من يعقل من حيث كانت تعبد وتنزل منزلة من يعقل ، والضمير في { إليه } أظهر ما فيه أنه عائد على { إبراهيم } أي فعل هذا كله توخياً منه أن يعقب ذلك منهم رجعة إليه وإلى شرعه ويحتمل أن يعود الضمير على الكبير المتروك ولكن يضعف ذلك دخول الترجي في الكلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.