فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ} (58)

{ فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ( 58 ) قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ( 59 ) قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ( 60 ) قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ( 61 ) قالوا أأنت فعلت بآلهتنا هذا يا إبراهيم ( 62 ) قال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون ( 63 ) فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ( 64 ) ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ( 65 ) } .

{ فجعلهم جذاذا } أي تولوا فجعلهم جذاذا } ؛ أي حطاما بفأس . قاله ابن عباس وعنه قال : فتاتا . الجذّ القطع والكسر ، يقال جذذت الشيء قطعته وكسرته ، الواحد جذاذة ، والجذاذ ما تكسر منه .

قال الجوهري : قال الكسائي ويقال لحجارة الذهب الجذاذ لأنها تكسر ، وقرئ جذاذا بكسر الجيم ، أي كسرا وقطعا ، جمع جذيذ وهو الهشيم ، مثل خفيف وخفاف وظريف وظراف ، وقرئ بالضم كالحطام ، والرقاق فعال بمعنى مفعول وقرئ بفتحها . قال قطرب :هي في لغاتها كلها مصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، والقراءتان الأولين سبعيتان ، وهذا هو الكيد الذي وعدهم به . { إلا كبيرا لهم } أي عظيم آلهتهم . قاله ابن عباس ، يعني تركه ولم يكسره ، والضمير للآلهة أو عائدة على عابديها ووضع الفأس في عنقه ثم خرج .

{ لعلهم إليه } أي إلى إبراهيم { يرجعون } فيحاجهم بما سيأتي فيحجهم . وقال الرازي : أما إذا قلنا إن الضمير راجع إلى الكبير ، فالمعنى لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون له ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيح ؟ وما لهذا الفأس في عنقك ؟ وقال ذلك بناء على كثرة جهالتهم واستهزاء بهم ، وكان من عادتهم إذا رجعوا إليها سجدوا إليه ثم ذهبوا إلى منازلهم .

وقيل المعنى لعلهم إلى الصنم الكبير يرجعون فيسألونه عن الكاسر ، لأن من شأن المعبود أن يرجع إليه في المهمات ، فإذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبرا ، فيعلمون حينئذ أنها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضررا ، ولا تعلم بخير ولا شر ، ولا تخبر عن الذي ينوبها من الأمر . وقيل لعلهم إلى الله يرجعون ، وهو بعيد جدا