قوله :«فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً » . قرأ العامة «جُذَاذاً »{[28753]} بضم الجيم ، والكسائي بكسرها{[28754]} وابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال بفتحها{[28755]} . قال قطرب : هي لغاتها كلها مصدر ، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث{[28756]} والظاهر أنَّ المضموم اسم للشيء المكسر كالحطام والرفات والفتات بمعنى{[28757]} الشيء المحطم والمفتت{[28758]} . وقال اليزيدي : المضموم جمع جُذَاذَة بالضم نحو زجاج في زجاجة{[28759]} ، والمكسور جمع جَذِيذ نحو كِرَام في كَرِيم{[28760]} . وقال بعضهم : المفتوح مصدر بمعنى المفعول أي : مَجْذُوذِينَ . ويجوز أن يكون على حذف مضاف أي : ذوات جذاذ{[28761]} .
وقيل : المضموم جمع جُذَاذَة بالضم ، والمكسور جمع جِذَاذَة بالكسر ، والمفتوح مصدر{[28762]} وقرأ ابن وثاب «جُذُذاً »{[28763]} بضمتين دون ألف بين الذالين{[28764]} ، وهو جمع جَذِيذ{[28765]} كقَلِيب وقُلُبٍ{[28766]} . وقرئ بضم الجيم وفتح الذال{[28767]} ، وفيها وجهان :
أحدهما : أن يكون أصلها ضمتين ، وإنما خففت بإبدال الضمة فتحة نحو سُرَر وذُلَل في جمع سرير وذليل ، وهي لغة لبني كلب{[28768]} .
والثاني : أنه جمع جذَّة{[28769]} نحو قبب في قبة ودرر{[28770]} في درة{[28771]} .
والجذ القطع والتكسير ، وعليه قوله{[28772]} :
3728- بَنُو{[28773]} المُهَلَّبِ جَذَّ اللهُ دَابِرَهُمْ *** أَمْسَوا رَمَاداً فَلاَ أصْلٌ وَلاَ طَرَفُ{[28774]}
وتقدم هذا مستوفى في هود{[28775]} . فإن قيل : لِمَ قال «جَعَلَهُمْ » وهذا جمع لا يليق إلا بالعقلاء ؟
فالجواب عَامَلَ الأصنام مُعَاملة العقلاء حيث اعتقدوا فيها ذلك{[28776]} .
قوله : { إلاَّ كَبِيراً } استثناء من المنصوب في «فَجَعَلَهُمْ » أي : لم يكسره بل تركه{[28777]} و «لَهُمْ » صفة له ، وهذا الضمير يجوز أن يعود على الأصنام ، وتأويل عود ضمير العقلاء عليها تقدم . ويجوز أن يعود على عابديها{[28778]} . والضمير في «إلَيْهِ يجوز أن يعود إلى «إبراهيم » ، أي : يرجعون إلى مقالته حين يظهر لهم الحق ، أو غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما شاهدوه من إنكاره لدينهم ، وسب آلهتهم ، فيبكتهم بما أهانهم{[28779]} به من قوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْأَلُوهُمْ }{[28780]} .
ويجوز أن يعود إلى الكبير{[28781]} ، وفيه وجهان :
أحدهما : لعلهم يرجعون إليه كما يرجعون إلى العالم في حل{[28782]} المشكلات ، فيقولون : ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحاً والفأس على عاتقك ؟ وهذا قول الكلبي . وإنما قال ذلك بناء على كثرة جهالاتهم ، فلعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تجيب وتتكلم .
والثاني : أنه -عليه السلام-{[28783]} قال ذلك مع علمه أنهم لا يرجعون إليه ( استهزاء{[28784]} بهم ){[28785]} .
فصل{[28786]}
قال السّدّيّ : كان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه ، فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ، ثم عادوا إلى منازلهم ، فلما كان هذا الوقت قال آزر لإبراهيم : لو خرجت معنا ، فخرج معهم ، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال : إنِّي سَقِيم أشتكي رِجْلي{[28787]} ، فلمَّا مَضَوْا وبقي ضعفاء الناس ، نادى وقال : { تالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } أي : إلى عيدكم . فسمعوها منه . واحتج هذا القائل بقوله تعالى : { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }{[28788]} .
وقال الكلبيّ : كان إبراهيم -عليه السلام-{[28789]} من أهل بيت ينظرون في النجوم وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلاَّ مريضاً ، فلما هَمَّ إبراهيم بكسر الأصنام ، نظر قبل يوم العيد إلى السماء ، وقال لأصحابه : أراني أشتكي غداً ، وهو قوله : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ }{[28790]} . وأصبح في الغد معصوباً رأسه ، فخرج القوم ليعيدهم ولم يتخلف أحد غيره ، فقال : { وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } فسمع رجل منهم هذا القول ، فحفظه عليه ، ثم أخبر به غيره ، وانتشر ذلك في جماعة ، فلذلك قال تعالى : { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } ، ثم إن إبراهيم -عليه السلام-{[28791]} دخل بيت الأصنام فوجد سبعين صنماً مصطفة{[28792]} ، وعند الباب صنم عظيم من ذهب مستقبل الباب وفي عينه جوهرتان تضيئان بالليل ، فكسرها كلها بفأس في يده حتى لم يبق إلاَّ الكبير علق الفأس في عنقه .
فإن قيل : أولئك الأقوام إمَّا أنْ يكونوا عقلاء أو لم يكونوا عقلاء ، فإن كانوا عقلاء وجب أن يكونوا عالمين بالضرورة أنَّ تلك الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضرّ ، فأي حاجة في إثبات ذلك إلى كسرها ؟ أقصى ما في الباب أن يقال : القوم كانوا يعظمونها كما يعظم الواحد منا المصحف والمسجد والمحراب وكسرها لا يقدح في تعظيمها من هذا الوجه .
وإن لم يكونوا عقلاء لم يحسن مناظرتهم ولا بعثة الرسل إليهم .
فالجواب : أنهم كانوا عقلاء وكانوا عالمين بالضرورة أنها جمادات ، ولكن لعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تماثيل للكواكب ، وأنها طلمسات موضوعة ، بحيث إنَّ كل من عبدها{[28793]} انتفع ، وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد ، ثم إنَّ إبراهيم -عليه السلام-{[28794]} كسرها ولم ينله منها ضرر ألبتة ، فكان فعله دالاً على فساد مذهبهم{[28795]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.