التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ} (58)

وقد نفذ إبراهيم ما توعد به الأصنام ، فقد انتهز فرصة ذهاب قومه بعيدا عنها فحطمها ، قال تعالى - { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } .

والفاء فى قوله : " فجعلهم " فصيحة . والجذاذ القطع الصغيرة جمع جذاذ من الجذ بمعنى القطع والكسر .

أى : فولوا مدبرين عن الأصنام فجعلها بفأسه قطعا صغيرة ، بأن حطمها عن آخرها - سوى الصنم الأكبر لم يحطمه بل تركه من غير تكسير . لعلهم إليه يرجعون فيسألونه كيف وقعت هذه الواقعة وهو حاضر ، ولم يستطع الدفاع عن إخوته الصغار ؟ ! !

ولعل إبراهيم - عليه السلام - قد فعل ذلك ليقيم لهم أوضح الأدلة على أن هذه الأصنام لا تصلح أن تكون آلهة ، لأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها ، وليحملهم على التكفير فى أن الذى يجب أن يكون معبوداً ، إنما هو الله الخالق لكل شىء ، والقادر على كل شىء .

قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } لبيان وجه الكسر واستبقاء الكبير ، وضمير " إليه " عائد إلى إبراهيم ، أى : لعلهم يرجعون إلى إبراهيم ، فيحاجهم ويبكتهم .

وعن الكلبى : أن الضمير للكبير ، أى : لعلهم يرجعون إلى الكبير ، كما يرجع إلى العالم فى حل المشكلات فيقولون له : ما لهؤلاء مكسورة ، وما لك صحيحا ، والفأس فى عنقك أو فى يدك ؟ وحينئذ يتبين لهم أنه عاجز لا ينفع ولا يضر ، ويظهر أنهم فى عبادته على جهل عظيم . . .