إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ} (58)

والفاء في قوله تعالى : { فَجَعَلَهُمْ } فصيحةٌ أي فولَّوا فجعلهم { جُذَاذاً } أي قُطاعاً فُعال بمعنى مفعول من الجذّ الذي هو القطعُ كالحُطام من الحطْم الذي هو الكسرُ ، وقرئ بالكسر وهي لغة أو جمعُ جذيذ كخِفاف وخفيف ، وقرئ بالفتح وجُذُذاً جمع جذيذ وجُذَذاً جمع جُذة . روي أن آزر خرج به في يوم عيدٍ لهم فبدأوا ببيت الأصنام فدخلوه فسجدوا لها ووضعوا بينها طعاماً خرجوا به معهم وقالوا : إلى أن تَرجِعَ بركتَه الآلهةُ على طعامنا ، فذهبوا وبقيَ إبراهيمُ عليه السلام فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنماً مصطفّاً وثمّةَ صنمٌ عظيم مستقبلَ الباب ، وكان من ذهب وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل فكسر الكلَّ بفأس كانت في يده ولم يبق إلا الكبيرُ وعلّق الفأس في عنقه وذلك قوله تعالى : { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } أي للأصنام { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ } أي إلى إبراهيمَ عليه السلام { يَرْجِعُونَ } فيحاجّهم بما سيأتي فيحجّهم ويبكّتهم ، وقيل : يرجعون إلى الكبير فيسألونه عن الكاسر لأن من شأن المعبودِ أن يُرجَعَ إليه في المُلمّات ، وقيل : يرجِعون إلى الله تعالى وتوحيدِه عند تحقّقهم عجزَ آلهتِهم عن دفع ما يصيبهم وعن الإضرار بمن كسرهم .