قوله تعالى : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } يعني أظننت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً أي : هم عجب من آياتنا . وقيل : معناه إنهم ليسوا بأعجب من آياتنا ، فإن ما خلقت من السماوات والأرض وما فيهن من العجائب أعجب منهم . والكهف : هو الغار في الجبل . واختلفوا في الرقيم : قال سعيد بن جبير : هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصصهم - وهذا أظهر الأقاويل - ثم وضعوه على باب الكهف ، وكان اللوح من رصاص ، وقيل : من حجارة ، فعلى هذا يكون الرقيم بمعنى مرقوم ، أي : المكتوب ، والرقم : الكتابة . وحكي عن ابن عباس أنه اسم للوادي الذي فيه أصحاب الكهف ، وعلى هذا هو من رقمة الوادي ، وهو جانبه . وقال كعب الأحبار : هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف . وقيل : اسم للجبل الذي فيه الكهف .
{ 9-12 } { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا }
وهذا الاستفهام بمعنى النفي ، والنهي . أي : لا تظن أن قصة أصحاب الكهف ، وما جرى لهم ، غريبة على آيات الله ، وبديعة في حكمته ، وأنه لا نظير لها ، ولا مجانس لها ، بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة ما هو كثير ، من جنس آياته في أصحاب الكهف وأعظم منها ، فلم يزل الله يري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ، ما يتبين به الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب ، بل هي من آيات الله العجيبة ، وإنما المراد ، أن جنسها كثير جدا ، فالوقوف معها وحدها ، في مقام العجب والاستغراب ، نقص في العلم والعقل ، بل وظيفة المؤمن التفكر بجميع آيات الله ، التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها ، فإنها مفتاح الإيمان ، وطريق العلم والإيقان . وأضافهم إلى الكهف ، الذي هو الغار في الجبل ، الرقيم ، أي : الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم ، لملازمتهم له دهرا طويلا .
وقوله تعالى : { أم حسبت } الآية ، مذهب سيبويه في { أم } إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام كأنه قال : بل أحسبت إضراباً عن الحديث الأول واستفهاماً عن الثاني وقال بعض النحويين : هي بمنزلة ألف الاستفهام ، وأما معنى الكلام فقال الطبري : هو تقرير للنبي صلى الله عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجباً بمعنى إنكار ذلك عليه أي لا تعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة ، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشنع ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق ، وذكر الزهراوي : أن الآية تحتمل معنى آخر وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق ، وذكر الزهراوي : أن الآية تحتمل معنى آخر وهو أن تكون استفهاماً له هل علم أصحاب الكهف عجباً ، بمعنى إثبات أنهم عجب وتكون فائدة تقريره جمع نفسه لام لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته فيقال له : وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظه حسبت فتأمله ، و { الكهف } النقب المتسع في الجبل وما لم يتسع منها فهو غار ، وحكى النحاس عن أنس بن مالك أنه قال : { الكهف } الجبل وهذا غير شهير في اللغة ، واختلف الناس في { الرقيم } ، فقال كعب ، { الرقيم } القرية التي كانت بإزاء { الكهف } ، وقال ابن عباس وقتادة : { الرقيم } الوادي الذي كان بإزائه وهو واد بين عصبان وأيلة{[7748]} دون فلسطين ، وقال ابن عباس أيضاً هو الجبل الذي فيه { الكهف } ، وقال السدي : { الرقيم } الصخرة التي كانت على { الكهف } ، وقال ابن عباس { الرقيم } كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى ، وقيل من دين قبل عيسى ، وقال ابن زيد : كتاب عمى الله علينا أمره ولم يشرح لنا قصته ، وقالت فرقة : { الرقيم } كتاب في لوح نحاس ، وقال ابن عباس : في لوح رصاص كتب فيه القوم الكفار الذين فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخاً لهم ذكروا وقت فقدهم وكم كانوا وبني من كانوا ، وقال سعيد بن جبير : { الرقيم } لوح من حجارة كتبوا فيه قصة { أصحاب الكهف } ووضعوه على باب الكهف .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوماً مؤرخين للحوادث وذلك من قبل المملكة{[7749]} وهو أمر مفيد ، وهذه الأقوال مأخوذة من الرقم ومنه كتاب مرقوم{[7750]} ، ومنه الأرقم لتخطيطه{[7751]} ، ومنه رقمة الوادي أي مكان جري الماء وانعطافه يقال عليك بالرقمة وخل الضفة{[7752]} وقال النقاش عن قتادة : { الرقيم } دراهمهم ، وقال أنس بن مالك والشعبي { الرقيم } الكلب ، وقال عكرمة { الرقيم } الدواة ، وقالت فرقة : { الرقيم } كان لفتية آخرين في السراة جرى لهم ما جرى ل { أصحاب الكهف } ، وروي عن ابن عباس أنه قال ما أدري ما { الرقيم } أكتاب أو بنيان ، وروي أنه قال : كل بالقرآن أعلمه إلا الحنان والأواه والرقيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.