المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

75- قل - أيها الرسول - لهؤلاء : من كان في الضلالة والكفر أمهله الرحمن ، وأملي له في العمر ليزداد طغياناً وضلالا ، وسيردد الكفار قولهم للمؤمنين : أي الفريقين خير مقاماً وأحسن نديا ؟ إلي أن يشاهدوا ما يوعدون : إما تعذيب المسلمين إياهم في الدنيا بالقتل والأسر ، وإما خزي القيامة لهم ، فحينئذ يعلمون أنهم شر منزلا وأضعف أنصارا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

قوله تعالى : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً } ، هذا أمر بمعنى الخبر ، معناه : يدعه في طغيانه ويمهله في كفره ، { حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب } ، وهو الأسر والقتل في الدنيا ، { وإما الساعة } يعني : القيامة ، فيدخلون النار ، { فسيعلمون } عند ذلك { من هو شر مكاناً } منزلاً { وأضعف جنداً } ، أقل ناصراً أهم أم المؤمنون ؟ لأنهم في النار ، والمؤمنون في الجنة وهذا رد عليهم في قوله { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

{ 75 } { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا }

لما ذكر دليلهم الباطل ، الدال على شدة عنادهم ، وقوة ضلالهم ، أخبر هنا ، أن من كان في الضلالة ، بأن رضيها لنفسه ، وسعى فيها ، فإن الله يمده منها ، ويزيده فيها حبا ، عقوبة له على اختيارها على الهدى ، قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ حَتَّى إِذَا رَأَوْا } أي : القائلون : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } { مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ } بقتل أو غيره { وَإِمَّا السَّاعَةَ } التي هي باب الجزاء على الأعمال { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا } أي : فحينئذ يتبين لهم بطلان دعواهم ، وأنها دعوى مضمحلة ، ويتيقنون أنهم أهل الشر ، { وَأَضْعَفُ جُنْدًا } ولكن لا يفيدهم هذا العلم شيئا ، لأنه لا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا ، فيعملون غير عملهم الأول .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد ، لهؤلاء المشركين بربهم المدعين ، أنهم على الحق وأنكم على الباطل : { مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ } أي : منا ومنكم ، { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } أي : فأمهله الرحمن{[19095]} فيما هو فيه ، حتى يلقى ربه وينقضي{[19096]} أجله ، { إِمَّا الْعَذَابَ } يصيبه ، { وَإِمَّا السَّاعَةَ } بغتة تأتيه ، { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا } [ أي ]{[19097]} : في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندي .

قال مجاهد في قوله : { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } فليدعه الله في طغيانه . هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .

وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه{[19098]} ، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الجمعة : 6 ] أي : ادعوا على المبطل منا ومنكم بالموت{[19099]} إن كنتم تدعون أنكم على الحق ، فإنه لا يضركم الدعاء ، فنكلوا عن ذلك ، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة " البقرة " مبسوطا ، ولله الحمد . وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة " آل عمران " حين{[19100]} صمموا على الكفر ، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله ، وقد ذكر الله حُجَجه وبراهينه على عبودية عيسى ، وأنه مخلوق كآدم ، قال{[19101]} بعد ذلك : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] فنكلوا أيضًا عن ذلك .


[19095]:في ت، ف، أ: "الله".
[19096]:في أ: "ويقضي".
[19097]:زيادة من أ.
[19098]:في أ: "وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون على هدى قيامهم".
[19099]:في ف: "أي ادعوا بالموت على المبطل منا ومنكم"، وفي أ: "أي ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم".
[19100]:في أ: "حتى".
[19101]:في ت: "وقال".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

ثم بين أن تمتيعهم استدراج وليس بإكرام وإنما العيار على الفضل والنقص ما يكون في الآخرة بقوله : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا } فيمده ويمهله بطول العمر والتمتع به ، وإنما أخرجه على لفظ الأمر إيذانا إمهاله مما ينبغي أن يفعله استدراجا وقطعا لمعاذيره كقوله تعالى : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } وكقوله { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } { حتى إذا رأوا ما يوعدون } غاية المد وقيل غاية قول الذين كفروا للذين آمنوا أي قالوا أي الفريقين حتى إذا رأوا ما يوعدون . { إما العذاب وإما الساعة } تفصيل للموعود فإنه إما العذاب في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا وإما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والنكال . { فسيعلمون من هو شر مكانا } من الفريقين بأن عاينوا الأمر على عكس ما قدروه وعاد ما متعوا به خذلانا ووبالآ عليهم ، وهو جواب الشرط والجملة محكية بعد { حتى } . { وأضعف جندا } أي فئة وأنصارا قابل به أحسن نديا من حيث إن حسن النادي باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا} (75)

هذا جواب قولهم { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن نَدِيّاً } [ مريم : 73 ] . لقن الله رسوله صلى الله عليه وسلم كشف مغالطتهم أو شبهتهم ؛ فأعلمهم بأن ما هم فيه من نعمة الدنيا إنما هو إمهال من الله إيّاهم ، لأنّ ملاذ الكافر استدراج . فمعيار التفرقة بين النّعمة الناشئة عن رضى الله تعالى على عبده وبين النعمة التي هي استدراج لمن كفر به هو النظر إلى حال من هو في نعمة بين حال هدى وحال ضلال . قال تعالى في شأن الأولين : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ النحل : 97 ] . وقال في شأن الآخرين { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } [ المؤمنون : 55 ، 56 ] .

والمعنى : أن من كان منغمساً في الضلالة اغترّ بإمهال الله له فركبه الغرور كما ركبهم إذ قالوا { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } .

واللاّم في قوله { فليمدد له الرحمان مداً } لام الأمر أو الدعاء ، استعملت مجازاً في لازم معنى الأمر ، أي التحقيق ، أي فسيمد له الرحمان مداً ، أي إن ذلك واقع لا محالة على سنّة الله في إمهال الضُّلال ، إعذاراً لهم ، كما قال تعالى : { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } [ فاطر : 37 ] ، وتنبيهاً للمسلمين أن لا يغتروا بإنعام الله على الضُّلال حتى أنّ المؤمنين يَدْعُون الله به لعدم اكتراثهم بطول مدة نعيم الكفّار .

فإن كان المقصود من { قُل } أن يقول النبي ذلك للكفّار فلام الأمر مجرد مجاز في التحقيق ، وإن كان المقصود أن يبلّغ النبيءُ ذلك عَن الله أنه قال ذلك فلامُ الأمر مجاز أيضاً وتجريد بحيث إنّ الله تعالى يأمر نفسه بأن يمد لهم .

والمدّ : حقيقته إرخاء الحبل وإطالته ، ويستعمل مجازاً في الإمهال كما هنا ، وفي الإطالة كما في قولهم : مدّ الله في عمرك .

و { مَدّاً } مفعول مطلق مؤكد لعامله ، أي فليمدد له المدّ الشديد ، فيسينتهي ذلك .

و { حتى } لغاية المد ، وهي ابتدائية ، أي يمدّ له الرحمان إني أن يَروا ما يوعدون ، أي لا محيص لهم عن رؤية ما أوعدوا من العذاب ولا يدفعه عنه طول مدّتهم في النّعمة . فتكون الغاية مضمون الجملة التي بعدها { حتى } لا لفظاً مفرداً . والتقدير : يمدّ لهم الرحمان حتى يروا العذاب فيعلموا من هو أسعد ومن هو أشقى .

وحرف الاستقبال لتوكيد حصول العلم لهم حينئذ وليس للدّلالة على الاستقبال لأنّ الاستقبال استفيد من الغاية .

و { إمّا } حرف تفصيل ل { ما يوعدون } ، أي ما أوعدوا من العذاب إما عذاب الدنيا وإما عذاب الآخرة ، فإن كلّ واحد منهم لا يعدو أن يرى أحد العذابين أو كليهما .

وانتصب لفظ { العذاب } على المفعولية ل { يَروْا . وحرف إما } غير عاطف ، وهو معترض بين العامل ومعموله ، كما في قول تأبّط شراً :

هما خطتّا إمّا إسارٍ ومِنّةٍ *** وإما دمٍ والموت بالحر أجدر

بجرّ ( إسار ، ومنّة ، ودم ) .

وقوله { شرّ مكاناً وأضعف جنداً } مقابل قولهم { خيرٌ مقاماً وأحسن نديّاً } [ مريم : 73 ] فالمكان يرادف المقام ، والجند الأعوان ، لأنّ الندي أريد به أهله كما تقدم ، فقوبل { خيرٌ نديّاً } ب { أضعفُ جنداً } .