المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

97- ولقد زعم بعضهم أنهم يعادونك ويكفرون بكتابك لأنهم أعداء لجبريل الذي يبلغك هذا الكتاب ، فقل أيها النبي لهم : من كان عدواً لجبريل فهو عدو الله ، لأن جبريل ما يجيء بهذا الكتاب من عنده ، وإنما ينزله بأمر الله مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية ، ومصدقاً لكتابهم نفسه ، وهدى وبشرى للمؤمنين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

قوله تعالى : { قل من كان عدواً لجبريل } . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن حبراً من أحبار اليهود يقال له عبد الله بن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أي ملك يأتيك من السماء قال جبريل . قال : ذلك عدونا من الملائكة ، ولو كان ميكائيل لآمنا بك ، إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة وإنه عادانا مراراً وكان من أشد ذلك علينا ، أن الله تعالى أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له بختنصر ، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه ، فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلبه ليقتله فانطلق حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً فأخذه ليقتله فدفع عنه جبريل ، وكبر بختنصر وقوي ، وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً ، فأنزل الله هذه الآية .

وقال مقاتل : قالت اليهود : إن جبريل عدونا لأنه أمر بجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا ، وقال قتادة وعكرمة والسدي : كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض بأعلى المدينة وممرها على مدارس اليهود فكان إذا أتى أرضه يأتيهم ويسمع منهم فقالوا له : ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك ، إنهم يمرون علينا فيؤذوننا وأنت لا تؤذينا وإنا لنطمع فيك فقال عمر : والله ما آتيكم لحبكم ولا أسألكم لأني شاك في ديني ، وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأرى آثاره في كتابكم فقالوا : من صاحب محمد الذي يأتيه من الملائكة قال : جبريل فقالوا : ذلك عدونا يطلع محمداً على سرنا وهو صاحب كل عذاب وخسف وسنة وشدة ، وإن ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والسلم ، فقال لهم عمر : تعرفون جبريل وتنكرون محمداً قالوا : نعم . قال : فأخبروني عن منزلة جبريل ، وميكائيل ، من الله عز وجل ؟ قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، وميكائيل عدو لجبريل ، قال عمر : فإني أشهد أن من كان عدواً لجبريل فهو عدو لميكائيل ، ومن كان عدواً لميكائيل فإنه عدو لجبريل ، ومن كان عدواً لهما كان الله عدوا له . ثم رجع عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات . فقال : لقد وافقك ربك يا عمر فقال عمر : لقد رأيتني بعد ذلك ، في دين الله أصلب من الحجر . قال الله تعالى : ( قل من كان عدواً لجبريل ) .

قوله تعالى : { فإنه } . يعني : جبريل .

قوله تعالى : { نزله } . يعنى : القرآن ، كناية عن غير مذكور .

قوله تعالى : { على قلبك } . يا محمد .

قوله تعالى : { بإذن الله } . بأمر الله .

قوله تعالى : { مصدقاً } . موافقاً .

قوله تعالى : { لما بين يديه } . لما قبله من الكتب .

قوله تعالى : { وهدىً وبشرى للمؤمنين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

{ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }

أي : قل لهؤلاء اليهود ، الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان بك ، أن وليك جبريل عليه السلام ، ولو كان غيره من ملائكة الله ، لآمنوا بك وصدقوا ، إن هذا الزعم منكم تناقض وتهافت ، وتكبر على الله ، فإن جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبك ، وهو الذي ينزل على الأنبياء قبلك ، والله هو الذي أمره ، وأرسله بذلك ، فهو رسول محض .

مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض ، وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات ، والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي ، لمن آمن به ، فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك ، كفر بالله وآياته ، وعداوة لله ولرسله وملائكته ، فإن عداوتهم لجبريل ، لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله .

فيتضمن الكفر والعداوة للذي أنزله وأرسله ، والذي أرسل به ، والذي أرسل إليه ، فهذا وجه ذلك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعًا [ على ]{[2221]} أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل ، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم ، وأن ميكائيل ولي لهم ، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك . فقال بعضهم : إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جَرَت بينَهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في{[2222]} أمر نبوته . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا يونس بن بُكَيْر ، عن عبد الحميد بن بَهرام ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن ابن عباس أنه قال : حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن خلال نسألك عنهن ، لا يعلمهن إلا نبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة وما أخذ يعقوب على بنيه ، لئن أنا حدثتكم شيئًا فعرفتموه لتتابِعُنِّي على الإسلام " . فقالوا : ذلك لك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوني عما شئتم " . فقالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن : أخبرنا أيّ الطعام حرم{[2223]} إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء{[2224]} المرأة وماء الرجل ؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم{[2225]} ووليه من الملائكة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنِّي ؟ " فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق . فقال : " نشدتكم{[2226]} بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضًا شديدًا فطال سقمه منه ، فنذر لله نذرًا لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحوم{[2227]} الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها ؟ " . فقالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد{[2228]} عليهم . وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله ؟ " . قالوا : اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد " . قال : " وأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟ " . قالوا : اللهم نعم . قال : " اللهم اشهد " . قالوا : أنت الآن ، فحدثنا من وليك من الملائكة ، فعندها نجامعك أو نفارقك . قال : " فإن وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبيًا قط إلا وهو وليُّه " . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليّك سواه من الملائكة تابعناك{[2229]} وصدقناك . قال : " فما مَنَعكم أن تصدقوه ؟ " قالوا : إنه عدونا . فأنزل الله عز وجل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } إلى قوله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 103 ] فعندها باؤوا بغضب على غضب{[2230]} .

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم وعبد بن حميد في تفسيره ، عن أحمد بن يونس ، كلاهما عن عبد الحميد بن بَهرام ، به{[2231]} .

ورواه الإمام أحمد - أيضاً - عن الحسين بن محمد المروزي ، عن عبد الحميد ، بنحوه [ به ]{[2232]} {[2233]} .

وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، فذكره مرسلا وزاد فيه : قالوا : فأخبرنا عن الروح قال : " أنشدكم بالله وبآياته {[2234]}_

عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه جبريل ، وهو الذي يأتيني ؟ " قالوا : نعم ، ولكنه لنا عدو ، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ، فلولا ذلك اتبعناك{[2235]} . فأنزل الله فيهم : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } إلى قوله : { كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 101 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد{[2236]} حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي ، عن بكير بن شهاب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم ، إنا نسألك عن خمسة أشياء ، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك . فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال : { اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [ يوسف : 66 ] قال : " هاتوا " . قالوا : أخبرنا عن علامة النبي . قال : " تنام عيناه ولا ينام قلبه " . قالوا : أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل ؟ قال : " يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت " ، قالوا : أخبرنا ما{[2237]} حرّم إسرائيل على نفسه . قال : " كان يشتكي عِرْق النَّساء ، فلم يجد شيئًا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا " - قال أحمد : قال بعضهم : يعني الإبل ، فحرم لحومها - قالوا : صدقت . قالوا : أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال " ملك من ملائكة الله ، عز وجل ، موكل بالسحاب بيديه - أو في يده - مِخْراق من نار يزجر به السحاب ، يسوقه حيث أمره الله عز وجل " . قالوا : فما هذا الصوت الذي نسمعه ؟ قال : " صوته " . قالوا : صدقت . إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا {[2238]} إنه ليس من نبي إلا وله مَلَك يأتيه بالخبر ، فأخبرنا من صاحبك ؟ قال : " جبريل عليه السلام " ، قالوا : جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا ، لو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان{[2239]} فأنزل الله عز وجل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } إلي آخر الآية .

ورواه الترمذي ، والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد ، به{[2240]} . وقال الترمذي : حسن غريب .

وقال سُنَيْد في تفسيره ، عن حجاج بن محمد ، عن ابن جُرَيْج : أخبرني القاسم بن أبي بَزَّة أن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل{[2241]} عليه بالوحي . قال : " جبريل " . قالوا : فإنه لنا عدو ، ولا يأتي إلا بالشدة والحرب والقتال . فنزل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } الآية . قال ابن جريج : وقال مجاهد : قالت يهود : يا محمد ، ما ينزل{[2242]} جبريل إلا بشدة وحرب وقتال ، وإنه لنا عدو . فنزل : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } الآية .

وقال البخاري : قوله : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } قال عكرمة : جبر ، وميك ، وإسراف : عبد . وإيل : الله . حدثنا عبد الله بن مُنير{[2243]} سَمِع عبد الله بن بكر{[2244]} حدثنا حُمَيد ، عن أنس بن مالك ،

قال : سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن{[2245]} إلا نبي : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام أهل الجنة ؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : " أخبرني بِهن جبريل آنفًا " . قال : جبريل ؟ قال : " نعم " . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ } " أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة [ ماء الرجل ] {[2246]} نزعت " . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك{[2247]} رسول الله . يا رسول الله ، إن اليهود قوم بُهُت ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني{[2248]} . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ " قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا . قال : " أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام " . فقالوا : أعاذه الله من ذلك . فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله . فقالوا : شرنا وابن شرنا . فانتقصوه .

قال{[2249]} هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله .

انفرد به البخاري من هذا الوجه{[2250]} وقد أخرجه من وجه آخر ، عن أنس بنحوه{[2251]} وفي صحيح مسلم ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب من هذا السياق{[2252]} كما سيأتي في موضعه{[2253]} .

وحكاية البخاري عن عكرمة هو المشهور أن " إيل " هو الله . وقد رواه سفيان الثوري ، عن خَصِيف ، عن عكرمة .

ورواه عبد بن حميد ، عن إبراهيم بن الحكم ، عن أبيه ، عن عكرمة ، ورواه ابن جرير ، عن الحسين بن يزيد الطحان ، عن إسحاق بن منصور ، عن قيس ، عن عاصم ، عن عكرمة ، أنه قال : إن جبريل اسمه عبد الله وميكائيل : عبيد الله . إيل : الله .

ورواه يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله سواء . وكذا قال غير واحد من السلف ، كما سيأتي قريبا .

[ وقال الإمام أحمد في أثناء حديث سمرة بن جندب : حدثنا محمد بن سلمة ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال : قال لي علي بن الحسين : اسم جبريل عبد الله ، واسم ميكائيل : عبيد الله ]{[2254]} .

ومن الناس من يقول : " إيل " عبارة عن عبد ، والكلمة الأخرى هي اسم الله ؛ لأن كلمة " إيل " لا تتغير في الجميع ، فوزانه : عبد الله ، عبد الرحمن ، عبد الملك ، عبد القدوس ، عبد السلام ، عبد الكافي ، عبد الجليل . فعبد موجودة في هذا كله ، واختلفت الأسماء المضاف إليها ، وكذلك جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ونحو ذلك ، وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف ، والله أعلم .

ثم قال ابن جرير : وقال آخرون : بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب وبينهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن المثنى ، حدثني ربعي بن عُلَيّة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال : نزل عمر الروحاء ، فرأى رجالا يبتدرون أحجارًا يصلون إليها ، فقال : ما بال هؤلاء ؟ قالوا : يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى هاهنا . قال : فكفر ذلك . وقال : إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد صلاها ثم ارتحل ، فتركه . ثم أنشأ يحدثهم ، فقال : كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسهم{[2255]} فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة ؟ فبينما أنا عندهم ذات يوم ، قالوا : يا ابن الخطاب ، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك . قلت : ولم ذلك ؟ قالوا : إنك تغشانا وتأتينا . فقلت : إني آتيكم فأعجب من الفرقان{[2256]} كيف يصدق التوراة ، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان . قال : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا ابن الخطاب ، ذاك صاحبكم فالحق به ، قال : فقلت لهم عند ذلك : نشدتكم{[2257]} بالله الذي لا إله إلا هو ، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه : أتعلمون أنه رسول الله ؟ قال : فسكتوا . فقال لهم عالمهم وكبيرهم : إنه قد غَلَّظ عليكم فأجيبوه . فقالوا : فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت . قال : أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله ، قال : قلت : ويحكم فأنَّي هلكتم ؟ ! قالوا{[2258]} إنا لم نهلك{[2259]} [ قال ]{[2260]} : قلت : كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله [ ثم ]{[2261]} ولا تتبعونه ولا تصدقونه ؟ قالوا : إن لنا عدوا من الملائكة وسِلْمًا من الملائكة ، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة . قال : قلت : ومن عدوكم ومن سلمكم ؟ قالوا : عدونا جبريل ، وسلمنا ميكائيل . قال : قلت : وفيم عاديتم جبريل ، وفيم سالمتم ميكائيل ؟ قالوا : إن جبريل مَلَك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا ، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا .

قال : قلت : وما منزلتهما من ربهما عز وجل ؟ قالوا : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره . قال : قلت : فو [ الله ]{[2262]} الذي لا إله إلا هو ، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما وما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل . ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خَوْخة لبني فلان ، فقال : يا ابن الخطاب ، ألا أقرئك آيات نزلن{[2263]} قبل ؟ " فقرأ عليّ : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } حتى قرأ هذه الآيات . قال : قلت : بأبي وأمي يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك ، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر{[2264]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن مجالد ، أنبأنا عامر ، قال : انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود ، فقال : أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى : هل تجدون محمدًا في كتبكم ؟ قالوا : نعم . قال : فما يمنعكم أن تتبعوه ؟ قالوا : إن الله لم يبعث رسولا{[2265]} إلا جعل له من الملائكة كفْلا وإن جبريل كَفَل محمَّدًا ، وهو الذي يأتيه ، وهو عدونا من الملائكة ، وميكائيل سلمنا ؛ لو كان ميكائيل هو الذي يأتيه أسلمنا . قال : فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى : ما منزلتهما من رب العالمين ؟ قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله . قال عمر . وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله ، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبريل ، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل . فبينما هو عندهم إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذا صاحبك يا ابن الخطاب : فقام إليه عمر ، فأتاه ، وقد أنزل الله ، عز وجل ، عليه : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ }{[2266]} .

وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر ، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر ، فإنه لم يدرك وفاته{[2267]} ، والله أعلم .

وقال ابن جرير : حدثنا بشر{[2268]} حدثنا يزيد بن زُرَيع ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود . فلما أبصروه{[2269]} رحبوا به ، فقال لهم عمر : أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ، ولكن جئت لأسمع منكم . فسألهم وسألوه . فقالوا : من صاحب صاحبكم{[2270]} ؟ فقال لهم : جبريل . فقالوا : ذاك عدونا من أهل السماء ، يُطلع محمدًا على سرنا ، وإذا جاء جاء الحرب والسَّنَة ، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل ، وكان إذا جاء جاء الخصب والسلم . فقال لهم عمر : هل تعرفون جبريل وتنكرون محمدًا صلى الله عليه وسلم ؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ،

ليحدثه حديثهم ، فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ }{[2271]} .

ثم قال : حدثني المثنى ، حدثنا آدم ، حدثنا أبو جعفر عن قتادة ، قال : بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يومًا ، فذكر نحوه . وهذا - أيضًا - منقطع ، وكذلك رواه أسباط ، عن السدي ، عن عمر مثل هذا أو نحوه ، وهو{[2272]} منقطع أيضًا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن - يعني الدَّشْتَكي - حدثنا أبو جعفر ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا أتي{[2273]} عمر بن الخطاب ، فقال : إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا . فقال عمر : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } قال : فنزلت على لسان عمر ، رضي الله عنه{[2274]} .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن ابن أبي ليلى في قوله : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } قال : قالت اليهود للمسلمين : لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم اتبعناكم ، فإنه ينزل بالرحمة والغيث ، وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة ، فإنه لنا عدو{[2275]} قال : فنزلت هذه الآية .

حدثني يعقوب قال : حدثنا هُشَيْم ، أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء ، بنحوه . وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة في قوله : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } قال : قالت اليهود : إن جبريل عدونا ، لأنه ينزل بالشدة والسَّنَة ، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب ، فجبريل عدونا . فقال الله تعالى : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } [ الآية ]{[2276]} .

وأما تفسير الآية فقوله تعالى : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : من عادى جبريل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك ، فهو رسول من رسل الله مَلَكي [ عليه وعلى سائر إخوانه من الملائكة السلام ]{[2277]} ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل ، كما أن من آمن برسول فإنه يلزمه الإيمان بجميع الرسل ، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } [ النساء : 150 ، 151 ] فحكم عليهم بالكفر المحقّق ، إذْ آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم{[2278]} وكذلك من عادى جبريل فإنه عدو لله ؛ لأن جبريل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه ، وإنما ينزل بأمر ربه كما قال : { وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } [ مريم : 64 ] وقال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 192 - 194 ] وقد روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب " {[2279]} . ولهذا غضب الله لجبريل على من عاداه ، فقال : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : مِنَ الكتب المتقدمة { وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة ، وليس ذلك إلا للمؤمنين . كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، وقال تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] .


[2221]:زيادة من جـ، ط.
[2222]:في جـ، ط، ب، أ: "من".
[2223]:في جـ، ط: "الذي حرم".
[2224]:في جـ: "كيف يكون ماء".
[2225]:في جـ، ط، ب، أ: "في التوراة".
[2226]:في جـ: "أنشدكم".
[2227]:في جـ: "لحم"، وفي ط، ب، أ، و: "لحمان".
[2228]:في جـ: "اللهم أشهدك".
[2229]:في جـ: "لتابعناك" وفي ط:: "بايعناك".
[2230]:تفسير الطبري (2/377).
[2231]:المسند (1/278).
[2232]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2233]:المسند (1/273).
[2234]:في ط، ب: "وبأيامه".
[2235]:في جـ: "لتبعناك".
[2236]:في جـ: "أبو عمر".
[2237]:في جـ، ط: "أخبرنا عما".
[2238]:في ب "أخبرتنا بها".
[2239]:في جـ: "لكنا تابعناك".
[2240]:المسند (1/274) وسنن الترمذي برقم (3117) وسنن النسائي الكبرى برقم (9072).
[2241]:في أ: "نزل".
[2242]:في جـ، ط، أ: "ما نزل".
[2243]:في جـ، ط، ب، أ، و: "بن نمير".
[2244]:في أ: "بن بكير".
[2245]:في أ: "لا يعرفهن".
[2246]:زيادة من جـ.
[2247]:في جـ، ط: "وأن محمدًا".
[2248]:في جـ: "بهتوني".
[2249]:في جـ: "فقال".
[2250]:صحيح البخاري برقم (4480).
[2251]:صحيح البخاري برقم (3329) من طريق مروان بن معاوية عن حميد، عن أنس، وصحيح البخاري برقم (3938) من طريق بشر ابن المفضل، عن حميد، عن أنس.
[2252]:صحيح مسلم برقم (315).
[2253]:في جـ: "كما سيأتي في موضعه إن شاء الله".
[2254]:زيادة من جـ، ط.
[2255]:في جـ، أ: "يوم مدارستهم".
[2256]:في أ، و: "القرآن".
[2257]:في أ: "أنشدكم".
[2258]:في جـ: "فقالوا".
[2259]:في جـ، ط: "إياكم يهلك".
[2260]:زيادة من أ.
[2261]:زيادة من ط.
[2262]:زيادة من جـ، ب، أ، و.
[2263]:في جـ: "نزلت".
[2264]:تفسير الطبري (2/ 382).
[2265]:في جـ: "نبيا رسولا".
[2266]:تفسير ابن أبي حاتم (1/290).
[2267]:في جـ، ط، ب، أ، و: "زمانه".
[2268]:في أ: "محمد بن بشر".
[2269]:في جـ، ط، ب، أ، و: "فلما انصرف".
[2270]:في أ، و: "صاحبكم".
[2271]:تفسير الطبري (2/383).
[2272]:في أ: "وهذا".
[2273]:في جـ، ط، ب، أ، و: "لقي".
[2274]:تفسير ابن أبي حاتم (1/ 291) وهذا منقطع، ابن أبي ليلي لم يدرك عمر.
[2275]:في جـ: "فإنه عدونا".
[2276]:زيادة من جـ.
[2277]:زيادة من جـ.
[2278]:في أ: "وكفروا ببعض".
[2279]:صحيح البخاري برقم (6502).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

{ قل من كان عدوا لجبريل } نزل في عبد الله بن صوريا ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ينزل عليه بالوحي ، فقال جبريل ، فقال : ذاك عدونا عادانا مرارا وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بختنصر ، فبعثنا من يقتله فرآه ببابل فدفع عنه جبريل . وقال : إن كان ربكم أمره بهلاككم فلا يسلطكم عليه وإلا فيم تقتلونه ؟ وقيل : دخل عمر رضي الله تعالى عنه مدارس اليهود يوما ، فسألهم عن جبريل فقالوا : ذاك عدونا يطلع محمدا على أسرارنا وإنه صاحب كل خسف وعذاب ، وميكائيل صاحب الخصب والسلام ، فقال : وما منزلتهما من الله ؟ قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وبينهما عداوة ، فقال ؛ لئن كانا كما تقولون فليسا بعدوين ولأنتم أكفر من الحمير ، ومن كان عدو أحدهما فهو عدو الله . ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقال عليه الصلاة والسلام " لقد وافقك ربك يا عمر " . وفي جبريل ثمان لغات قرئ بهن أربع في : المشهور " جبرئيل " كسلسبيل قراءة حمزة والكسائي ، و{ جبريل } بكسر الراء وحذف الهمزة قراءة ابن كثير ، و " جبرئيل " كجحمرش قراءة عاصم برواية أبي بكر ، و{ جبريل } كقنديل قراءة الباقين . وأربع في الشواذ : " جبرائيل " كجبراعيل ، و " جبريل " وجبرين ومنع صرفه للعجمة ، والتعريف ، ومعناه عبد الله . { فإنه نزله } البارز الأول لجبريل ، والثاني للقرآن ، وإضماره غير مذكور يدل على فخامة شأنه كأنه لتعينه وفرط شهرته لم يحتج إلى سبق ذكره . { على قلبك } فإنه القابل الأول للوحي ، ومحل الفهم والحفظ ، وكان حقه على قلبي لكنه جاء على حكاية كلام الله تعالى كأنه قال : قل ما تكلمت به . { بإذن الله } بأمره ، أو تيسيره حال من فاعله نزله . { مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين } أحوال من مفعوله ، والظاهر أن جواب الشرط { فإنه نزله } ، والمعنى من عادى منهم جبريل فقد خلع ربقه الإنصاف ، أو كفر بما معه من الكتاب بمعاداته إياه لنزوله عليك بالوحي ، لأنه نزول كتابا مصدقا للكتب المتقدمة ، فحذف الجواب وأقيم علته مقامه ، أو من عاداه فالسبب في عداوته أنه نزله عليك . وقيل محذوف مثل : فليمت غيظا ، أو فهو عدو لي وأنا عدو له كما قال :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

{ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } ( 97 )

وقوله تعالى : { قل من كان عدواً لجبريل } الآية : نزل على سبب لم يتقدم له ذكر فيما مضى من الآيات ، ولكن أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت : جبريل عدونا ، واختلف في كيفية ذلك( {[986]} ) ، فقيل إن يهود فدك قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : نسألك عن أربعة أشياء فإن عرفتها اتبعناك ، فسألوه عما حرم إسرائيل على نفسه ، فقال : لحوم الإبل وألبانها ، وسألوه عن الشبه في الولد ، فقال : أي ماء علا كان الشبه له ، وسألوه عن نومه ، فقال : تنام عيني ولا ينام قلبي ، وسألوه عمن يجيئه من الملائكة ، فقال : جبريل ، فلما ذكره قالوا ذاك عدونا ، لأنه ملك الحرب والشدائد والجدب ، ولو كان الذي يجيئك ميكائيل ملك الرحمة والخصب والأمطار لاتبعناك ، وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتكرر على بيت المدارس فاستحلفتهم يوماً بالذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتعلمون أن محمداً نبي ؟ قالوا نعم ، قال : فلم تهلكون في تكذبيه( {[987]} ) ، قالوا : صاحبه جبريل وهو عدونا ، وذكر أنهم قالوا سبب عداوتهم له أنه حمى بختنصر حين بعثوا إليه قبل أن يملك من يقتله ، فنزلت هذه الآية لقولهم .

وفي جبريل لغات : «جِبرِيل » بكسر الجيم والراء من غير همز ، وبها قرأ نافع ، و «جَبرِيل » بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز ، وبها قرأ ابن كثير ، وروي عنه أنه قال : «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ ( جبريل وميكال ) ( {[988]} ) فلا أزال أقرؤهما أبداً كذلك( {[989]} ) » ، وجَبرَيل بفتح الجيم والراء وهمزة بين الراء واللام وبها قرأ عاصم ، و «جَبرَءيل » بفتح الجيم والراء وهمزة بعد الراء وياء بين الهمزة واللام ، وبها قرأ حمزة والكسائي وحكاها الكسائي عن عاصم ، «وجبرائل » بألف بعد الراء ثم همزة وبها قرأ عكرمة ، و «جبرائيل » بزيادة ياء بعد الهمزة( {[990]} ) ، و «جبراييل » بياءين وبها قرأ الأعمش ، و «جَبرَئلّ » بفتح الجيم والراء وهمزة ولام مشددة ، وبها قرأ يحيى بن يعمر ، و «جبرال » لغة فيه ، و «جِبرِين » بكسر الجيم والراء وياء ونون ، قال الطبري : «هي لغة بني أسد » ولم يقرأ بها ، و «جبريل » اسم أعجمي عربته العرب فلها فيه هذه اللغات( {[991]} ) ، فبعضها هي موجودة في أبنية العرب ، وتلك أدخل في التعريب كجبريل الذي هو كقنديل ، وبعضها خارجة عن أبنية العرب فذلك كمثل ما عربته العرب ولم تدخله في بناء كإبريسم وفرند وآجُرّ ونحوه( {[992]} ) .

وذكر ابن عباس رضي الله عنه وغيره أن «جبر » و «ميك » و «سراف » هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك ، وإيل اسم الله تعالى( {[993]} ) ، ويقال فيه إلّ ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع سجع مسيلمة : هذا كلام لم يخرج من إلّ .

وقوله تعالى : { فإنه نزّله على قلبك }( {[994]} ) الضمير في { فإنه } عائد على الله عز وجل ، والضمير في { نزّله } عائد على جبريل صلى الله عليه وسلم ، والمعنى بالقرآن وسائر الوحي ، وقيل : الضمير في «إنه » عائد على جبريل وفي { نزله } على القرآن ، وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف( {[995]} ) ، وجاءت المخاطبة بالكاف في { قلبك } اتساعاً في العبارة إذ ليس ثم من يخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكاف ، وإنما يجيء قوله : فأنه نزله على قلبي ، لكن حسن هذا إذ يحسن في الكلام العرب أن تحرز اللفظ الذي يقوله المأمور بالقول ويحسن أن تقصد المعنى الذي يقوله فتسرده مخاطبة له( {[996]} ) ، كما تقول لرجل : قل لقومك لا يهينوك ، فكذلك هي الآية ، ونحو من هذا قول الفرزدق [ الطويل ]

ألم تَرَ أنّي يوم جو سويقة . . . بكيت فنادتْني هنيدةُ ما ليا( {[997]} )

فأحرز المعنى ونكب عن نداء هنيدة «ما لك » ، و { بإذن الله } معناه : بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة ، و { مصدقاً } حال من ضمير القرآن( {[998]} ) في { نزله } و { ما بين يديه } : ما تقدمه من كتب الله تعالى ، { هدى } إرشاد ، والبشرى : أكثر استعمالها في الخير ، ولا تجيء في الشر إلا مقيدة به ، ومقصد هذه الآية : تشريف جبريل صلى الله عليه وسلم وذم معاديه .


[986]:- أي في سبب هذا القول، فقيل: إن سبب ذلك محاورتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: محاورتهم مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكل سند. والظاهر أن أسئلة عبد الله بن سلام لم تكن سببا لنزول الآية الكريمة، وإن تليت الآية عندها، إذ لا يلزم من تلاوتها نزولها حينئذ، والله أعلم.
[987]:- أي بسبب تكذيبه.
[988]:- حاصل قراءة السبعة في (حبريل وميكائيل) أن حمزة والكسائي قرآ بفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة بعدها ياء، وشعبة مثلهما إلا أنه يقرأ بدون ياء بعد الهمزة، والباقون يقرؤون (جبريل) بكسر الجيم كقنديل، إلا ابن كثير فإنه يفتح الجيم فقط، وأما (ميكائيل) فقرأ نافع بالهمز من دون ياء، والبصري وحفص بحذف الهمز والياء كميزان، والباقون بإثباتهما، وروي (ميكال) عن ابن كثير منذ رآها في النوم. ويأتي عند ابن عطية لدى قوله تعالى: (من كان عدوا لله) الآية: أن لابن كثير ثلاث قراءات.
[989]:- أي مع اعتماد الرواية في ذلك، إذ لا يعتمد في مثل هذا على المنام.
[990]:- نسب أبو (ح) قراءة (جبرائيل، وجبْراييل) إلى ابن عباس وعكرمة، انظره.
[991]:- يعني أنها تصرفت فيه هذه التصرفات العشرة. قال ابن جني: العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه اهـ.
[992]:- الإبريسم بكسر السين وفتحها: الحرير معرب، والفِرند بكسر الفاء: السيف وجوهره، والورد الأحمر، معرب. والأجر بشد الراء: الطوب الذي بيني به، معرب.
[993]:- قال أبو عبد الله البخاري: قال عكرمة: جبرا وميكا وإسراف: عبد، إيل: الله- وما حكاه البخاري عن عكرمة هو المشهور من قولهم أن إيل هو الله، وقد رواه سفيان الثوري عن نصيف، عن عكرمة. ورواه عبد بن حميد، عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، ورواه ابن جرير بسنده عن عكرمة، وبذلك قال غير واحد من السلف. قال أبو علي الفارسي: هذا لا يستقيم من وجهين: أحدهما أن إيل لا يعرف من أسماء الله تعالى في اللغة العربية، والآخر أنه لو كان كذلك لكان آخر الاسم مجرورا أبدا كما تقول عبد الله. ومن الناس من يقول: إيل عبارة عن عبد، والكلمة الأخرى هي اسم الله، لأن كلمة إيل لا تتغير في الجميع، وكلام العجم يقدم المضاف إليه على المضاف.
[994]:- هذا القول يقوم مقام الجواب، والمعنى: من كان عدوا لجبريل فليمُتْ غيظا، وليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل القرآن على قبلك بإذن الله، فهو رسول الله، ومن عادى رسولا فقد عادى الرسل كلهم، كما أن من كفر برسول فيلزمه الكفر بجميع الرسل، ومن عادى جبريل فقد عادى الله، ومن عادى الله هلك. وفي الحديث: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب). وفي الحديث أيضا: (إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب).
[995]:- ولأنه إذا صلح صلح الجسد كله كما في الحديث المشهور.
[996]:- يعنى أنه يجوز في كلام العرب للمأمور أن يقصد اللفظ بالقول، وأن يقصد المعنى فيسرده بالخطاب كما في الآية الكريمة، وكما في بيت الفرزدق.
[997]:- وبعد هذا البيت: فقلت لها: إن البكاء لراحة به يشتــفي من ظــن ألا تــــلاقـــيا قفي ودعينا يا هُنَيْدُ فإنـني أرى الحي قد شاموا العقيق اليمانيا وهي أول قصيدة هجا بها الفرزدق جريرا والبعيث. و(جو سويقة) موضع. وفي بلاد العرب أجوبة كثيرة كل جو منها يعرف بما نسب إليه.
[998]:- أي على الإعراب الثاني وهو أن ضمير (فإنه) عائد على جبريل، وضمير (نزله) عائد على القرآن، وهذا الإعراب أصح من الأول، والضمير الثاني عائد على القرآن من دون تقدم ذكره إيذانا بفخامة شأنه، لكمال شهرته ونباهته، لا سيما عند ذكر بعض صفاته.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل، إذْ زعموا أن جبريل عدوّ لهم، وأن ميكائيل وليّ لهم. ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك؛

فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوّته... عن ابن عباس أنه قال: حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهنّ لا يعلمهن إلا نبيّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَلُوا عَمّا شِئْتُمْ، وَلَكِنْ اجْعَلُوا لِي ذِمّةَ اللّهِ وَمَا أخَذَ يَعْقُوبُ على بَنِيهِ لَئِنْ أنا حَدّثْتُكُمْ شَيْئا فَعَرَفْتُمُوهُ لَتُتابِعُنّي على الإسْلامِ». فقالوا: ذلك لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَلُونِي عَمّا شِئْتُمْ» فقالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن؛ أخبرنا أيّ الطعام حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبيّ الأميّ في النوم ومَنْ وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ عَهْدُ اللّهِ لَئِنْ أنا أنْبَأْتُكُمْ لَتُتابعُنّي». فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق، فقال: «نَشَدْتُكُمْ بالّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ على مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ إسْرَائِيلَ مَرِضَ مَرَضا شَدِيدا، فَطالَ سَقَمُه مِنْه، فَنَذَرَ نَذْرا؛ لَئِنْ عافاه الله مِنْ سَقَمِهِ، لَيُحَرّمَنّ أحَبّ الطّعامِ والشرَابِ إلَيْهِ، وكانَ أحَبّ الطّعامِ إلَيْهِ لَحْمُ الإبِلِ؟ وأحَبّ الشّرَابِ إلَيْهِ ألْبانها» فقالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشْهِد الله عَلَيْكُمْ وأنْشُدُكُمْ بِاللّهِ الّذِي لا إلَه إلاّ هُوَ الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ على مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ ماءَ الرّجُلِ أبْيَضُ غَلِيظٌ، وأنّ مَاءَ المَرأةِ أصْفَرُ رَقِيقٌ، فَأيّهُما عَلاَ كَانَ لَهُ الوَلَدُ وَالشّبَهُ بإذْنِ اللّهِ، فَاذَا عَلاَ مَاءُ الرّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرا بِإذْنِ اللّهِ، وَإِذَا عَلاَ مَاءُ الْمَرَأَةِ مَاءَ الرّجُلِ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى بِإذْنِ اللّهِ؟». قالوا: اللهم نعم قال: «اللّهُمّ اشْهَدْ». قال: «وَأنْشُدُكُمْ بالّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ على مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أنّ هَذَا النّبِيّ الأمي تَنامُ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنامُ قَلْبُهُ؟». قالوا: اللهم نعم قال: «اللّهُمّ اشهَدْ». قالوا: أنت الاَن تحدثنا مَنْ وليك من الملائكة؟ فعندها نتابعك أو نفارقك. قال: «فَإنّ وَلِيّي جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللّهُ نَبِيّا قَطّ إِلاّ وَهُوَ وَلِيّهُ». قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: «فَمَا يَمْنَعُكُمْ أنْ تُصَدّقُوهُ؟» قالوا: إنه عدوّنا. فأنزل الله عزّ وجل:"مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَانّهُ نَزّلَهُ على قَلْبِكَ بِإذْنِ اللّهِ" إلى قوله: "كأنّهُمْ لا يَعْلَمُونَ". فعندها باءوا بغضب على غضب... عن ابن جريج، قال: حدثني القاسم بن أبي بزة: أن يهود سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي، فقال: «جِبْرِيل». قالوا: فإنه لنا عدوّ ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال. فَنَزَلَ: {مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ} الآية.

وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبينهم في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم...عن الشعبي، قال: نزل عمر الرّوْحَاء، فرأى رجالاً يبتدرون أحجارا يصلّون إليها، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ههنا. فكره ذلك وقال: إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بوادٍ فصلى ثم ارتحل فتركه. ثم أنشأ يحدثهم فقال: كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسهم فأعجب من التوراة كيف تصدّق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدّق التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحبّ إلينا منك قلت: ولم ذلك؟ قالوا: إنك تغشانا وتأتينا. قال: قلت إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدّق التوراة ومن التوراة كيف تصدّق الفرقان قال: ومَرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به قال: فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم بالله الذي لا إلَه إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه، أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا. قال: فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظّم عليكم فأجيبوه قالوا: أنت عالمنا وسيدنا فأجبه أنت. قال: أما إذْ أنشدتنا به، فإنا نعلم أنه رسول الله. قال: قلت: ويحكم إذا هلكتم. قالوا: إنا لم نهلك. قال: قلت: كيف ذاك وأنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا تتبعونه، ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لنا عدوّا من الملائكة وسِلْما من الملائكة، وإنه قُرِنَ به عدوّنا من الملائكة. قال: قلت: ومن عدوّكم ومن سِلْمُكم؟ قالوا: عدوّنا جبريل وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والاَخر عن يساره، قال: قلت: فوالله الذي لا إلَه إلا هو إنهما والذي بينهما لعدوّ لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدوّ ميكائيل، ولا لميكائيل أن يسالم عدوّ جبريل. قال: ثم قمت فاتبعت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلحقته وهو خارج من مَخْرَفة لبني فلان فقال لي: «يَا ابْنَ الخَطّابِ أَلاَ أُقْرِئُكَ آياتٍ نَزَلْنَ؟» فقرأ علي: "قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجبْرِيلَ فَإنّهُ نَزّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإذْنِ اللّهِ مُصَدّقا لَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ "حتى قرأ الآيات. قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله والذي بعثك بالحقّ لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر...

{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَانّهُ نَزّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإذْنِ اللّهِ}: قل يا محمد لمعاشر اليهود من بني إسرائيل الذين زعموا أن جبريل لهم عدوّ من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبات لا صاحب وحي وتنزيل ورحمة، فأبوا اتباعك وجحدوا نبوّتك، وأنكروا ما جئتهم به من آياتي وبينات حكمي من أجل أن جبريل وليك وصاحب وحيي إليك، وزعموا أنه عدوّ لهم: من يكن من الناس لجبريل عدوّا ومنكرا أن يكون صاحب وحي الله إلى أنبيائه وصاحب رحمته فإني له وليّ وخليل، ومقرّ بأنه صاحب وحي إلى أنبيائه ورسله، وأنه هو الذي ينزل وحي الله على قلبي من عند ربي بإذن ربي له بذلك يربط به على قلبي ويشدّ فؤادي... وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك.

وإنما قال جل ثناؤه: {فَإنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} وهو يعني بذلك قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر محمدا في أول الآية أن يخبر اليهود بذلك عن نفسه، ولم يقل: فإنه نزّله على قلبي. ولو قيل «على قلبي» كان صوابا من القول...

{مُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ القرآن}: فإن جبريل نزّل القرآن على قلبك يا محمد مصدقا لما بين يدي القرآن، يعني بذلك مصدقا لما سلف من كتب الله أمامه، ونزلت على رسله الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه إياها موافقة معانيه معانيها في الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم. وما جاء به من عند الله، وهي تصدّقُه...

{وَهُدًى} ودليل وبرهان. وإنما سماه الله جل ثناؤه «هُدًى» لاهتداء المؤمن به، واهتداؤه به اتخاذه إياه هاديا يتبعه وقائدا ينقاد لأمره ونهيه وحلاله وحرامه. والهادي من كل شيء ما تقدم أمامه، ومن ذلك قيل لأوائل الخيل: هَوَادِيها، وهو ما تقدم أمامها، وكذلك قيل للعنق: الهادي، لتقدمها أمام سائر الجسد.

["وبشرى"] وأما البشرى فإنها البشارة. أخبر الله عباده المؤمنين جل ثناؤه أن القرآن لهم بشرى منه لأنه أعلمهم بما أعدّ لهم من الكرامة عنده في جناته، وما هم إليه صائرون في معادهم من ثوابه. وذلك هو البشرى التي بشر الله بها المؤمنين في كتابه، لأن البشارة في كلام العرب هي إعلام الرجل بما لم يكن به عالما مما يسره من الخير قبل أن يسمعه من غيره أو يعلمه من قبل غيره. وقد روي في ذلك عن قتادة قول قريب المعنى مما قلناه.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {هُدًى وبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه وانتفع به واطمأن إليه وصدّق بموعود الله الذي وعد فيه، وكان على يقين من ذلك.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

زعمت اليهود أن جبريل لا يأتي بالخير، وأنهم لا يحبونه، ولو كان ميكائيل لكانوا آمنوا به، فأكذبهم الحقُّ سبحانه فقال: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ} لأنه لا يأتي بالخير، فأي خير أعظم مما نزل به من القرآن؟!...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: كيف استقام قوله: «فإنه نزله» جزاء للشرط؟ قلت: فيه وجهان:

أحدهما إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته حيث نزل كتاباً مصدّقاً للكتب بين يديه، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم.

والثاني: إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزل عليك القرآن مصدّقاً لكتابهم وموافقاً له، وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم، ولذلك كانوا يحرفونه ويجحدون موافقته له، كقولك: إن عاداك فلان فقد آذيته وأسأت إليه، أُفرد الملكان بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر، وهو مما ذكر أنّ التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذا النوع أيضا من أنواع قبائح اليهود ومنكرات أقوالهم وأفعالهم، واعلم أن الأقرب أن يكون سبب عداوتهم له أنه كان ينزل القرآن على محمد عليه السلام لأن قوله: {من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله} مشعر بأن هذا التنزيل لا ينبغي أن يكون سببا للعداوة لأنه إنما فعل ذلك بأمر الله فلا ينبغي أن يكون سببا للعداوة، وتقرير هذا من وجوه:

أولها: أن الذي نزله جبريل من القرآن بشارة المطيعين بالثواب وإنذار العصاة بالعقاب والأمر بالمحاربة والمقاتلة لما لم يكن ذلك باختياره بل بأمر الله الذي يعترفون أنه لا محيص عن أمره ولا سبيل إلى مخالفته، فعداوة من هذا سبيله توجب عداوة الله وعداوة الله كفر، فيلزم أن عداوة من هذا سبيله كفر.

وثانيها: أن الله تعالى لو أمر ميكائيل بإنزال مثل هذا الكتاب فإما أن يقال: إنه كان يتمرد أو يأبى عن قبول أمر الله وذلك غير لائق بالملائكة المعصومين، أو كان يقبله ويأتي به على وفق أمر الله فحينئذ يتوجه على ميكائيل ما ذكروه على جبريل عليهما السلام فما الوجه في تخصيص جبريل بالعداوة؟

وثالثها: أن إنزال القرآن على محمد كما شق على اليهود، فإنزال التوراة على موسى شق على قوم آخرين، فإن اقتضت نفرة بعض الناس لإنزال القرآن قبحه فلتقتض نفرة أولئك المتقدمين إنزال التوراة على موسى عليه السلام قبحه ومعلوم أن كل ذلك باطل فثبت بهذه الوجوه فساد ما قالوه.

وأكثر الأمة على أنه أنزل القرآن عليه لا على قلبه، إلا أنه خص القلب بالذكر لأجل أن الذي نزل به ثبت في قلبه حفظا حتى أداه إلى أمته، فلما كان سبب تمكنه من الأداء ثباته في قلبه حفظا جاز أن يقال: نزله على قلبك وإن كان في الحقيقة نزله عليه لا على قلبه. كيف استقام قوله: {فإنه نزله} جزاء للشرط؟

الجواب فيه وجهان:

الأول: أنه سبحانه وتعالى بين أن هذه العداوة فاسدة لأنه ما أتى إلا أنه أمر بإنزال كتاب فيه الهداية والبشارة فأنزله، فهو من حيث إنه مأمور وجب أن يكون معذورا، ومن حيث إنه أتى بالهداية والبشارة يجب أن يكون مشكورا فكيف تليق به العداوة.

والثاني: أنه تعالى بين أن اليهود إن كانوا يعادونه فيحق لهم ذاك، لأنه نزل عليك الكتاب برهانا على نبوتك، ومصداقا لصدقك وهم يكرهون ذلك فكيف لا يبغضون من أكد عليهم الأمر الذي يكرهونه.

أما قوله تعالى: {وهدى} فالمراد به أن القرآن مشتمل على أمرين.

(أحدهما): بيان ما وقع التكليف به من أعمال القلوب وأعمال الجوارح وهو من هذا الوجه هدى.

(وثانيهما): بيان أن الآتي بتلك الأعمال كيف يكون ثوابه وهو من هذا الوجه بشرى، ولما كان الأول مقدما على الثاني في الوجود لا جرم قدم الله لفظ الهدى على لفظ البشرى،

فإن قيل: ولم خص كونه هدى وبشرى بالمؤمنين مع أنه كذلك بالنسبة إلى الكل؟

الجواب من وجهين:

الأول: أنه تعالى إنما خصهم بذلك، لأنهم هم الذين اهتدوا بالكتاب فهو كقوله تعالى: {هدى للمتقين}.

والثاني: أنه لا يكون بشرى إلا للمؤمنين، وذلك لأن البشرى عبارة عن الخبر الدال على حصول الخير العظيم وهذا لا يحصل إلا في حق المؤمنين، فلهذا خصهم الله به.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{على قلبك}: أتى بلفظ على، لأن القرآن مستعل على القلب، إذ القلب سامع له ومطيع، يمتثل ما أمر به، ويجتنب ما نهى عنه. وكانت أبلغ من إلى، لأن إلى تدل على الانتهاء فقط، وعلى تدل على الاستعلاء. وما استعلى على الشيء يضمن الانتهاء إليه.

وخص القلب، ولم يأت عليك، لأن القلب هو محل العقل والعلم وتلقي الواردات، أو لأنه صحيفته التي يرقم فيها، وخزانته التي يحفظ فيها، أو لأنه سلطان الجسد. وفي الحديث: « إن في الجسد مضغة» ثم قال أخيراً: « ألا وهي القلب» أو لأن القلب خيار الشيء وأشرفه، أو لأنه بيت الله، أو لأنه كنى به عن العقل إطلاقاً للمحل على الحال به، أو عن الجملة الإنسانية، إذ قد ذكر الإنزال عليه في أماكن: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} أو يكون إطلاقاً لبعض الشيء على كله، أقوال سبعة.

وما: في "لما "موصولة، وعنى بها الكتب التي أنزل الله على الأمم قبل إنزاله، أو التوراة والإنجيل.

{وهدى وبشرى}: معطوفان على مصدّقاً، فهما حالان، فيكون من وضع المصدر موضع اسم الفاعل كأنه قال: وهادياً ومبشراً، أو من باب المبالغة، كأنه لما حصل به الهدى والبشرى، جعل نفس الهدى والبشرى.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر عداوتهم لأخص البشر واجتراءهم عليه بالتكذيب والقتل، وختم ذلك بعداوتهم لأكمل الخلق وأخصهم حسداً لنزول هذا الذكر عليه عبارة ثم إشارة بما رمزه إلى نصبهم لقتله وأنهى ذلك بأنه لا محيص لهم من العذاب، لأنه بصير بأعمالهم الموجبة له ذكر ما هو من دقيق أعمالهم في عراقتهم في الكفر بعداوتهم لخواص الملائكة الذين هم خير محض لا حامل أصلاً على بغضهم إلا الكفر، وبدئ بذكر المنزل للقرآن، لأن عداوتهم للمنزل عليه لأجل ما نزل عليه عداوة لمنزله، لأنه سبب ما كانت العداوة لأجله،فقال آمراً له صلى الله عليه وسلم إعلاماً بما أبصره من خفي مكرهم القاضي بضرهم: {قل}... أو يقال -وهو أحسن وأبين وأمتن: و لما أمره صلى الله عليه وسلم بما دل على كذبهم في ادعائهم خلوص الآخرة لهم وأخبر بأنه لا بد من عذابهم أمره بدليل آخر على كلا الأمرين، فعلى تقدير كونه دليلاً على الأول يكون مسوقاً على {قل} الأولى بغير عاطف إشعار بأن كلاًّ من الدليلين كاف فيما سيق له: على تقدير كونه دليلاً على الثاني الذي خصه يكون جواباً لمن كأنه قال: لم لا يزحزحهم التعمير عن العذاب؟ {قل} أي لهؤلاء الذين ادعوا أن دار الملك خالصة لهم وهم يعادون خواص جنده...

{من} وهي اسم مبهم يشمل الذوات العاقلة آحاداً وجموعاً واستغراقاً- قاله الحرالي.

{كان عدواً لجبريل} أي فإنه لا يضر إلا نفسه، لأنه لا يبلغ ضره بوجه من الوجوه ولعداوته بعداوته له لله الذي خصه بقربه واختياره لرسالته، فكفر حينئذ هذا المعادي له بجميع كتب الله ورسله...

وجبريل، قال الحرالي: يقال هو اسم عبودية، لأن إيل اسم من أسماء الله عز وجل في الملأ الأعلى وهو يد بسط لروح الله في القلوب بما يحييها الله به من روح أمره إرجاعاً إليه في هذه الدار قبل إرجاع روح الحياة بيد القبض من عزرائيل عليه السلام...

ثم علل هذا الخبر المحذوف بما أرشد إليه فقال: {فإنه} أي جبريل {نزله} أي القرآن الذي كفروا به، لحسدهم للذي أنزل عليه بعد ما كانوا يستفتحون به الآتي بما ينفعهم، الداعي إلى ما يصلحهم فيرفعهم...

ولما كان المراد تحقيق أنه كلام الله وأنه أمر بإبلاغه جمع بين {قل} وبين {على قلبك} أي وهو أكمل القلوب، دون أن يقال: على قلبي -المطابق لقل؛ وأداة الاستعلاء دالة على أن المنزل تمكن في القلب فصارت مجامعه مغمورة به، فكان مظهراً له

{بإذن الله} الملك الأعظم الذي له الأمر كله. فليس لأحد إنكار ما أذن فيه. والنازل به لم يتعد شيئاً مما أمر به والإذن رفع المنع وإيتاء المكنة كوناً وخلقاً ما لم يمنعه حكم تصريف- قاله الحرالي... والبين حد فاصل في حس أو معنى -قاله الحرالي...

{وهدى} إلى كل خير، لأنه بيان ما وقع التكليف به من أفعال القلوب والجوارح...

{وبشرى} أي ببيان الثواب {للمؤمنين} أي الذين لهم الإيمان وصف لازم، فلا يفرقون بين كتب الله ولا بين رسله، بل حيثما قادهم الحق انقادوا؛ فلا يدخل في ذلك الذين آمنوا بألسنتهم (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89] ولا من علم الله منه ذلك ولو كان قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم- الله أعلم بما كانوا عاملين؛ فلو أنهم مؤمنون لما عادوا من نزل به بشرى لهم ولكنهم كفرة فهم في العذاب، والآخرة ليست لهم بل عليهم...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله} أي قل لهم أيها الرسول حكاية عن الله تعالى: من كان عدوا لجبريل فإن شأن جبريل كذا – فهو إذا عدو لوحي الله الذي يشمل التوراة وغيرها ولهداية الله تعالى لخلقه وبشراه للمؤمنين، على ما يأتي في بيان ذلك.

قال شيخنا في تقييد تنزيله بإذن الله: وإذا كان يناجى روحك ويخاطب قلبك بإذن الله، لا افتياتا من نفسه، فعداوته لا يصح أن تصد عن الإيمان بك، وليس للعاقل أن يتخذها تعلة وينتحلها عذرا، فإن القرآن من عند الله لا من عنده.

فقوله {بإذن الله} حجة أولى عليهم،

ثم قال {مصدقا لما بين يديه} أي حال كونه موافقا للكتب التي تقدمته في الأصول التي تدعو إليها من التوحيد واتباع الحق والعمل الصالح ومطابقا لما فيها من البشارات بالنبي الذي يجئ من أبناء إسماعيل، كأنه يقول: فآمنوا به لهذه المطابقة والموافقة، لا لأن جبريل واسطة في تبليغه وتنزيله. وهذه حجة ثانية

ثم عزرهما بثالثة وهي قوله {وهدى} أي نزله هاديا من الضلالات والبدع التي طرأت على الأديان، فألقت أهلها في حضيض الهوان. والعاقل لا يرفض الهداية التي تأتيه، وتنقذه من ضلال هو فيه، لأن الواسطة في مجيئها كان عدوا له من قبل، فإن هذا الرفض من عمل الغبي الجاهل الذي لا يعرف الخير بذاته وإنما يعرفه بمن كان سببا في حصوله.

ثم أيد الحجج الثلاث برابعة فقال {وبشرى للمؤمنين} أي إذا كنتم تعادون جبريل لأنه أنذر بخراب بيت المقدس فهو إنما أنذر المفسدين. وقد أنزل هذا القرآن عليّ بشرى للمؤمنين فما لكم أن تتركوا هذه البشرى إن كنتم من أهل الإيمان، لأن الذي نزل بها قد نزل بإنذار أهل الفساد والطغيان...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويمضي السياق بتلقين جديد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يتحداهم به، ويعلن الحقيقة التي يتضمنها على رؤوس الأشهاد: (قل: من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله، مصدقا لما بين يديه، وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال، فإن الله عدو للكافرين).. وفي قصة هذا التحدي نطلع على سمة أخرى من سمات يهود. سمة عجيبة حقا.. لقد بلغ هؤلاء القوم من الحنق والغيظ من أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده مبلغا يتجاوز كل حد، وقادهم هذا إلى تناقض لا يستقيم في عقل.. لقد سمعوا أن جبريل ينزل بالوحي من عند الله على محمد صلى الله عليه وسلم ولما كان عداؤهم لمحمد قد بلغ مرتبة الحقد والحنق فقد لج بهم الضغن أن يخترعوا قصة واهية وحجة فارغة، فيزعموا أن جبريل عدوهم، لأنه ينزل بالهلاك والدمار والعذاب؛ وأن هذا هو الذي يمنعهم من الإيمان بمحمد من جراء صاحبه جبريل! ولو كان الذي ينزل إليه بالوحي هو ميكائيل لآمنوا، فميكائيل يتنزل بالرخاء والمطر والخصب!

إنها الحماقة المضحكة، ولكن الغيظ والحقد يسوقان إلى كل حماقة. وإلا فما بالهم يعادون جبريل؟ وجبريل لم يكن بشرا يعمل معهم أو ضدهم، ولم يكن يعمل بتصميم من عنده وتدبير؟ إنما هو عبد الله يفعل ما يأمره ولا يعصى الله ما أمره!...

(مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين).. والقرآن يصدق في عمومه ما سبقه من الكتب السماوية، فأساس دين الله واحد في جميع الكتب السماوية وجميع الديانات الإلهية.. وهو هدى وبشرى للقلوب المؤمنة، التي تتفتح له وتستجيب.. وهذه حقيقة ينبغي إبرازها..

إن نصوص القرآن لتسكب في قلب المؤمن من الإيناس، وتفتح له من أبواب المعرفة، وتفيض فيه من الإيحاءات والمشاعر ما لا يكون بغير الإيمان. ومن ثم يجد فيه الهدى، كما يستروح فيه البشرى. وكذلك نجد القرآن يكرر هذه الحقيقة في مناسبات شتى.. (هدى للمتقين).. (هدى لقوم يؤمنون).. (هدى لقوم يوقنون).. (شفاء ورحمة للمؤمنين). فالهدى ثمرة الإيمان والتقوى واليقين.. وبنو إسرائيل لم يكونوا يؤمنون أو يتقون أو يوقنون!...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وإنه مع قبول الروايات التي انتهى المفسر السلفي فيها إلى إجماعهم من أن اليهود كانوا يعدون جبريل عدوا، فإنا نرى من المعاني القرآنية والإشارات البيانية أنهم كانوا يجعلونه عدوا؛ لأنه نزل بالقرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لسفه عقولهم وفساد تفكيرهم، فرد الله عليهم بأنه هو الذي نزل القرآن بإذن الله، فلا محل لعداوته، فعادوا من أنزله، ولكن سوء ظنهم جعلهم يحملون جبريل عليه السلام التبعة، وإذا كان نزول القرآن سببا للعداوة، فاتخذوا الله عدوا، ولا غرابة في ذلك ممن اتخذوا العجل وليا لهم...

ويكون المعنى الذي يفهم من الآية: لقد اتخذتم جبريل عدوا لما انتحلتم من كذب بأنه ينزل بالهلاك أو نحو ذلك، إنما اتخذتموه عدوا؛ لأنه ينزل بالقرآن على قلب النبي عليه السلام وإذا كان نزول القرآن هو السبب فإنه يكون الله هو العدو ويكون قوله تعالى:

{من كان عدوا لجبريل} شرطا، ويكون قوله تعالى: {فإنه نزله على قلبك بإذن الله} تعليلا لجواب الشرط المحذوف إذ تقديره، فإنه عدو لله تعالى؛ لأنه الذي نزله على قلبك بإذنه...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

إن عداوتهم لجبريل عليه السلام تؤكد ماديتهم.. فهم يقيسون الأمر على البشر.. إن الذي يجلس على يمين السيد ومن يجلس على يساره يتنافسان على المنزلة عنده.. ولكن هذا في دنيا البشر.. ولكن عند الملائكة لا شيء من هذا.. الله عنده ما يجعله يعطي لمن يريد المنزلة العالية دون أن ينقص من الآخر..

ثم إن الله سبحانه وتعالى اسمه الحق.. وما ينزل به جبريل حق وما ينزل به ميكائيل حق.. والحق لا يخاصم الحق.. وقال لهم عمر أنتم أشد كفرا من الحمير.. ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكد الرسول يراه حتى قال له وافقك ربك يا عمر.. وتنزل قول الله تبارك وتعالى: {قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين} فقال عمر يا رسول الله.. إني بعد ذلك في إيماني لأصلب من الجبل. إذن فقولهم ميكائيل حبيبنا وجبريل عدونا من الماديات، والله تبارك وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم.. إنهم يعادون جبريل لأنه نزل على قلبك بإذن الله.. ومادام نزل من عند الله على قلبك.. فلا شأن لهم بهذا.. وهو مصدق لما بين يديهم من التوراة.. وهو هدى وبشرى للمؤمنين.. فأي عنصر من هذه العناصر تنكرونه على جبريل.. إن عداوتكم لجبريل عداوة لله سبحانه وتعالى...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

لقد جاءت هذه الآية توبيخاً لليهود على هذه العقلية الطفولية التي يحملونها، لأنَّ جبريل إذا كان عدوّاً لهم، فما دخله بما ينزل به من عند اللّه مما يكون مصدقاً لما بين أيديهم من الكتب ومتضمناً للهدى والبشرى للمسلمين الذين يسلمون قلوبهم ووجوههم للّه؟ وهل يكون حال هذا المنطق إلاَّ كمنطق الإنسان الذي يرفض الرسالة التي تحقّق له الربح والسعادة والنجاح بحجة أنَّ الناقل لها غير محبوب له، أو غير مرغوب لديه.. إنه منطق الطفولة الغبية الذي لا يعتمد على أساس فكري، بل يخضع للانفعالات الساذجة.

ثُمَّ أكّد اللّه أنَّ العداوة للّه وللملائكة ومنهم جبريل وميكال، وللرسل، تستوجب الكفر في مدلولها السلبي في رفض الالتزام بالأسس التي يقوم عليها الإيمان، وتؤدي بالتالي إلى عداوة اللّه لهم متمثّلةً في سخطه وعقابه. أمّا بالنسبة إلى عداوة اللّه فواضح، وأمّا بالنسبة إلى عداوة الأنبياء والملائكة، فلأنهم لا يمثّلون أنفسهم في ما يدعون إليه أو يفيضون فيه، بل ينطلقون في سلوكهم من موقع علاقتهم باللّه وقربهم منه، ما يجعل من عداوتهم عداوة للّه وحده...