فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

{ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } مما أخرج البخاري عن أنس بن مالك قال سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ، قال : ( أخبرني بهن جبريل آنفا ) قال : جبريل ؟ قال ( نعم ) قال ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك }{[366]} أي من عادى جبريل فإنه قد عادى الله لأن جبريل عليه السلام ما يتنزل إلا بأمر ربنا الملك القدوس وما يأتي به من وحي فإنما هو من وحي الله وخص القلب بالذكر لأنه موضع تلقي الهدى والعلم

{ مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين } وهذا القرآن الذي نزل به أمين الوحي جبريل على قلب خاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام إنما جاء مصدقا لما سبقته من كتب الله التي أنزلت على رسل بعثوا من قبلك وجاء الكتاب العزيز هدى يدل على سبيل الفوز والنعيم المقيم ويثبت على صراط الله المستقيم ، ويبشر المؤمنين أن لهم من الله فضلا كبيرا .


[366]:وتمامه (وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة نزعت قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني فجاءت اليهود فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم {أي رجل عبد الله بن سلام فيكم} قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وبن سيدنا قال {أرأيتم إن أسلم} قالوا أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا هو شرنا وبن شرنا فانتقصوه فقال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله وقد أورد المفسرون أقوالا كثيرة في سبب النزول مما قال صاحب تفسير غرائب القرآن والأقرب في سبب عداوتهم إياه أنه كان ينزل بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كما يشعر بذلك قوله {فإنه نزله} أي: إن عاداه أحد فالسبب في عداوته أنه نزل عليك القرآن مصدقا لكتابهم، وموافقا له، وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم ولذلك كانوا يحرفونه ويجحدون موافقته له كقولك: إن عاداك فلان فقد آذيته وأسأت إليه، أو إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته، حيث نزلنا كتابا مصدقا للكتب بين يديه فلو انصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في النزول بما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم ويمكن أن يتوجه الجزاء إلى قوله {بإذن الله }.. أي إن عاداه أحد فلا وجه لعداوته لأنه لم ينزل بالقرآن من تلقاء نفسه وباختياره وإنما جاء به بإذن الله وأمره الذي لا محيص عنه ولا سبيل إلى مخالفته وجاء به مصدقا هاديا مبشرا فهو من حيث إنه مأمور وجب أن يكون معذورا ومن حيث إنه أتى بالهداية والبشارة يلزم أن يكون مشكورا فعداوة من هذا سبيله عداوة لله ولو أنه تعالى أمر ميكائيل بذلك لانقاد لأمره أيضا لا محالة ولتوجه الإشكال عليه فما الوجه في تخصيص جبريل بالعداوة؟