تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (97)

الآية 97 وقوله تعالى : { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين } وذلك أن اليهود قالوا : لو كان الذي ينزل{[1163]} على محمد بالوحي ميكائيل لتابعناه ، وآمنا{[1164]} به ؛ لأن ميكائيل هو الذي ينزل بالغيث والرحمة ، وجبريل هو المنزل بالعذاب والحرب والشدائد ، فهو عدو لنا ، لذلك لا نتبعه .

وفي جهة العداوة بينهم وبين جبريل وجه آخر ؛ وهو أن قالوا : إن جبريل أرسل بالوحي والرسالة في أولاد إسرائيل ، لكنه أنزلها في أولاد إسماعيل عداوة لنا وبغضا ، لذلك نصبوا العداوة بينه وبينهم ، والله أعلم بذلك . فأكذبهم الله تعالى بزعمهم ، فقال : { نزله على قلبك بإذن الله } لا كما تقول اليهود ، وما ينزل من العذاب والشدائد إنما ينزل بأمره لا من تلقاء نفسه وذاته .

ثم كان إظهارهم عداوة جبريل لاعتقادهم عداوة [ الله ]{[1165]} عز وجل لكنهم لم يجترئوا على عداوة الله وعلى التصريح ، فدل أنه على الكناية عن عداوة الله ، تبارك وتعالى ، ويدل هذا على أن الروافض طعنوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طعنوا . ( لعل نقصا حصل هنا لم أتبينه فليراجع والله أعلم )

وقوله : { نزله على قلبك بإذن الله } تقول الباطنية : إن القرآن لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحرف التي نقرؤها ، ولكنه إلهام نزل على قلبه ، ثم هو يصوره ، ويرسمه بالحروف ، ويعبر به ، ويعربه بالمعربة التي نقرؤها . فلو كان على ما [ يقولون لزال ]{[1166]} موضع الاحتجاج عليهم بما أتى به معجزا كقوله : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } [ النحل : 103 ] ، إذ{[1167]} كان لهم أن يقولوا : نزل{[1168]} على لسان العجمي ، لكنه غير ذلك بلسانه . وكذلك قوله : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } [ القيامة : 16 ] مخافة النسيان والذهاب ، وكذلك قوله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه } [ طه : 114 ] ، فدلت هذه الآيات كلها [ على ]{[1169]} بطلان قولهم وفساد مذهبهم وبعدهم عن دين الله المستقيم .

وقوله : { مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين } [ آي ]{[1170]} هدى من الضلالة وبشرى للمؤمنين بالجنة .


[1163]:- من ط م، في الأصل و ط ع: نزل.
[1164]:- في النسخ الثلاث: ونؤمن.
[1165]:- من ط م و ط ع.
[1166]:- من ط م و ط ع، في الأصل: تقول لزوال.
[1167]:- في ط م: إذا.
[1168]:- في ط م: أنزل.
[1169]:- من ط م.
[1170]:- من ط م.