المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

41- واعلموا - أيها المسلمون - أن ما ظفرتم به من مال الكفار فحكمه : أن يقسم خمسة أخماس ، خُمس منها لله وللرسول ولقرابة النبي واليتامى : وهم أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم وهم فقراء ، والمساكين ، وهم ذوو الحاجة من المسلمين ، وابن السبيل : وهو المنقطع في سفره المباح . والمخصص من خُمس الغنيمة لله وللرسول يرصد للمصالح العامة التي يقررها الرسول في حياته ، والإمام بعد وفاته ، وباقي الخُمس يصرف للمذكورين . أما الأخماس الأربعة الباقية من الغنيمة - وسكتت عنها الآية - فهي للمقاتلين ، فاعلموا ذلك ، واعملوا به إن كنتم آمنتم بالله حقاً ، وآمنتم بما أنزل على عبدنا محمد من آيات التثبيت والمدد ، يوم الفرقان الذي فرَّقنا فيه بين الكفر والإيمان ، وهو اليوم الذي التقى فيه جمعكم وجمع الكافرين ببدر ، والله عظيم القدرة على كل شيء ، وقد نصر المؤمنين مع قلتهم ، وخذل الكافرين مع كثرتهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية . الغنيمة والفيء اسمان لما يصيبه المسلمون من أموال الكفار ، فذهب جماعة إلى أنهما واحد ، وذهب قوم إلى أنهما يختلفان ، فالغنيمة : ما أصابه المسلمون منهم عنوة بقتال ، والفيء : ما كان عن صلح بغير قتال ، فذكر الله عز وجل في هذه الآية حكم الغنيمة فقال : { فأن لله خمسه وللرسول } . فذهب أكثر المفسرين والفقهاء إلى أن قوله : { لله } افتتاح كلام على سبيل التبرك ، وإضافة هذا المال إلى نفسه لشرفه ، وليس المراد منه أن سهماً من الغنيمة لله منفرداً ، فإن الدنيا والآخرة كلها لله عز وجل ، وهو قول الحسن ، وقتادة وعطاء ، وإبراهيم ، والشعبي ، قالوا : سهم الله وسهم الرسول واحد ، والغنيمة تقسم خمسة أخماس ، أربعة أخماسها لمن قاتل عليها ، والخمس لخمسة أصناف ، كم ذكر الله عز وجل .

قوله تعالى : { وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . قال بعضهم : يقسم الخمس على ستة أسهم ، وهو قول أبي العالية ، سهم لله فيصرف إلى الكعبة . والأول أصح ، أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم ، سهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام ، وهو قول الشافعي رحمه الله . وروى الأعمش عن إبراهيم قال : كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح ، وقال قتادة : هو للخليفة بعده . وقال بعضهم : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس ، والخمس لأربعة أصناف . قوله : { ولذي القربى } أراد أن سهماً من الخمس لذوي القربى ، وهم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ، واختلفوا فيهم ، فقال قوم : جميع قريش . وقال قوم : هم الذين لا تحل لهم الصدقة ، وقال مجاهد وعلي بن الحسين : هم بنو هاشم ، وقال الشافعي : هم بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وليس لبني عبد شمس ولا لبني نوفل منه شيء ، وإن كانوا إخوة ، والدليل عليه ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا الثقة ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : " قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، ولم يعط منه أحدا من بني عبد شمس ، ولا بني نوفل شيئا .

وأخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا مطرف بن مازن ، عن معمر بن راشد ، عن ابن شهاب ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : ( لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم ، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا ، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا ، وشبك بين أصابعه ) .

واختلف أهل العلم في سهم ذوي القربى هل هو ثابت اليوم ؟ . فذهب أكثرهم إلى أنه ثابت ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنه غير ثابت ، وقالوا : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان في الخمس ، وخمس الغنيمة لثلاثة أصناف : اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وقال بعضهم : يعطى للفقراء منهم دون الأغنياء ، والكتاب والسنة يدلان على ثبوته ، والخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يعطونه ، ولا يفضل فقير على غني ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يعطون العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله ، فألحقه الشافعي بالميراث الذي يستحق باسم القرابة ، غير أنه يعطى القريب والبعيد ، وقال : يفضل الذكر على الأنثى فيعطى الرجل سهمين والأنثى سهماً واحداً . قوله : { واليتامى } وهو جمع اليتيم ، واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم ، الذي لا أب له ، إذا كان فقيراً ، و{ المساكين } هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين ، { وابن السبيل } هو المسافر البعيد عن ماله ، فهذا مصرف خمس الغنيمة ويقسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين الذين شهدوا الوقعة ، للفارس منهم ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم واحد ، لما : أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أنا عبد الله بن يوسف ، أنا أبو سعيد بن الأعرابي ، ثنا سعدان بن نصر ، ثنا أبو معاوية ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهماً له ، وسهمين لفرسه .

وهذا قول أكثر أهل العلم ، وإليه ذهب الثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، وابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : للفارس سهمان ، وللراجل سهم واحد ، ويرضخ للعبيد والنسوان والصبيان إذا حضروا القتال ، ويقسم العقار الذي استولى عليه المسلمون كالمنقول ، وعند أبي حنيفة : يتخير الإمام في العقار بين أن يقسمه بينهم ، وبين أن يجعله وقفاً على المصالح ، وظاهر الآية لا يفرق بين العقار و المنقول ، ومن قتل مشركاً في القتال يستحق سلبه من رأس الغنيمة ، لما روي عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : ( من قتل قتيلاً له عليه بينة له سلبه ) . والسلب : كل ما يكون من المقتول من ملبوس وسلاح ، وفرسه الذي هو راكبه . ويجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش من الغنيمة ، لزيادة عناء وبلاء يكون منهم في الحرب . يخصه به من بين سائر الجيش ، ويجعله أسوة الجماعة في سهمان الغنيمة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة ، سوى قسم عامة الجيش . وروي عن حبيب بن مسلمة الفهري ، قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة ، والثلث في الرجعة . واختلفوا في النفل من أين يعطى ؟ فقال قوم : من خمس الخمس ، منهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وبه قال الشافعي ، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ) . وقال قوم : هو من الأربعة الأخماس بعد إفراز الخمس كسهام الغزاة ، وهو قول أحمد وإسحاق . وذهب بعضهم : إلى أن النفل من رأس الغنيمة قبل الخمس كالسلب للقاتل ، وأما الفيء ، وهو ما أصابه المسلمين من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ، ولا ركاب ، بأن صالحهم على مال يؤدون ، ومال الجزية ، وما يؤخذ من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام للتجارة ، أو يموت واحد منهم في دار الإسلام ، ولا وارث له ، فهذا كله في فيء . ومال الفيء كان خالصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، قال عمر رضي الله عنه : إن الله قد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ، ثم قرأ : { ما أفاء الله على رسوله منهم } إلى قوله : { قدير } وكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ينفق على أهله وعياله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله عز وجل ، واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قوم : هو للأئمة بعده . وللشافعي فيه قولان : أحدهما : للمقاتلة الذين أثبتت أساميهم في ديوان الجهاد ، لأنهم القائمون مقام النبي صلى الله عليه وسلم في إرهاب العدو . والقول الثاني : أنه لمصالح المسلمين ، ويبدأ بالمقاتلة فيعطون منه كفايتهم ، ثم بالأهم فالأهم من المصالح ، واختلف أهل العلم في تخميس الفيء ، فذهب الشافعي إلى أنه يخمس ، فخمسه لأهل الغنيمة ، على خمسة أسهم ، وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح . وذهب الأكثرون إلى أن الفيء لا يخمس ، بل مصرف جميعه واحد ، ولجميع المسلمين فيه حق .

أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنا محمد بن زكريا العذافري ، أنا إسحاق الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ( ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق ، إلا ما ملكت أيمانكم ) .

وأخبرنا أبو سعيد الطاهر ، أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا أبو إسحاق الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } حتى بلغ { عليم حكيم } [ التوبة :60 ] فقال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } حتى بلغ { وابن السبيل } ، ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } حتى بلغ { للفقراء } والذين جاءوا من بعدهم ثم قال : هذه استوعبت المسلمين عامة ، فلئن عشت ، فليأتين الراعي وهو بسر وحمير فنصيبه منها ، لم يعرق فيها جبينه .

قوله تعالى : { إن كنتم آمنتم بالله } ، قيل : أراد اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول يأمر فيه بما يريد ، فاقبلوه إن كنتم آمنتم بالله .

قوله تعالى : { وما أنزلنا على عبدنا } ، أي : إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا على عبدنا ، يعني : قوله { يسألونك عن الأنفال }

قوله تعالى : { يوم الفرقان } ، يعني يوم بدر ، فرق الله بين الحق والباطل وهو { يوم التقى الجمعان } ، حزب الله وحزب الشيطان ، وكان يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان .

قوله تعالى : { والله على كل شيء قدير } ، على نصركم مع قلتكم وكثرتهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

يقول تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ْ } أي : أخذتم من مال الكفار قهرا بحق ، قليلا كان أو كثيرا . { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ْ } أي : وباقيه لكم أيها الغانمون ، لأنه أضاف الغنيمة إليهم ، وأخرج منها خمسها . فدل على أن الباقي لهم ، يقسم على ما قسمه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : للراجل سهم ، وللفارس سهمان لفرسه ، وسهم له .

وأما هذا الخمس ، فيقسم خمسة أسهم ، سهم للّه ولرسوله ، يصرف في مصالح المسلمين العامة ، من غير تعيين لمصلحة ، لأن اللّه جعله له ولرسوله ، واللّه ورسوله غنيان عنه ، فعلم أنه لعباد اللّه . فإذا لم يعين اللّه له مصرفا ، دل على أن مصرفه للمصالح العامة .

والخمس الثاني : لذي القربى ، وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب . وأضافه اللّه إلى القرابة دليلا على أن العلة فيه مجرد القرابة ، فيستوي فيه غنيهم وفقيرهم ، ذكرهم وأنثاهم .

والخمس الثالث لليتامى ، وهم الذين فقدت آباؤهم وهم صغار ، جعل اللّه لهم خمس الخمس رحمة بهم ، حيث كانوا عاجزين عن القيام بمصالحهم ، وقد فقد من يقوم بمصالحهم .

والخمس الرابع للمساكين ، أي : المحتاجين الفقراء من صغار وكبار ، ذكور وإناث .

والخمس الخامس لابن السبيل ، وهو  الغريب{[345]} المنقطع به في غير بلده ، [ وبعض المفسرين يقول إن خمس الغنيمة لا يخرج عن هذه الأصناف ولا يلزم أن يكونوا فيه على السواء بل ذلك تبع للمصلحة وهذا هو الأولى ]{[346]}  وجعل اللّه أداء الخمس على وجهه شرطا للإيمان فقال : { إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ْ } وهو يوم { بدر ْ } الذي فرق اللّه به بين الحق والباطل . وأظهر الحق وأبطل الباطل .

{ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ْ } جمع المسلمين ، وجمع الكافرين ، أي : إن كان إيمانكم باللّه ، وبالحق الذي أنزله اللّه على رسوله يوم الفرقان ، الذي حصل فيه من الآيات والبراهين ، ما دل على أن ما جاء به هو الحق . { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ْ } لا يغالبه أحد إلا غلبه .


[345]:- في ب: وهم.
[346]:- زيادة من هامش ب.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصا لهذه الأمة الشريفة ، من بين سائر الأمم المتقدمة ، من إحلال المغانم . و " الغنيمة " : هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب . و " الفيء " : ما أخذ منهم بغير ذلك ، كالأموال التي يصالحون عليها ، أو يتوفون عنها ولا وارث لهم ، والجزية والخراج ونحو ذلك . هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف{[12948]} والخلف .

ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق{[12949]} عليه الغنيمة ، والغنيمة على الفيء أيضا ؛ ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية " الحشر " : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } الآية [ الحشر : 7 ] ، قال : فنسخت آية " الأنفال " تلك ، وجعلت الغنائم : أربعة أخماسها{[12950]} للمجاهدين ، وخمسًا منها لهؤلاء المذكورين . وهذا الذي قاله بعيد ؛ لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بَدْر ، وتلك نزلت في بني النَّضِير ، ولا خلاف بين علماء السير والمغازي قاطبة أن بني النضير بعد بدر ، هذا أمر لا يشك فيه ولا يرتاب ، فمن يفرق بين معنى الفيء والغنيمة يقول : تلك نزلت في أموال الفيء وهذه في المغانم . ومن يجعل أمر المغانم والفيء راجعا{[12951]} إلى رأي الإمام يقول : لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس إذا رآه الإمام ، والله أعلم .

وقوله{[12952]} تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط{[12953]} والمخيط ، قال الله تعالى : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } [ آل عمران : 161 ] .

وقوله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } اختلف المفسرون هاهنا ، فقال بعضهم : لله نصيب من الخمس يجعل في الكعبة .

قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية الرِّيَاحي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة ، تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه الذي قبض كفه ، فيجعله للكعبة{[12954]} وهو سهم الله . ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم ، فيكون سهم للرسول ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل{[12955]}

وقال آخرون : ذكر الله هاهنا استفتاح كلام للتبرك ، وسهم{[12956]} لرسوله عليه السلام{[12957]}

قال الضحاك ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سَرِيَّة فغنموا ، خَمَّس الغنيمة ، فضرب ذلك الخمس في خمسة . ثم قرأ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ قال : وقوله ]{[12958]} { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } مفتاح كلام ، لله ما في السموات وما في الأرض ، فجعل سهم الله وسهم الرسول واحدًا .

وهكذا قال إبراهيم النَّخَعي ، والحسن بن محمد ابن الحنفية . والحسن البصري ، والشعبي ، وعَطاء بن أبي رباح ، وعبد الله بن بريدة{[12959]} وقتادة ، ومغيرة ، وغير واحد : أن سهم الله ورسوله واحد .

ويؤيد هذا ما رواه الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناد صحيح ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القُرى ، وهو يعرض فرسًا ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في الغنيمة ؟ فقال : " لله خمسها ، وأربعة أخماس للجيش " . قلت : فما أحد أولى به من أحد ؟ قال : " لا ولا السهم تستخرجه من جنبك ، ليس أنت أحق به من أخيك المسلم " {[12960]}

وقال ابن جرير : حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أبان ، عن الحسن قال : أوصى أبو بكر بالخمس{[12961]} من ماله ، وقال : ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه{[12962]}

ثم اختلف قائلو هذا القول ، فروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : كانت الغنيمة تقسم{[12963]} على خمسة أخماس ، فأربعة منها بين من قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربعة{[12964]} فربع لله وللرسول ولذي القربى - يعني : قرابة النبي صلى الله عليه وسلم . فما كان لله وللرسول فهو لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا ، [ والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل ] . {[12965]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو مَعْمَر المِنْقَرِي ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن حسين المعلم ، عن عبد الله بن بُرَيْدَة في قوله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } قال : الذي لله فلنبيه ، والذي للرسول لأزواجه .

وقال عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح قال : خمس الله والرسول{[12966]} واحد ، يحمل منه ويصنع فيه ما شاء - يعني : النبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا أعم وأشمل ، وهو أن الرسول{[12967]} صلى الله عليه وسلم{[12968]} يتصرف في الخمس الذي جعله الله له بما شاء ، ويرده في أمته كيف شاء - ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد حيث قال :

حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، عن أبي سلام الأعرج ، عن المقدام بن معد يكرب الكندي : أنه جلس مع عبادة بن الصامت ، وأبي الدرداء ، والحارث بن معاوية الكندي ، رضي الله عنهم ، فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو الدرداء لعبادة : يا عبادة ، كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس ؟ فقال عبادة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم ، فلما سلم قام{[12969]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وَبَرة بين أنملتيه فقال : " إن هذه من غنائمكم ، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخيط والمخيط ، وأكبر{[12970]} من ذلك وأصغر ، ولا تغلوا ، فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة ، وجاهدوا الناس في الله{[12971]} القريب والبعيد ، ولا تبالوا في الله لومة لائم ، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر ، وجاهدوا في [ سبيل ]{[12972]} الله ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة [ عظيم ]{[12973]} ينجي به الله من الهم والغم " {[12974]}

هذا حديث حسن عظيم ، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه . ولكن روى الإمام أحمد أيضًا ، وأبو داود ، والنسائي ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن عبد الله بن عمرو ، عن{[12975]} رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه في قصة الخمس والنهي عن الغلول{[12976]}

وعن عمرو بن عَبَسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم ، فلما سلم أخذ وبرة{[12977]} من ذلك البعير ثم قال : " ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذه ، إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم " . رواه أبو داود والنسائي{[12978]}

وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم من المغانم{[12979]} شيء يصطفيه لنفسه عبدًا أو أمة أو فرسًا أو سيفًا أو نحو ذلك ، كما نص على ذلك محمد بن سيرين وعامر الشعبي ، وتبعهما على ذلك أكثر العلماء .

وروى الإمام أحمد ، والترمذي - وحسنه - عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا{[12980]} الفَقَار يوم بدر ، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد{[12981]}

وعن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كانت صفية من الصّفي . رواه أبو داود في سننه{[12982]}

وروى أيضًا بإسناده ، والنسائي أيضًا عن يزيد بن عبد الله قال : كنا بالمِرْبَد إذ دخل رجل معه قطعة أديم ، فقرأناها فإذا فيها : " من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أقيش ، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأديتم الخمس من المغنم ، وسهم النبي وسهم الصّفي ، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله " . فقلنا : من كتب لك هذا ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم{[12983]}

فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرر هذا وثبوته ؛ ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات الله وسلامه عليه .

وقال آخرون : إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين ، كما يتصرف في مال الفيء .

وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية ، رحمه الله : وهذا قول مالك وأكثر السلف ، وهو أصح الأقوال .

فإذا ثبت هذا وعلم ، فقد اختلف أيضا في الذي كان يناله عليه السلام{[12984]} من الخمس ، ماذا يُصنع به من بعده ؟ فقال قائلون : يكون لمن يلي الأمر من بعده . روى هذا عن أبي بكر وعلي وقتادة جماعة ، وجاء فيه حديث مرفوع{[12985]}

وقال آخرون : يصرف في مصالح المسلمين .

وقال آخرون : بل هو مردود على بقية الأصناف : ذوي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، اختاره ابن جرير .

وقال آخرون : بل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل .

قال ابن جرير : وذلك قول جماعة من أهل العراق .

وقيل : إن الخمس جميعه لذوي القربى كما رواه ابن جرير .

حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا عبد الغفار ، حدثنا المِنْهَال بن عمرو ، وسألت عبد الله بن محمد بن علي ، وعلي بن الحسين ، عن الخمس فقالا هو لنا . فقلت لعلي : فإن الله يقول : { وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } فقالا يتامانا ومساكيننا .

وقال سفيان الثوري ، وأبو نُعَيْم ، وأبو أسامة ، عن قيس بن مسلم : سألت الحسن بن محمد ابن الحنفية ، رحمه الله تعالى ، عن قول الله{[12986]} تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } قال{[12987]} هذا مفتاح كلام ، لله{[12988]} الدنيا والآخرة . ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قائلون : سهم النبي صلى الله عليه وسلم تسليما للخليفة من بعده . وقال قائلون : لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم . وقال قائلون : سهم القرابة لقرابة الخليفة . فاجتمع قولهم{[12989]} على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعُدة في سبيل الله ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما{[12990]}

قال{[12991]} الأعمش ، عن إبراهيم{[12992]} كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح ، فقلت لإبراهيم : ما كان علي يقول فيه ؟ قال : كان [ علي ]{[12993]} أشدهم فيه .

وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء ، رحمهم الله .

وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب ؛ لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية [ وفي أول الإسلام ]{[12994]} ودخلوا معهم في الشعب غضبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له : مسلمهم طاعة لله ولرسوله ، وكافرهم حَمِيَّة للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول الله . وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل - وإن كانوا أبناء عمهم - فلم يوافقوهم على ذلك ، بل حاربوهم ونابذوهم ، ومالئوا بطون قريش على حرب الرسول ؛ ولهذا كان ذَمُّ أبي طالب لهم في قصيدته اللامية أشد من غيرهم ، لشدة قربهم . ولهذا يقول في أثناء قصيدته{[12995]} : جَزَى الله عَنَّا عبدَ شمس ونَوفلا *** عُقُوبة شرٍّ عاجل غير آجلِ

بميزان قسْط لا يَخيس شَعِيرة *** لهُ شَاهدٌ مِنْ نَفْسه غير عائلِ

لقد سَفُهت أحلامُ قوم تَبَدَّلوا *** بني خَلَف قَيْضا بنا والغَيَاطِلِ

ونحنُ الصَّميم من ذؤابة هاشم *** وآل قُصَى في الخُطُوب الأوائلِ{[12996]}

وقال جبير بن مطعم بن عدي [ بن نوفل ]{[12997]} مشيت أنا وعثمان بن عفان - يعني ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : يا رسول الله ، أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ، ونحن وَهُم منك بمنزلة واحدة ، فقال : " إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد " .

رواه مسلم{[12998]} وفي بعض روايات هذا الحديث : " إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام " {[12999]}

وهذا قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب .

قال ابن جرير : وقال آخرون : هم بنو هاشم . ثم روى عن خُصَيْف ، عن مجاهد قال : علم الله أن في بني هاشم فقراء ، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة .

وفي رواية عنه قال : هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة .

ثم روى عن علي بن الحسين نحو ذلك .

قال ابن جرير : وقال آخرون : بل هم قريش كلها .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، حدثني عبد الله بن نافع ، عن أبي مَعْشَر ، عن سعيد المقْبُرِي قال : كتب نَجْدَة إلى عبد الله بن عباس يسأله عن " ذي القربى " ، فكتب إليه ابن عباس : كنا نقول : إنا هم فأبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا : قريش كلها ذوو قربى{[13000]} {[13001]}

وهذا الحديث في صحيح مسلم ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هرمُز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن ذوي القربى فذكره إلى قوله : " فأبى ذلك علينا قومنا " {[13002]} والزيادة من أفراد أبي معشر نَجِيح بن عبد الرحمن المدني ، وفيه ضعف .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن حَنَش ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغبت لكم عن غُسَالة الأيدي ؛ لأن لكم من خُمْس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم " .

هذا حديث حسن الإسناد ، وإبراهيم بن مهدي هذا وَثَّقه أبو حاتم ، وقال يحيى بن معين{[13003]}

يأتي بمناكير{[13004]} والله أعلم .

وقوله : { وَالْيَتَامَى } أي : يتامى المسلمين . واختلف العلماء هل يختص بالأيتام الفقراء ، أو يعم الأغنياء والفقراء ؟ على قولين .

و{ الْمَسَاكِينِ } هم المحاويج الذين لا يجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم .

{ وَابْنِ السَّبِيلِ } هو المسافر ، أو المريد للسفر ، إلى مسافة تقصر فيها الصلاة ، وليس له ما ينفقه في سفره ذلك . وسيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات من سورة " براءة " ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة ، وعليه التكلان .

وقوله : { إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } أي : امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وما أنزل على رسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيحين ، من حديث عبد الله بن عباس ، في حديث وفد عبد القيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : " وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : آمركم بالإيمان بالله ثم قال : هل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادةُ أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدوا الخمس من المغنم . . " الحديث بطوله{[13005]} فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان ، وقد بوَّب البخاري على ذلك في " كتاب الإيمان " من صحيحه فقال : ( باب أداء الخمس من الإيمان ) ، ثم أورد حديث ابن عباس هذا ، وقد بسطنا الكلام عليه في " شرح البخاري " ولله الحمد والمنة{[13006]}

وقال مقاتل بن حيان : { وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ } أي : في القسمة ، وقوله : { يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ينبه تعالى على نعمته{[13007]} وإحسانه إلى خلقه بما فَرَق به بين الحق والباطل ببدر ويسمى " الفرقان " ؛ لأن الله تعالى أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل ، وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه .

قال علي بن أبي طالب والعَوْفِي ، عن ابن عباس : { يَوْمَ الْفُرْقَانِ } يوم بدر ، فَرَق الله فيه بين الحق والباطل . رواه الحاكم .

وكذا قال مجاهد ، ومِقْسَم وعبيد الله بن عبد الله ، والضحاك ، وقتادة ، ومُقَاتل بن حيان ، وغير واحد : أنه يوم بدر .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوَة بن الزبير في قوله : { يَوْمَ الْفُرْقَانِ } يوم فرق الله [ فيه ]{[13008]} بين الحق والباطل ، وهو يوم بدر ، وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة ، فالتقوا يوم الجمعة لتسعَ عشرةَ - أو : سبع عشرة - مضت من رمضان ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون ما بين الألف والتسعمائة .

فهزم الله المشركين ، وقتل منهم زيادة على السبعين ، وأسر منهم مثل ذلك .

وقد روى الحاكم في مستدركه ، من حديث الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن ابن مسعود ، قال في ليلة القدر : تحروها لإحدى عشرة يبقين{[13009]} فإن صبيحتها{[13010]} يوم بدر . وقال : على شرطهما{[13011]}

وروي مثله عن عبد الله بن الزبير أيضًا ، من حديث جعفر بن بُرْقَان ، عن رجل ، عنه .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا يحيى بن يعقوب أبو طالب ، عن ابن عَوْن محمد بن عبيد الله الثقفي{[13012]} عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال الحسن بن علي : كانت ليلة " الفرقان يوم التقى الجمعان " لسبع عشرة من رمضان{[13013]} إسناد جيد قوي .

ورواه ابن مَرْدُوَيه ، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب ، عن علي قال : كانت ليلة الفرقان ، ليلة التقى الجمعان ، في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان .

وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير .

وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه : كان يوم بدر يوم الاثنين ولم يتابع على هذا ، وقول الجمهور مقدم عليه ، والله أعلم .


[12948]:في أ: "علماء من السلف".
[12949]:في م: "ما يطلق".
[12950]:في د: "الأربعة الأخماس"، وفي ك: "أربعة أخماس".
[12951]:في ك: "راجع".
[12952]:في ك: "ويقول"، وفي م: "فقوله".
[12953]:في ك، م: "الخياط".
[12954]:في د: "في الكعبة".
[12955]:رواه الطبري في تفسيره (13/550).
[12956]:في م: "وسهمه".
[12957]:في أ: "صلى الله عليه وسلم".
[12958]:زيادة من تفسير الطبري.
[12959]:في ك، م، أ: "عبد الله بن أبي بريدة".
[12960]:السنن الكبرى (6/324).
[12961]:في جميع النسخ: "أوصى الحسن بالخمس" والمثبت من الطبري.
[12962]:تفسير الطبري (13/550).
[12963]:في د: "تخمس".
[12964]:في د، ك، م، أ: "أربعة أخماس".
[12965]:ما بين المعقوفين عن تفسير الطبري.
[12966]:في د: "خمس الله وخمس الرسول".
[12967]:في د: "وهو أنه".
[12968]:في أ: "صلوات الله وسلامه عليه".
[12969]:في أ: "قال".
[12970]:في أ: "وأكثر".
[12971]:في م: "في سبيل الله".
[12972]:زيادة من ك، م، أ، ومسند أحمد.
[12973]:زيادة من ك، م، أ، ومسند أحمد.
[12974]:المسند (5/316).
[12975]:في أ: "أن".
[12976]:المسند (2/184) وسنن أبي داود برقم (2694).
[12977]:في د: "أخذ منه وبرة".
[12978]:سنن أبي داود برقم (2755).
[12979]:في د، ك، م: "الغنيمة".
[12980]:في أ: "ذو".
[12981]:المسند (1/271) وسنن الترمذي برقم (1561).
[12982]:سنن أبي داود برقم (2994).
[12983]:سنن أبي داود برقم (2994).
[12984]:في أ: "صلى الله عليه وسلم".
[12985]:رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/303) من طريق الوليد بن جميع عن أبي الطفيل: لما سألت فاطمة أبا بكر عن الخمس فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه كانت للذي يلي بعده" فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين.
[12986]:في د: "عن قوله".
[12987]:في د: "فقال".
[12988]:في ك: "كلام الله".
[12989]:في ك، م: "رأيهم".
[12990]:في ك: "رضي الله عنهما وأرضاهما".
[12991]:في م: "وقال".
[12992]:في م: "إبراهيم قال".
[12993]:زيادة من الطبري.
[12994]:زيادة من د، ك، م.
[12995]:في ك: "قصيدته اللامية".
[12996]:الأبيات في السيرة النبوية لابن هشام (1/277).
[12997]:زيادة من د، ك، م.
[12998]:لم أجده في صحيح مسلم ولا عزاه المزي له في تحفة الأشراف، ولم أجزم بوهم الحافظ هنا؛ لأن الزيلعي عزاه للصحيحين في تخريج الكشاف (2/30)، ورواه البخاري في صحيحه برقم (3140) من طريق سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم، رضي الله عنه، بنحوه.
[12999]:الرواية في سنن النسائي (7/130).
[13000]:في أ: "قرابة".
[13001]:تفسير الطبري (13/555).
[13002]:صحيح مسلم برقم (1812) وسنن أبي داود برقم (2982) وسنن الترمذي برقم (1556) وسنن النسائي (7/128)، وهو عند أبي داود والنسائي من حديث الزهري عن يزيد.
[13003]:في د: "سعيد".
[13004]:انظر: ميزان الاعتدال للذهبي (1/68).
[13005]:صحيح البخاري برقم (53) وصحيح مسلم برقم (17).
[13006]:وانظر كلام الحافظ ابن حجر في: فتح الباري (1/129 - 135).
[13007]:في أ: "نعمه".
[13008]:زيادة من د، ك.
[13009]:في ك: "بقين".
[13010]:في ك: "فإن في صبيحتها".
[13011]:المستدرك (3/20).
[13012]:في جميع النسخ: "عن ابن عون، عن محمد بن عبد الله الثقفي"، والمثبت من الطبري.
[13013]:تفسير الطبري (13/562).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

{ واعلموا أنما غنمتم } أي الذي أخذتموه من الكفار قهرا . { من شيء } مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط . { فأن لله خُمسه } مبتدأ خبره محذوف أي : فثابت أن لله خمسه . وقرئ فإن بالكسر والجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كما في قوله : { والله ورسوله أحق أن يرضوه } . وأن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين { وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } فكأنه قال : فأن لله خمسه يصرف إلى هؤلاء الأخصين به . وحكمه بعد ، باق غير أن سهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كما فعله الشيخان رضي الله تعالى عنهما . وقيل إلى الإمام . وقيل إلى الأصناف الأربعة . وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه :سقط سهمه وسهم ذوي القربى بوفاته وصار الكل مصروفا إلى الثلاثة الباقية . وعن مالك رضي الله تعالى عنه الأمر فيه مفوض إلى رأي الإمام يصرفه إلى ما يراه أهم ، وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال :يقسم ستة أقسام ويصرف سهم الله إلى الكعبة لما روي ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قبضة منه فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة ) . وقيل : سهم الله لبيت المال . وقيل هو مضموم إلى سهم الرسول صلى الله عليه وسلم . ذوو القربى : بنو هاشم ، وبنو المطلب . لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قسم سهم ذوي القربى عليهما فقال له عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما : هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم ، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وحرمتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام . وشبك بين أصابعه " . وقيل بنو هاشم وحدهم . وقيل جميع قريش الغني والفقير فيه سواء . وقيل هو مخصوص بفقرائهم كسهم ابن السبيل . وقيل : الخمس كله لهم . والمراد باليتامى والمساكين وابن السبيل من كان منهم والعطف للتخصيص . والآية نزلت ببدر . وقيل الخمس كان في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة . { إن كنتم آمنتم بالله } متعلق بمحذوف دل عليه { واعلموا } أي : إن كنتم آمنتم بالله فعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقتنعوا بالأخماس الأربعة الباقية ، فإن العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد لأنه مقصود بالعرض والمقصود بالذات هو العمل . { وما أنزلنا على عبدنا } محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والملائكة والنصر . وقرئ { عبدنا } بضمتين أي الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . { يوم الفرقان } يوم بدر فإنه فرق فيه بين الحق والباطل . { يوم التقى الجمعان } المسلمون والكافرون . { والله على كل شيء قدير } فيقدر على نصر القليل على الكثير والإمداد بالملائكة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

موضع «أن » الثانية رفع ، التقدير «فحكمه أن » ، فهي في موضع خبر الابتداء ، والغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي من ذلك قول الشاعر [ امرؤ القيس ] : [ الوافر ]

وقد طفت في الآفاق حتى*** رضيت من الغنيمة بالإياب{[5351]}

وقال آخر : [ البسيط ]

ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه*** أنّى توجَّهَ والمحروم محروم{[5352]}

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرهن : «له غنمه وعليه مخرجه »{[5353]} وقوله : «الصيام في الشتاء هو الغنيمة الباردة »{[5354]} فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف{[5355]} الخيل والركاب غنيمة ، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً له ، والفيء مأخوذ من فاء إذا رجع وهو كل ما دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف كخراج الأرض وجزية الجماجم وخمس الغنيمة ونحو هذا .

قال القاضي أبو محمد : والزكوات أيضاً مال على حدته ، أحكامه منفردة دون أحكام هذين ، قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب : الغنيمة ما أخذ عنوة والفيء ما أخذ صلحاً ، وهذا قريب مما بيناه ، وقال قتادة : الفيء والغنيمة شيء واحد فيهما الخمس ، وهذه الآية التي في الأنفال ناسخة لقوله في سورة الحشر { وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى }{[5356]} وذلك أن تلك كانت الحكم أولاً ، ثم أعطى الله أهلها الخمس فقط وجعل الأربعة والأخماس في المقاتلين .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف نص العلماء على ضعفه وأن لا وجه له من جهات ، منها أن هذه السورة نزلت قبل سورة الحشر هذه ببدر ، وتلك في بني النضير وقرى عرينة ، ولأن الآيتين متفقتان وحكم الخمس وحكم تلك الآية واحد لأنها نزلت في بني النضير حين جلوا وهربوا ، وأهل فدك حين دعوا إلى صلح ونال المسلمون ما لهم دون إيجاف ، وحكى ابن المنذر عن الشافعي أن في الفيء الخمس ، وأنه كان في قرى عرينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أربعة أخماسها كان للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعها حيث شاء .

وقال أبو عبيدة : هذه الآية ناسخة لقوله في أول السورة { قل الأنفال لله والرسول } [ الأنفال : 1 ] ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذه الآية .

قال القاضي أبو محمد : ويظهر في قول علي بن أبي طالب في البخاري : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم ببدر ، وشارف أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس حينئذ{[5357]} أن غنيمة بدر خمست فإن كان ذلك فسد قول أبي عبيدة ، ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكره علي بن أبي طالب من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد ، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة السويق وغزوة ذي أَمر وغزوة نجران ، ولم يحفظ فيها قتال ، ولكن يمكن أن غنمت غنائم . والله أعلم .

وقوله في هذه الآية { من شيء } ظاهره عام ومعناه الخصوص ، فأما الأرض{[5358]} والمتاع والأطفال والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فليس للإمام في جميع ذلك ما كثر منه وما قل كالخيط والمخيط إلا أن يأخذ الخمس ويقسم الباقي في أهل الجيش ، وأما الأرض فقال فيها مالك : يقسمها الإمام إن رأى ذلك صواباً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ، ولا يقسمها إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر بأرض مصر سواد الكوفة .

قال القاضي أبو محمد : لأن فعل عمر ليس بمخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ ليست النازلة واحدة بحسب قرائن الوقتين وحاجة الصحابة وقلتهم ، وهذا كله انعكس في زمان عمر ، وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه ، منها القتل وهو مستحسن في أهل الشجاعة والنكاية ، ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع ولا يخاف منه رأي ولا مكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه ، ومنها المن وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن ، ومنها الاسترقاق ، ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة ، وأما الطعام والغنم ونحوهما مما يؤكل فهو مباح في بلد العدو يأكله الناس فما بقي كان في المغنم .

قال القاضي أبو محمد : وأما أربعة أخماس ما غنم فيقسمه الإمام على الجيش ، ولا يختص بهذه الآية ذكر القسمة فأنا أختصره هنا ، وأما الخمس فاختلف العلماء فيه ، فقال مالك رحمه الله : الرأي فيه للإمام يلحقه ببيت الفيء ويعطي من ذلك البيت لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه ، كما يعطي منه اليتامى والمساكين وغيرهم ، وإنما ذكر من ذكر على وجه التنبيه عليهم لأنهم من أهم من يدفع إليه ، قال الزجّاج محتجاً لمالك :

قال الله تعالى : { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل }{[5359]} .

وللإمام بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك ، وقالت فرقة : كان الخمس يقسم على ستة أقسام ، قسم لله وهو مردود على فقراء المسلمين أو على بيت الله ، وقسم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقسم لقرابته ، وقسم لسائر من سمي ، حكى القول منذر بن سعيد ورد عليه ، قال أبو العالية الرياحي : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يقبض من خمس الغنيمة قبضة{[5360]} فيجعلها للكعبة فذلك لله ، ثم يقسم الباقي على خمسة ، قسم له وقسم لسائر من سمي . وقال الحسن بن محمد وابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة والشافعي : قوله { فأن لله خمسه } استفتاح كلام كما يقول الرجل لعبده :قد أعتقك الله وأعتقتك ، على جهة التبرك وتفخيم الأمر ، والدنيا كلها لله . وقسم لله وقسم الرسول واحد ، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقسم الخمس على خمسة أقسام كما تقدم . وقال ابن عباس أيضاً فيما روى عنه الطبري : الخمس مقسوم على أربعة أقسام ، وسهم الرسول صلة الله عليه وسلم ، لقرابته وليس لله ولا للرسول شيء ، وقالت فرقة : قسم الرسول صلى الله عليه وسلم ، بعد موته مردود على أهل الخمس القرابة وغيرها ، وقالت فرقة : هو مردود على الجيش أصحاب الأربعة الأخماس ، وقال علي بن أبي طالب : يلي الإمام منهم سهم الله ورسوله ، وقالت فرقة : هو موقوف لشراء العدد وللكراء{[5361]} في سبيل الله ، وقال إبراهيم النخعي وهو الذي اختاره أبو بكر وعمر فيه ، وقال أصحاب الرأي : الخمس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، مقسوم ثلاثة أقسام ، قسم لليتامى ، وقسم للمساكين وقسم لابن السبيل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يورث ، فسقط سهمه وسهم ذوي القربى ، وحجتهم فيه منع أبي بكر وعمر وعثمان لذوي القربى .

قال القاضي أبو محمد : ولم يثبت المنع بل عورض بنو هاشم بأن قريشاً قربى ، وقيل لم يكن في مدة أبي بكر مغنم ، وقال الشافعي : يعطي أهل الخمس منه ولا بد ويفضل الإمام أهل الحاجة ولكن لا يحرم صنفاً منهم حرماناً تاماً ، وقول مالك رحمه الله : إن للإمام أن يعطي الأحوج وإن حرم الغير .

قال القاضي أبو محمد : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصاً من الغنيمة بثلاثة أشياء :كان له خمس الخمس ، وكان له سهم في سائر الأربعة الأخماس ، وكان له صفيّ يأخذه قبل القسمة{[5362]} ، دابة أو سيف ، أو جارية ولا صفيّ لأحد بعده بإجماع إلا ما قال أبو ثور من أن الصفيّ باق للإمام ، وهو قول معدود في شواذ الأقوال ، وذوو القربى قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال علي بن الحسين وعبد الله بن الحسن وعبد الله بن عباس : هم بنو هاشم فقط ، فقال مجاهد : كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس ، قال ابن عباس : ولكن أبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا قريش كلها قربى ، وقال الشافعي : هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان وجبير بن مطعم في وقت قسمة سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب «إنمَا بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ما فارقونا في جاهلية ولا في الإسلام »{[5363]} .

قال القاضي أبو محمد : كانوا مع بني هاشم في الشعب وقالت فرقة : قريش كلها قربى ، وروي عن علي بن الحسين وعبد الله بن محمد بن علي أنهما قالا : الآية كلها في قريش ، والمراد يتامى قريش ومساكينها ، وقالت فرقة : سهم القرابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم موقوف على قرابته ، وقد بعثه إليهم عمر بن عبد العزيز إلى بني هاشم وبني المطلب فقط ، وقالت فرقة : هو لقرابة الإمام القائم بالأمر . وقال قتادة : كان سهم ذوي القربى طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حياً ، فلما توفي جعل لولي الأمر بعده ، وقاله الحسن بن أبي الحسن البصري . وحكى الطبري أيضاً عن الحسن أنه قال : اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال قوم : سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة ، وقال قوم : سهم النبي صلى الله عليه وسلم لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال قوم : سهم القرابة لقرابة الخليفة ، فاجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة ، فكان على ذلك مدة أبي بكر رضي الله عنه ، قال غير الحسن وعمر و { اليتامى } الذين فقدوا آباءهم من الصبيان ، واليتم في بني آدم من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات ، { والمساكين } الذين لا شيء لهم وهو مأخوذ من السكون وقلة الحراك ، { وابن السبيل } الرجل المجتاز الذي قد احتاج في سفر ، وسواء كان غنيّاً في بلده أو فقيراً فإنه ابن السبيل يسمى بذلك إما لأن السبيل تبرزه فكأنها تلده ، وإما لملازمة السبيل كما قالوا :ابن ماء ، وأخو سفر . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :

«لا يدخل الجنة ابن زنى » وقد تقدم{[5364]} .

قال القاضي أبو محمد : وقد اقتضبت فقه هذه الآية حسب الاختصار والله المستعان .

قال القاضي أبو محمد : و { ما } في قوله { ما غنمتم } بمعنى الذي ، وفي قوله { غنمتم } ضمير يعود عليها ، وحكي عن الفراء أنه جوز أن تكون «ما » شرطية بتقدير أنه ما ، وحذف هذا الضمير لا يجوز عند سيبويه إلا في الشعر ، ومنه

إن من يدخل الكنيسة يوماً . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5365]}

وقرأ الجمهور «فأن لله »{[5366]} بفتح الهمزة ، وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم وحسين عن أبي عمرو «فإن » بكسر الهمزة ، وقرأ الحسن «خمْسه » بسكون الميم ، وقوله تعالى : { إن كنتم آمنتم بالله } الآية ، قال الزجّاج عن فرقة : المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم ، «فإن » متعلقة بهذا الوعد ، وقال أيضاً عن فرقة : إنها متعلقة بقوله { واعلموا أنما غنمتم } .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الصحيح ، لأن قوله { واعلموا } يتضمن بانقياد وتسليم لأمر الله في الغنائم فعلق «أن » بقوله { واعلموا } على هذا المعنى أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة ، وقوله { وما أنزلنا } عطف على قوله { بالله } والمشار إليه ب { ما } هو النصر والظهور الذي أنزله الله يوم بدر على نبيه وأصحابه ، أي إن كنتم مؤمنين بالله وبهذه الآيات والعظائم الباهرة التي أنزلت يوم بدر ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى قرآن نزل يوم بدر أو في قصة يوم بدر على تكره في هذا التأويل الأخير .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون المعنى :واعلموا أنما غنمتم يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فإن خمسه لكذا وكذا إن كنتم آمنتم ، أي فانقادوا لذلك وسلموا ، وهذا تأويل حسن في المعنى ، ويعترض فيه الفصل بين الظرف وما تعلق به بهذه الجملة الكثيرة من الكلام ، و { يوم الفرقان } معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك ، و { الفرقان } مصدر من فرق يفرق و { الجمعان } يريد جمع المسلمين وجمع الكفار ، وهو يوم الوقعة التي قتل فيها صناديد قريش ببدر ، ولا خلاف في ذلك ، وعليه نص ابن عباس ومجاهد ومقسم والحسن بن علي وقتادة وغيرهم ، وكانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة هذا قول جمهور الناس .

وقال أبو صالح : لتسع عشرة ، وشك في ذلك عروة بن الزبير ، وقال لتسع عشرة أو لسبع عشرة ، والصحيح ما عليه الجمهور ، وقوله عز وجل : { والله على كل شيء قدير } ، يعضد أن قوله { وما أنزلنا على عبدنا } يراد به النصر والظفر ، أي الآيات والعظائم من غلبة القليل الكثير ، وذلك بقدرة الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير .


[5351]:-قائل هذا البيت هو امرؤ القيس، وقد صار الشطر الثاني مثلا يضرب عند القناعة بالسلامة. وطوّف مبالغة في طاف بمعنى دار حول الشيء. والإياب: مصدر آب بمعنى: رجع.
[5352]:- المُطعم: المرزوق، يقال: فلان مطعم للصيد ومطعم الصيد إذا كان مرزوقا منه، قال ذو الرمة: * ومطعم الصيد هبّال لبغيته*. والمعنى: المرزوق بالخير مرزوق به حيث كان وأنّى توجه، والمحروم محروم مهما فعل.
[5353]:- هذا جزء في آخر حديث رواه في الموطأ، وأوله: "لا يغلق الرهن.."، وعند الزرقاني شارح الموطإ أن الحديث مرسل، وأن بعض الرواة زاد في آخره: (له غنمه وعليه غُرمه)، واختلف في رفع هذه الزيادة، أو أنها من كلام ابن المسيب.
[5354]:- نص الحديث كما رواه الترمذي عن عامر بن مسعود" (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) هذا ما أثبته السيوطي في "الجامع الصغير". وجاء في لسان العرب: "وفي الحديث: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة" سماه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب.
[5355]:- المراد: استعمال الخيل وحثّها للحصول على الغنيمة، يقال: أوجف دابته إذا حثّها، والوجيف: ضرب سريع من السير.
[5356]:- من الآية (7) من سورة (الحشر).
[5357]:- الحديث مروي في البخاري، وقد استشهد ابن عطية في أكثر من مناسبة، والنص في البخاري يؤكد أن ما أخذه عليّ من المغنم كان يوم بدر، إذ جاء فيه أن حسين بن علي أخبره أن عليا قال: "كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله من الخمس يومئذ.." إلى آخر الحديث وهو في غزوة بدر ولفظ الحديث يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم خمّس الغنائم يومئذ، وأن الشارف التي أخذها عليّ كانت من المغنم يوم بدر. ولذلك فإن الاحتمال الثاني وهو أن الخمس الذي ذكره علي كان من إحدى الغزوات بين بدر وأحد غير وارد. والله أعلم.
[5358]:- النّاضّ: الماء الذي يخرج من الحجر قليلا قليلا، أو يرشح من رمل تحته أرض صلبة كلما نضّ منه شيء أي رشح واجتمع أخذ للانتفاع به.
[5359]:- من الآية (215) من سورة (البقرة).
[5360]:- القُبضة بضم القاف: ما قبضت عليه باليد من شيء، وهو المراد هاهنا، وأما بالفتح فالمراد المرة من القبض، وقد يكون المعنى مع الفتح هو نفس المعنى مع الضم، وفهم بعض اللغويين هذا من قوله تعالى: {فقبضت قبضة من أثر الرسول}، وقد قرئت الآية بالضم وبالفتح، وكذلك قرئ بالضم والفتح قوله تعالى: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}. قال ابن الأثير في النهاية: "في حديث حنين: فأخذ قُبضة من التراب، وهو بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف".
[5361]:- الكُراع: اسم يجمع الخيل والسلاح. "المعجم الوسيط".
[5362]:- الصفيّ: ما يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة، وقد سبقت الإشارة إلى معناها عند تفسير أول آية من هذه السورة (الأنفال).
[5363]:- أخرجه البخاري، والنسائي، قال البخاري: قال الليث: حدثني يونس، وزاد: (ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئا)، قال ابن إسحاق: "وعبد شمس، وهاشم، والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم". وقال النسائي: "وأسهم البني صلى الله عليه وسلم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، بينهم الغني والفقير، وقد قيل: إنه للفقير منهم دون الغني، كاليتامى وابن السبيل، وهو أشبه القولين بالصواب. والله أعلم".
[5364]:- تقدم الكلام عن ابن الزنى عند تفسير الآية (179) من سورة (الأعراف)، وهي قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} لكن نص الحديث هناك يختلف عن نصه هنا.
[5365]:- في خزانة الأدب، وفي المغني لابن هشام أن البيت للأخطل، وهو بتمامه: إن من يدخل الكنيسة يوما يلق فيها جآذرا وظباء وهو شاهد على أن اسم (إن) ضمير شأن والجملة شرطية بعدها خبرها، ودليل ذلك أن (من) جزمت الفعلين، الشرط له الصدارة في جملته فلا يعمل فيه ما قبله، قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: هذا البيت للأخطل، وكان نصرانيا فلذلك ذكر الكنيسة، وقال ابن هشام اللخمي: "لم أجده في ديوان الأخطل". وفعلا بحثت في الديوان من رواية السكري فلم أجده، وقد نسبه السيوطي في شواهد المغنى للأخطل ثم قال: وبعده: مالت النفس بعدها إذ رأتها فهي ريح وصار جسمي هباء
[5366]:-من اللطائف التي ذكرها المفسرون في قوله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول} الإشارة إلى هذا التركيب الذي أفرد كينونة الخمس لله، وفصل بين اسمه تعالى وبين المعاطيف بقوله: (خمسه) ليظهر استقلاله وتفرده تعالى بكينونة الخمس له، ثم أشرك المعاطيف معه على سبيل التبعية له، ولم يأت التركيب "فأن لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل خمسه".