الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

وقوله عزّ وجل : { واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } [ الأنفال : 41 ] الغنيمةُ ؛ في اللغة : ما يناله الرجلُ بسَعْيٍ ؛ ومنه صلى الله عليه وسلم : ( الصِّيَامُ في الشِّتَاءِ ( هِيَ الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ ) ، وقوله : { مِّن شَيْءٍ } : ظاهرة العمومُ ، ومعناه الخصوصُ ، فأَمَّا النَّاضُّ والمتاعُ والأطفال والنساء وما لا يؤكل [ لحمه ] من الحيوان ويَصِحُّ تملُّكه ، فالإِمام يأخذ خُمْسُهُ ، ويَقْسِمُ الباقي في الجيش ، وأما الأرضُ ، فقال فيها مالكٌ : يقسمها الإِمام ؛ إِن رأى ذلك صواباً ؛ كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ ، أَوْ لاَ يَقْسِمُها ، بل يتركها لنوائب المسلمينَ ؛ إن أداه اجتهاده إلى ذلك ؛ كما فعل عُمَرُ بنُ الخطَّاب رضي اللَّه عنه بِأَرْضِ مِصْرِ وبسَوَادِ الكَوفة ، وأمَّا الرجالُ ، ومَنْ شارف البُلُوغ من الصِّبْيان ، فالإِمام ؛ عند مالك وجمهور العلماء ، مُخَيَّرٌ فيهم علَى خمسة أوجه : منها : القتل ، وهو مستَحْسَنٌ في أهْل الشجاعة والنِّكَاية . ومنها : الفداءُ ، وهو مستحسنٌ في ذي المَنْصب الذي ليس بشُجَاع ولا يُخَاف منه رأْي ومَكِيدَة ؛ لانتفاع المسلمين بالمَال الذي يؤخَذُ منه . ومنها المَنُّ ، وهو مستحْسَنٌ فيمن يرجى أنْ يحنو على أَسْرَى المسلمين ، ونحو ذلك من القرائن . ومنها الاسترقاق . ومنها ضَرْبُ الجزية ، والتَّرْكُ ، في الذِّمَّة . وأما الطعام ، والغَنَمْ ، ونَحْوَها ممَّا يؤكل ، فهو مباحٌ في بلد العدو أكله ، وما فَضَل منه كان في المَغْنَم . ومحلُّ استيعاب فُرُوعِ هذا الفَصْل كُتُب الفقه .

وقوله سبحانه : { وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا } ، أي من النصرَ والظهور الذي أنزله اللَّه سبحانه يَوْمَ بَدْر ، ويحتمل أن تكون الإِشارة إِلى قرآن نزَلَ يوْمَ بدر ، أو في قصَّة يوم بَدْر ، ويوم الفُرْقَان : معناه يَوْمُ الفَرْقِ بين الحقِّ والباطل ؛ بإِعزاز الإِسلام وإِذلالِ الشرك ، والجَمْعَانِ : يريد : جَمْعَ المسلمين وَجَمْعَ الكُفَّار ، وهو يوم بَدْر ، ولا خلاف في ذلك .

وقوله سبحانه : { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، يَعْضُدُ أَنَّ قوله : { وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا } ، يراد به النصْرُ والظَّفْر ، أي : الآيات والعظائم مِنْ غلبة القليلِ للكثيرِ ، وذلك بقدرة اللَّه عَزَّ وجَلَّ الذي هو عَلَى كلِّ شيء قدير .