غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

41

التفسير : لما أمر سبحانه بالقتال في قوله { وقاتلوهم } [ الأنفال : 39 ] والمقاتلة مظنة حصول الغنيمة أعاد حكم الغنيمة ببيان أوفى وأشفى فقال { واعلموا أنما غنمتم } أي الذي حزتم من أموال الكفرة قهراً . وقوله { من شيء } بيان «ما » أي من كل ما يقع عليه اسم الشيء حتى المخيط والخيط . وقوله { فأن الله } بالفتح مبتدأ محذوف الخبر . وروى الجعفي عن أبي عمرو { فإن الله } بالكسر . قال في الكشاف : والمشهورة آكد وأثبت للإيجاب كأنه قيل : فلا بد من ثبات الخمس فيه ولا سبيل إلى الإخلال به لأنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات كقولك : ثابت واجب حق لازم كان أقوى لإيجابه من النص على واحد . عن الكلبي أن الآية نزلت ببدر . وقال الواقدي : كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً في الهجرة . واعلم أن الآية تقتضي أخذ الخمس من الغنائم واختلفوا في كيفية قسمة ذلك الخمس على أقوال أشهرها : أن ذلك الخمس يخمس حتى يكون مجموع الغنيمة ومقسماً بخمسة وعشرين قسماً عشرون الغنائم بالاتفاق لأنهم كسبوها كالاحتطاب والاصطياد ، وأما الخمسة الباقية فواحد منها كان لرسول الله ويصرف الآن ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كسد الثغور وعمارة الحصون والقناطر والمساجد وأرزاق القضاة والأئمة الأهم فالأهم ، وواحد لذوي القربى يعني أقارب رسول الله من أولاد هاشم والمطلب ابني عبد مناف دون عبد شمس ونوفل وهما ابنا عبد مناف أيضاً لما روي عن عثمان بن عفان وجبير بن مطعم - وكان عثمان من بني عبد شمس وجبير من بني نوفل - أنهما قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم ، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وحرمتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد - وشبك بين أصابعه - يستوي في هذا السهم غنيهم وفقيرهم إلا أن للذكر مثل حظ الأنثيين . وثلاثة أخماس الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل . وهذا عند الإمامين أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة قال : إن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقط بموته وكذلك سهم ذوي القربى وإنما يعطون لفقرهم فهم أسوة سائر الفقراء . فعلى مذهب الإمامين . معنى قوله سبحانه { فأن لله خمسه وللرسول } [ التوبة : 62 ] فأن لرسول الله خمسة كقوله { والله ورسوله أحق أن يرضوه } وعن أبي العالية إيجاب سهم آخر لله وأنه يقسم الخمس على ستة أسهم . والذاهبون إلى هذا القول اختلفوا فقيل : إن ذلك السهم لبيت المال . وقيل : يصرف إلى مصالح الكعبة لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة فهو سهم الله . وعن ابن عباس أنه كان يقسم على ستة لله وللرسول سهمان ، وسهم لأقاربه حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل ، وكذلك روي عن عمرو ومن بعده من الخلفاء . وروي أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس وقال : إنما لكم أن يعطى فقيركم ويزوّج أيمكم ويخدم من لا خادم له منكم ، فأما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غني لا يعطى هو ولا يتيم موسر من الصدقة شيئاً ، وروي عن زيد بن علي أنه قال : ليس لنا أن نبني منه قصوراً ولا أن نركب منه البراذين . وقيل : الخمس كله للقرابة لما روي عن علي عليه السلام أنه قيل له : إن الله تعالى قال { واليتامى والمساكين } فقال : أيتامنا ومساكيننا . وعن الحسن : في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لولي الأمر من بعده . وعند مالك بن أنس الأمر في الخمس مفوّض إلى اجتهاد الإمام إن رأى قسمه بين الأصناف الخمسة عند الشافعي وإن رأى أعطى بعضهم دون بعض ، وإن رأى غيرهم أولى وأهم فذاك . فعند هذا يكون معنى قوله { فأن لله خمسه } أن من حق الخمس أن يكون متقرباً به إلى الله لا غير . ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلاً لها على غيرها كقوله { وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل } وحاصل الآية إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل على عبدنا فاعلموا علماً يتضمن العلم والطاعة أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به فاقطعوا عنه أطماعكم واقنعوا بالأخماس الأربعة { يوم الفرقان } يوم بدر لأنه فرق فيه بين أهل الحق وأهل الباطل . والجمعان فريقاهما والذي أنزل عليه يومئذ الآيات والملائكة والنصر والتأييد { والله على كل شيء قدير }

فبذلك نصر القليل على الكثير .

/خ49