تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

وقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ /200-أ/ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) قال عامة أهل التأويل : إن الغنيمة هي التي أصاب المسلمون من أموال المشركين بالقتال عنوة ، والفيء ما يعطون بأيديهم صلحا . والغنيمة : يأخذ الإمام الخمس منها ، والباقي يقسم بينهم ، والفيء يأخذه الإمام ، فيضعه في مصلحة المسلمين ، وليس فيه الخمس . وقال بعضهم : الغنيمة والفيء واحد .

ثم قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) إلى آخر ما ذكر ؛ ذكر الخمس ، ولم يذكر أربعة[ في الأصل وم : الأربعة ] الأخماس أنها لمن ؟ لكنها للمقابلة يقول تعالى : ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا )[ الأنفال : 69 ] فكانت الغنيمة كلها لمن غنمها بظاهر هذه الآية إلا ما استثنى الله منها بالآية الأولى ، وهو الخمس . وهذا مما أجمع عليه أهل العلم . وعلى ذلك تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته موقوفة من بعده .

روي أن اليبي صلى الله عليه وسلم : «سئل عن المال ؛ يعني الغنيمة ، فقال[ في الأصل وم : قال ] : لي خمسه ، وأربعة أخماسه لهؤلاء »[ البيهقي في شعب الإيمان4329 ] يعني المسلمين . وروي أنه قسمها بين المقاتلة ؛ يعني أربعة[ في الأصل وم : الأربعة ] الأخماس .

وفي بعض الأخبار أن أبا الدرداء ، وعبادة بن الصامت ، والحارث بن معاوية ، كانوا جلوسا ، فقال أبو الدرداء : «أيكم يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث صلى إلى بعير من المغنم ، فلما انصرف ، فتناول من وبر البعير ، فقال : ما يحل لي من غنائمكم ما يزن هذه إلا الخمس ، ثم هو مردود فيكم » ؟ [ النسائي7/131 ] .

وعن ابن عمر رضي الله عنه ، [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : كانت الغنائم تجزأ خمسة أجزاء ، ثم يسهم عليها ، فلما صار لرسول الله فهو له .

وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس ؛ أربعة منها لمن قاتل عليها ، وغير ذلك من الأخبار ، وعلى ذلك اتفاق الأمة .

ومنهم من يقول : تقسم على ستة : سهم لله يجعل في ستر الكعبة ، وسهم لرسول الله ينتفع به . ومنهم من قال : يقسم على خمسة : سهم لرسول الله ، وأربعة أخماس لمن غنم . ومنهم من يقول : تقسم على أربعة : سهم لرسول الله ، وثلاثة أرباع[ في الأصل وم : أرباعه ] لمن غنم .

ثم قوله تعالى : ( فأن لله خمسه وللرسول ) تحتمل إضافة ذلك إلى نفسه وجهين :

أحدهما : لما جعل ذلك لإقامة العبادات وأنواع البر والخير ، والقرب التي هي لله ، فأضيفت[ في الأصل وم : فأضيف ] إليه إلى ما أضيفت المساجد إليه بقوله تعالى : ( وأن المساجد لله )[ الجن : 18 ] وإن كانت البقاع كلها لله . وكذلك ما سمى الكعبة بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله لما جعلها لإقامة العبادات وأنواع القرب . فأضيف إلى الله ذلك . فعلى ذلك تحتمل إضافة ذلك السهم إلى الله لما جعله لإقامة العبادات والقرب وأنواع البر ، والله أعلم .

والثاني : أضاف ذلك إلى نفسه خصوصية ، ولرسول[ الواو ساقطة من الأصل وم ] الله إذا كان ذلك لرسوله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله وأموره لله خالصا ، لم يكن لنفسه ولا لأحد من الخلق . فعلى ذلك جميع ماله وما تحويه يده لم يكن له ، إنما كان ذلك لله خالصا ، يصرف ذلك في أنواع القرب والبر في القرابة ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل الأحياء منهم والأموات جميعا ، والقريب منهم والبعيد جميعا .

ألا ترى أنه قال : «يا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة » ؟ [ التمهيد7/175 ] هذا يدل على أن ما يترك صدقة ، لا يورث منه ، ولو كان له لتوارث ورثته ما يورث من غيره . دل أن نفسه وماله كان لله خالصا ، وكذلك جميع أموره لله .

ألا ترى أنه روي في الخبر أنه كان يجوع يوما ، ويشبع يوما ، ويجوع ثلاثا ، وكان يربط الحجر على بطنه للجوع ؟

فإذا كانت إضافة ذلك الخمس إلى الله لخصوصية له وخلوص نفسه وماله له ، وإن كانت جميع الخلائق وما تحويه أيديهم لله حقيقة ، لكن لهم فيها الانتفاع وقضاء الحوائج والتدبير لأنواع التصرف في ذلك [ ومشاركته في غير ][ من م ، في الأصل : ومشاركة غير ] ذلك ، لم يختص[ من م ، في الأصل وم : يخص ] بالإضافة إليه ، [ وإن كان ذلك كله لله حقيقة ، ولما ][ من م ، في الأصل : وإن ] كانت نفس رسول الله وما تحويه يده لله[ من م ، في الأصل : الله ] لا تدبير له في ذلك ، [ ولا شرك لأحد فيه ، خص بإضافة[ في م : بالإضافة ] ذلك ][ من م ، ساقطة من الأصل ] إليه [ لأن ذلك ][ ساقطة من الأصل وم ] كله لله حقيقة .

وهذا كما قال تعالى : والله أعلم ( الملك يومئذ لله )[ الحج : 56 ] وقال : ( لمن الملك اليوم لله )[ غافر : 16 ] وقال : ( وبرزوا لله جميعا )[ إبراهيم : 21 ] خص بالذكر ملك ذلك اليوم والبروز له لما ينقطع يومئذ تدبير جميع ملوك الأرض ، ويذهب سلطانهم عنهم ، ويصفو البروز له ، وإن كان الملك في الأحوال كلها والأوقات جميعا وكذلك البروز له ، والمصير إليه ، وإن كان ذلك راجعا إليه في كل الأحوال فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

ثم ليس في ظاهر الآية دليل أن المراد بقوله تعالى : ( ولذي القربى ) قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل في ظاهره دلالة أنه أراد به قرابة أهل السهام في ذلك لأنه خاطب به الكل بقوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) وظاهره أنه أراد به قربى من خاطب ، وكان الخطاب لهم جميعا .

ألا ترى أنه لم يفهم من قوله تعالى : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون )[ النساء : 7 ] قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قرابة المخاطبين ؟ وكذلك لم يرجع قوله تعالى : ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين )[ البقرة : 180 ] إلى قرابة رسول الله بل إلى قرابة المخاطبين به ؟

فعلى ذلك الظاهر من قوله تعالى : ( ولذي القربى ) إلا أن يقال : أراد قرابة رسول الله بدلالة أخرى سوى ظاهر الآية .

وهو ما روي [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قسم الخمس بين بني هاشم ، وما روي أنه قال : «مالي من هذا المال إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم »[ النسائي7/132 ] وما روي أن نجدة [ ابن عويمر الحروري ][ ساقطة من الأصل وم ، انظر تفسير الطبري13/555 ] كتب إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن هو ؟ [ فكتب إليه ابن عباس ][ في الأصل وم : و ] : هو لنا أهل البيت .

وقد كان عمر دعانا إلى أن ننكح منه أيا منا ، ونقضي منه مغرمنا ، فأبينا إلا أن نسلمه إلينا ، فأبى ذلك علينا . فدل فعل عمر هذا على أن التأويل في الخمس كان عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصل به قرابته ، ويسد بالخمس حاجتهم ؛ إذ كان جعل سبل الخمس ما ذكرنا أنه لله بمعنى أنه يصرف في وجوه القرب إليه .

فلو كان الخمس حقا لجميع القرابة أعطى من ذلك غنيهم وفقيرهم ، وما يأخذه الأغنياء من الخمس فإنه لا يجري مجرى الصدقة ، ولا يجري [ مجرى ][ ساقطة من الأصل وم ] القربة ، فبان بذلك أنه لا يعطى منه أغنياؤهم ، بل يصرف[ ساقطة من م ] إلى فقرائهم على قد رحاجتهم ؛ إذ لم يكن لفقيرهم[ في الأصل وم : له ] مكاسب سواه يوصل[ في الأصل وم : يصل ] بها كما يكون لغيره من الناس من المكاسب وأنواع الحرف .

ومما يدل على أن رسول الله أعطى بعض القرابة دون بعض ما روي عن جبير بن مطعم[ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني [ عبد ][ ساقطة من الأصل وم ] المطلب ، أتيت أنا وعثمان ، فقلنا : يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم ، لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله فيهم . أرأيت بني [ عبد ][ ساقطة من الأصل وم ] المطلب ، أعطيتهم ، ومنعتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال : «إنهم لم[ في الأصل وم : لا ] يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ؛ بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد ، وشبك أصابعه »[ أحمد4/81 ] .

وقوله تعالى : ( فأن لله خمسه وللرسول ) إلى آخر ما ذكر ، بين أن خمس الغنيمة يصرف في وجوه البر والقرب إلى الله .

ثم فسر تلك الوجوه ، فقال : ( وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فكانت تسمية هذه الأصناف ، والله أعلم ، تعليما لنا أن الخمس يصرف في من ذكر من أهلها /200-ب/ دون غيرهم ، وليس إيجابا منه لكل صنف منها شيئا معلوما ، ولكن بيان الأهل والموضع ، وهو كقوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )الآية[ التوبة : 60 ] .

حمل أصحابنا ذلك على أن الصدقة لا تجوز إلا لمن كان من أهل هذه الأصناف دون غيرهم ، ولم يحملوا الأمر على أن لكل صنف منهم شيئا معلوما محدودا ، ولكن على بيان أهلها .

وعلى ذلك [ ما ][ ساقطة من الأصل وم ] روي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ، منهم عمر وعلي وحذيفة ، وابن عباس ، وجماعة من السلف ما يكثر عددهم [ أنهم ][ ساقطة من الأصل وم ] قالوا : إذا وضعت الصدقة في صنف واحد أجزأك . فلو كان لأهل كل صنف الثمن منها كان المعطى بها صنفا واحدا مخالفا لما أمر به .

فعلى ذلك قوله تعالى : ( فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ) الآية معناه ، والله أعلم : أن الخمس الذي يتقرب به من الغنيمة إلى الله لا يستحقه إلا الرسول ومن كان من الأصناف التي ذكره . فإلى أيهم دفع ذلك الخمس أجزأه . وإذا كان التأويل ما وصفنا لم يكن لأحد من هذه الأصناف أن يدعي منه خمسا أو ربعا ، ولكن يعطى كل من حضر منهم بقدر فاقته وحاجته وعلى قدر يراه الإمام .

فإذا جاء فريق آخرون أعطوا مما يدفع إلى الإمام من ذلك الخمس من المال كفايتهم . وكذلك روي عن ابن عمر أن ابن عباس قال : كان عمر يعطينا من الخمس نحو مما كان يرى أنه لنا ، فرغبنا عن ذلك ، وقلنا : حق ذي القربى خمس الخمس ، فقال عمر : إنما جعل الله الخمس لأصناف سماها . [ فأسعد به ][ في الأصل وم : أسعدهم بها ] أكثرهم عددا وأشدهم فاقة ، فأخذ ذلك ناس ، وتركه ناس .

وكذلك فعل عمر لما ولي الأمر ، [ وهو ][ ساقطة من الأصل وم ] ما روي عن ابن عباس ؛ قال : عرض علينا عمر أن يزوج من الخمس أيا منا ، ونقضي منه مغرمنا ، فأبينا إلا أن يسلمه إلينا ، فأبى ذلك علينا . فدل فعل عمر على أن القرابة يعطون من الخمس قدر حاجتهم ، وما يسد به فاقتهم ؛ إذ لو كان الخمس حقا لجميع القرابة أعطي من ذلك غنيهم وفقيرهم لقسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم كما قسم أربعة الأخماس بين المقاتلة ، بل أعطى منه بعض القرابة ، وحرم بعضا لما ذكرنا في جبير بن مطعم .

ومما يدل أيضا على أن ذلك لأهل الحاجة منهم دون الكل ما روي أن الفضل بن عباس [ وربيعة بن عبد المطلب ][ في الأصل وم : وفلان ] دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ عند زينب بنت جحش ، فقال [ أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس ، وقد[ من م ، في الأصل : ولو ] بلغنا النكاح ، فجئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات ، فتؤدي إليك ما يؤدي العمال ، ونصيب منها ما يصيبون ، فسكت طويلا حتى أردنا [ أن نعلمه ثانيا ، قال : وجعلت ][ في الأصل وم : ثانيا وم : ثانيا حتى ] زينب تلمح إلينا من وراء الحجاب ألا[ في الأصل وم : أنه ] تكلماه ، ثم قال «ألا إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ؛ إنما هي أوساخ الناس ، ادعوا لي محمية ، وكان على الخمس ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، فجاءاه فقال لمحمية : أنكح هذا الغلام [ الفضل ابنتك ][ في الأصل وم : ابنتك المفضل ] فأنكحه ، وقال لنوفل : أنكح هذا الغلام [ يعني ربيعة بن عبد المطلب ][ ساقطة من الأصل وم ] ابنتك ، فأنكحه ، ثم قال لمحمية : [ أصدق عنهما ][ في الأصل وم : أصدقهما ] من الخمس كذا وكذا »[ مسلم12 ، الزكاة51 رقمه1072 ] ودل هذا على أن الحق لهم فيه لأهل الحاجة منهم .

ومما يدل على ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما لي من هذا المال إلا الخمس ، وهو مردود فيكم »[ النسائي7/132 ] لم يخص القرابة بشيء منه ، كان سبيلهم سبيل أمر المسلمين ، يعطي من يحتاج منهم كفايته .

وعلى هذا ما[ في الأصل وم : مما ] أمر به الأئمة الراشدون[ في الأصل وم : الراشدين ] ، ولم يغيره علي رضي الله عنه لما ولي الأمر . وكان ذلك عندنا مما لا يجوز مخالفتهم عليه .

فإن قيل : لو كانت قرابة النبي صلى الله عليه وسلم إنما يعطون من الخمس على سبيل الفقر والحاجة فهم على هذا يدخلون في عموم المساكين فما وجه ذكره إياهم إذا قيل : إن الله ، تبارك ، وتعالى ، قال في الصدقات : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )[ التوبة : 60 ] ثم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد »[ مسلم : 1069 ] فلو لم يمسهم[ في الأص وم : يسهم ] الله في الخمس جاز أن يقول قائل : لا يعطون من الخمس ، وإن يكونوا فقراء ، كما لا يجوز أن يعطعوا من الصدقة ، ولو كانوا فقراء ، فكانوا سبب ذكر الله إياهم في الخمس لذلك ، والله أعلم .

ثم اختلف أهل العلم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سهم الرسول وسهم ذي القربى ، فقالت طائفة : سهم الرسول للخليفة من بعده ، وسهم ( ولذي القربى ) لقرابة الخليفة . وقالت الطائفة : سهم القربى لقرابة الرسول ، وقال الحسن : سهم القرابة لقرابة الخلفاء . وقال غيره[ من م ، في الأصل : غير ] : القرابة قرابة رسول الله .

وقد ذكرنا أنه يحتمل أنه كان له [ أن ][ ساقطة من الأصل وم ] يصل به قرابته بحق الصلة ، أو يعطيهم بحق القرابة ما دام حيا . ثم ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا نورث ، وما تركنا صدقة »[ التمهيد7/175 ] فإذا لم يورث عنه ما قد حازه من سهامه فكيف يورث عنه ما غنم بعد وفاته ؟

ولو كان سهمه الذي لم يلحقه موروثا عنه كان سهمه الذي حازه أحرى ألا يورث عنه . فإذا لم يورث الذي قد حازه ، ملكه عنه الآخر ، والله أعلم .

وعن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهم أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا نورث ، ما تركنا صدقة » إنما يأكل آل محمد في هذا المال أي حق الغنائم . والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه إلا أصنعه . وفي بعض الأخبار قال : «لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة عاملي ومؤنة نسائي فهو صدقة »[ مسلم1760 ] .

وعن عمر [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق مما أفاء الله عليه سنة ، ويجعل ما بقي مال الله . وروي أيضا عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله ، كانت له خالصة[ في الأصل وم : خالصا ] . وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة ، وما بقي جعله الكراع والسلاح .

فهذه الأخبار تبين أنه لم يورث سهم النبي بعد وفاته ؛ فهي تدل على أن لا نقد بعد موت النبي من خمس الغنائم للخليفة شيء[ في الأصل وم : شيئا ] ، وأن ذلك كان خصوصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالصفي الذي كان له خاصة دون غيره .

وكما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، فكان له خاصة ، فليس لأحد لغير النبي صلى الله عليه وسلم خصوص من الخمس كما ليس له خصوص من الصفي وغيره .

وإذا كان الأمر في سهم الرسول كما وصفنا ، ولم ينقص من الخمس هو لله بعد موت النبي ، ويخرج ذلك الخمس كله من الغنيمة ، فذلك يدل على أن الخمس ليس لأهل هذه الأصناف سهم معلوم ؛ لأنا قد رددنا سهم النبي من الخمس على سائر السهام .

فكما جاز أن يرد عليهم سهم النبي ، فكذلك يجوز أن يجعل سهم اليتامى ، أو بعضه للمساكين إذا حضروا ، وطلبوا ، ولم يحضر اليتامى ؛ لأن المعنى في الآية ، والله أعلم ، ألا يعطى إلا من كان من أهل هذه الأصناف . فقد وضع الحق في موضعه ، ولم يتعد به إلى غيره .

ثم الخطاب في قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) لا يحتمل كلا في نفسه كالخطاب بأداء الزكاة وغيرها ، بل الخطاب راجع إلى الجماعة الذين غنموا . ألا ترى أن العسكر والسرايا إذا دخلوا /206-أ/ دار الحرب ، فتفرقوا فيها ، فغنم واحد منهم ، يجب ضم ذلك إلى جميع العسكر والسرايا ، فعند ذلك يخرج الخمس منه ؟ دل أن الخطاب بذلك راجع إلى جماعة ، وهي الجماعة التي لهم منعة ، يقومون للعدو ، لا أنه خاطب كل أحد في نفسه ، فهذا يدل على أن الواحد أو الاثنين إذا دخل[ في الأصل وم : دخلوا ] دار الحرب بغير إذن الإمام ، فغنم غنائم لا يخمس ولكن يسلم الكل .

وأما الغنيمة نفسها لا يحتمل أن ترجع إلى أحد معلوم أو مقدار محدود كالزكاة وسائر الحقوق ، لأن الغنيمة شيء يؤخذ من الكفرة ، وإنما يؤخذ قدر ما يظفر به ، ويوجد ، فلا يحتمل أن يرجع الخطاب به إلى قدر دون قدر ، بل القليل من ذلك والكثير سواء ، لا حد في ذلك ، ولا مقدار ، وليس كالزكاة وغيرها من الحقوق التي جعل فيها حدا ومقدارا للوجه الذي ذكرنا . وأما المصيبون لها والآخذون فلهم في ذلك مقدار ، وهم الذين لهم منعة .

ثم تذكر مسألة في قيمة السهام بين الرجالة والفرسان ، وإن لم يكن في الآية ذكر ذلك . روي عن ابن عمر . [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الراجل سهما والفارس ثلاثة أسهم : سهما له ولفرسه سهمين . وعن ابن عباس رضي الله عنه ، [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : للراجل سهما ، وللفارس ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين للفرس . ثم روي أيضا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم للفارس سهمين وللراجل سهما[ في الأصل وم : سهم ] وعن المقداد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم له يوم بدر سهما ولفرسه سهما . وعن علي [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : للفارس سهمان . وعن المنذر [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : بعثه عمر في جيش إلى مصر ، فأصاب[ في الأصل وم : فأصابه ] غنائم ، فقسم للفارس سهمين[ في الأصل وم : سهمان ] .

وفي قول بعضهم : أسهم للفارس سهمان[ في الأصل وم : سهمين ] اختلاف وتضاد ، فحملوا على التناسخ . وقد يجوز ألا يكون ذلك ، وقد تكون زيادته التي زادها[ في الأصل وم : زادته ] للفرس على سهم ، إن كان محفوظا ثابتا لنفل نفله للأقواس حينئذ ترغيبا منه للمقابلة في اتخاذها وتريضا كما يجوز أن يقول الإمام : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومن جاء برأس كذا فله كذا ؛ يحرض بذلك المقاتلة على[ في الأصل وم : في ] القتال . فعلى ذلك زيادة سهم لمكان الأفراس ترغيبا منه وتحريضا على اتخاذها . فأما إن كثرت الأفراس فإن سهمانها لا تكون أكثر من سهمان أصحابها ؛ لأن الفارس أكثر غنى من فرسه ، فإن لم يزد عليه لم ينقص عما يسهم .

وكان أبو حنيفة ، رحمه الله ، يسهم للفارس سهمين ، وأبو يوسف يرى أن يسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما[ في الأصل وم : بسهم ] والحجة في ذلك بقوله : قال الله تعالى : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب )[ الحشر : 6 ] فكانت [ نخل بني ][ ساقطة من الأصل وم ] النضير خالصة لرسول الله ، ولم يكن لمن حضرها من المسلمين شيء ، إذ لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب ، وقد أتوها مشاة . فلما منع الرجالة من السهمان لاستغنائهم في غنمها[ في الأصل وم : فتحها ] عن الخيل جاز أن تزاد الخيل في السهمان على سهمان الرجالة إذا كان الرجالة[ في الأصل وم : الرجال ] يمنعون السهام ، وإن حضروا ، إذ لم يلجؤوا إلى ركوب الخيل .

لكن الحجة على هذا ما ذكرنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحاربوا بني[ في الأصل وم : على ] النضير فرسانا ولا رجالة ، ولو احتاجوا إلى الحرب لاحتاجوا إلى الخيل . فمن حيث [ لم ][ ساقطة من الأصل وم ] يحاربوا عليها لم يستحقوا منها شيئا . وإنما [ ذكر لنا ][ في الأصل وم : ذكرنا ] الله تعالى سهولة[ في الأصل وم : على سهولة ] أمرها ، وأنهم لم يحاربوا عليها خيلا ولا ركابا . وإذا لم يحارب على مدينة ، فغنموا مالا[ في الأصل وم : بمال ] ، فهو مصروف في مصالح المسلمين ، لا تجرى فيه السهام . فكانت [ نخل بني ][ ساقطة من الأصل وم ] النضير على ما ذكر خالصة للنبي يأخذ منها نفقة نسائه ، ويصرف سائرها إلى مصالح المسلمين .

ومن الدليل على أن [ بني ][ ساقطة من الأصل وم ] النضير لو احتيج فيها إلى حرب حاربهم النبي وأصحابه رجالة جرت في غنائمهم القسمة ؛ إن قوما من المسلمين لو حاربوا اليوم على مدينة من مدائن الشرك رجالة قسم ما يغنم منها كما يقسم لو كان معهم فرسان .

ومن الدليل على ذلك أيضا أن الرجالة إذا كانوا مع الفرسان في الحرب قسم كما يقسم للفارس من خاصة . فول كانت الغنيمة إنما تقسم لسبب الخيل على ما أعطي الرجالة منها شيئا ؛ إذ لا أفراس لهم . وذلك يفسد ما ذكرنا لأبي يوسف .

وقوله تعالى : ( إن كنتم آمنتم بالله ) قال بعضهم : هو صلة قوله ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )[ البقرة : 193والأنفال : 39 ] ثم قال : ( وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم )[ الأنفال : 40 ] أي وإن تولوهم ، وقد أمنتم أنتم فاعلموا أن الله مولاكم ، ليس بمولى لهم .

وقالت طائفة : قوله تعالى : ( إن كنتم آمنتم بالله ) ليس على الشرط على ألا تكون غنيمة إذا لم يكونوا مؤمنين ، ولا يجب في العدل والقسمة إذا كانوا غير مؤمنين ، ولكن على التنبيه والإيقاظ كقوله تعالى : ( وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين )[ البقرة : 278 ] ليس على أنه لا يجب أن يذروا إذا كانوا مؤمنين ، ولا يجب أن يطيعوا إذا لم يكونوا مؤمنين ، ولكن على ما ذكرنا ، فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ) قيل : قوله : ( وما أنزلنا على عبدنا ) الملائكة الذين أرسلهم يوم بدر لنصرة المؤمنين ، وأنزل عليهم المطر حتى شد الأرض بذلك ، فاستقرت أقدامهم ، وثبتت بعد ما [ لا ][ من م ، ساقطة من الأصل ] تقر الأقدام فيها ، ولا تثبت ، وشربوا منه ، ورووا ، بعد ما أصابهم العطش ؛ إذ كان المشركون أخذوا الماء . وقوله تعالى : ( وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ) يوم بدر . وقوله ( يوم الفرقان ) يوم فرق بين الحق و الباطل ، لأنه عز وجل ، جعل يوم بدر آية حين[ في الأصل وم : حيث ] غلب المؤمنون المشركين مع قلة عددهم وضعف أبدانهم وفقد الأسباب التي بها يحارب ، ويقاتل ، وكثرة العدو وقوتهم ووجود أسباب الحرب والقتال ليعلموا أنهم غلبوا أولئك ، وهزموهم ، بنصر الله إياهم . فكان آية فرق المحق منهم والمبطل .

وقيل : هو يوم الفرقان ويوم الجمع ، جمع النبي والمؤمنين وجمع المشركين ، ويوم افتراق المشركين من المؤمنين وانهزامهم . وهو كما سمى يوم القيامة يوم الجمع في حال ويوم الافتراق في حال أخرى ، والله أعلم .