المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

موضع «أن » الثانية رفع ، التقدير «فحكمه أن » ، فهي في موضع خبر الابتداء ، والغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي من ذلك قول الشاعر [ امرؤ القيس ] : [ الوافر ]

وقد طفت في الآفاق حتى*** رضيت من الغنيمة بالإياب{[5351]}

وقال آخر : [ البسيط ]

ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه*** أنّى توجَّهَ والمحروم محروم{[5352]}

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرهن : «له غنمه وعليه مخرجه »{[5353]} وقوله : «الصيام في الشتاء هو الغنيمة الباردة »{[5354]} فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف{[5355]} الخيل والركاب غنيمة ، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً له ، والفيء مأخوذ من فاء إذا رجع وهو كل ما دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف كخراج الأرض وجزية الجماجم وخمس الغنيمة ونحو هذا .

قال القاضي أبو محمد : والزكوات أيضاً مال على حدته ، أحكامه منفردة دون أحكام هذين ، قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب : الغنيمة ما أخذ عنوة والفيء ما أخذ صلحاً ، وهذا قريب مما بيناه ، وقال قتادة : الفيء والغنيمة شيء واحد فيهما الخمس ، وهذه الآية التي في الأنفال ناسخة لقوله في سورة الحشر { وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى }{[5356]} وذلك أن تلك كانت الحكم أولاً ، ثم أعطى الله أهلها الخمس فقط وجعل الأربعة والأخماس في المقاتلين .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف نص العلماء على ضعفه وأن لا وجه له من جهات ، منها أن هذه السورة نزلت قبل سورة الحشر هذه ببدر ، وتلك في بني النضير وقرى عرينة ، ولأن الآيتين متفقتان وحكم الخمس وحكم تلك الآية واحد لأنها نزلت في بني النضير حين جلوا وهربوا ، وأهل فدك حين دعوا إلى صلح ونال المسلمون ما لهم دون إيجاف ، وحكى ابن المنذر عن الشافعي أن في الفيء الخمس ، وأنه كان في قرى عرينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أربعة أخماسها كان للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعها حيث شاء .

وقال أبو عبيدة : هذه الآية ناسخة لقوله في أول السورة { قل الأنفال لله والرسول } [ الأنفال : 1 ] ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذه الآية .

قال القاضي أبو محمد : ويظهر في قول علي بن أبي طالب في البخاري : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم ببدر ، وشارف أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس حينئذ{[5357]} أن غنيمة بدر خمست فإن كان ذلك فسد قول أبي عبيدة ، ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكره علي بن أبي طالب من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد ، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة السويق وغزوة ذي أَمر وغزوة نجران ، ولم يحفظ فيها قتال ، ولكن يمكن أن غنمت غنائم . والله أعلم .

وقوله في هذه الآية { من شيء } ظاهره عام ومعناه الخصوص ، فأما الأرض{[5358]} والمتاع والأطفال والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فليس للإمام في جميع ذلك ما كثر منه وما قل كالخيط والمخيط إلا أن يأخذ الخمس ويقسم الباقي في أهل الجيش ، وأما الأرض فقال فيها مالك : يقسمها الإمام إن رأى ذلك صواباً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ، ولا يقسمها إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر بأرض مصر سواد الكوفة .

قال القاضي أبو محمد : لأن فعل عمر ليس بمخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ ليست النازلة واحدة بحسب قرائن الوقتين وحاجة الصحابة وقلتهم ، وهذا كله انعكس في زمان عمر ، وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه ، منها القتل وهو مستحسن في أهل الشجاعة والنكاية ، ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع ولا يخاف منه رأي ولا مكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه ، ومنها المن وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن ، ومنها الاسترقاق ، ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة ، وأما الطعام والغنم ونحوهما مما يؤكل فهو مباح في بلد العدو يأكله الناس فما بقي كان في المغنم .

قال القاضي أبو محمد : وأما أربعة أخماس ما غنم فيقسمه الإمام على الجيش ، ولا يختص بهذه الآية ذكر القسمة فأنا أختصره هنا ، وأما الخمس فاختلف العلماء فيه ، فقال مالك رحمه الله : الرأي فيه للإمام يلحقه ببيت الفيء ويعطي من ذلك البيت لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه ، كما يعطي منه اليتامى والمساكين وغيرهم ، وإنما ذكر من ذكر على وجه التنبيه عليهم لأنهم من أهم من يدفع إليه ، قال الزجّاج محتجاً لمالك :

قال الله تعالى : { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل }{[5359]} .

وللإمام بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك ، وقالت فرقة : كان الخمس يقسم على ستة أقسام ، قسم لله وهو مردود على فقراء المسلمين أو على بيت الله ، وقسم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقسم لقرابته ، وقسم لسائر من سمي ، حكى القول منذر بن سعيد ورد عليه ، قال أبو العالية الرياحي : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يقبض من خمس الغنيمة قبضة{[5360]} فيجعلها للكعبة فذلك لله ، ثم يقسم الباقي على خمسة ، قسم له وقسم لسائر من سمي . وقال الحسن بن محمد وابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة والشافعي : قوله { فأن لله خمسه } استفتاح كلام كما يقول الرجل لعبده :قد أعتقك الله وأعتقتك ، على جهة التبرك وتفخيم الأمر ، والدنيا كلها لله . وقسم لله وقسم الرسول واحد ، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقسم الخمس على خمسة أقسام كما تقدم . وقال ابن عباس أيضاً فيما روى عنه الطبري : الخمس مقسوم على أربعة أقسام ، وسهم الرسول صلة الله عليه وسلم ، لقرابته وليس لله ولا للرسول شيء ، وقالت فرقة : قسم الرسول صلى الله عليه وسلم ، بعد موته مردود على أهل الخمس القرابة وغيرها ، وقالت فرقة : هو مردود على الجيش أصحاب الأربعة الأخماس ، وقال علي بن أبي طالب : يلي الإمام منهم سهم الله ورسوله ، وقالت فرقة : هو موقوف لشراء العدد وللكراء{[5361]} في سبيل الله ، وقال إبراهيم النخعي وهو الذي اختاره أبو بكر وعمر فيه ، وقال أصحاب الرأي : الخمس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، مقسوم ثلاثة أقسام ، قسم لليتامى ، وقسم للمساكين وقسم لابن السبيل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يورث ، فسقط سهمه وسهم ذوي القربى ، وحجتهم فيه منع أبي بكر وعمر وعثمان لذوي القربى .

قال القاضي أبو محمد : ولم يثبت المنع بل عورض بنو هاشم بأن قريشاً قربى ، وقيل لم يكن في مدة أبي بكر مغنم ، وقال الشافعي : يعطي أهل الخمس منه ولا بد ويفضل الإمام أهل الحاجة ولكن لا يحرم صنفاً منهم حرماناً تاماً ، وقول مالك رحمه الله : إن للإمام أن يعطي الأحوج وإن حرم الغير .

قال القاضي أبو محمد : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصاً من الغنيمة بثلاثة أشياء :كان له خمس الخمس ، وكان له سهم في سائر الأربعة الأخماس ، وكان له صفيّ يأخذه قبل القسمة{[5362]} ، دابة أو سيف ، أو جارية ولا صفيّ لأحد بعده بإجماع إلا ما قال أبو ثور من أن الصفيّ باق للإمام ، وهو قول معدود في شواذ الأقوال ، وذوو القربى قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال علي بن الحسين وعبد الله بن الحسن وعبد الله بن عباس : هم بنو هاشم فقط ، فقال مجاهد : كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس ، قال ابن عباس : ولكن أبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا قريش كلها قربى ، وقال الشافعي : هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان وجبير بن مطعم في وقت قسمة سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب «إنمَا بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ما فارقونا في جاهلية ولا في الإسلام »{[5363]} .

قال القاضي أبو محمد : كانوا مع بني هاشم في الشعب وقالت فرقة : قريش كلها قربى ، وروي عن علي بن الحسين وعبد الله بن محمد بن علي أنهما قالا : الآية كلها في قريش ، والمراد يتامى قريش ومساكينها ، وقالت فرقة : سهم القرابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم موقوف على قرابته ، وقد بعثه إليهم عمر بن عبد العزيز إلى بني هاشم وبني المطلب فقط ، وقالت فرقة : هو لقرابة الإمام القائم بالأمر . وقال قتادة : كان سهم ذوي القربى طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حياً ، فلما توفي جعل لولي الأمر بعده ، وقاله الحسن بن أبي الحسن البصري . وحكى الطبري أيضاً عن الحسن أنه قال : اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال قوم : سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة ، وقال قوم : سهم النبي صلى الله عليه وسلم لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال قوم : سهم القرابة لقرابة الخليفة ، فاجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة ، فكان على ذلك مدة أبي بكر رضي الله عنه ، قال غير الحسن وعمر و { اليتامى } الذين فقدوا آباءهم من الصبيان ، واليتم في بني آدم من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات ، { والمساكين } الذين لا شيء لهم وهو مأخوذ من السكون وقلة الحراك ، { وابن السبيل } الرجل المجتاز الذي قد احتاج في سفر ، وسواء كان غنيّاً في بلده أو فقيراً فإنه ابن السبيل يسمى بذلك إما لأن السبيل تبرزه فكأنها تلده ، وإما لملازمة السبيل كما قالوا :ابن ماء ، وأخو سفر . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :

«لا يدخل الجنة ابن زنى » وقد تقدم{[5364]} .

قال القاضي أبو محمد : وقد اقتضبت فقه هذه الآية حسب الاختصار والله المستعان .

قال القاضي أبو محمد : و { ما } في قوله { ما غنمتم } بمعنى الذي ، وفي قوله { غنمتم } ضمير يعود عليها ، وحكي عن الفراء أنه جوز أن تكون «ما » شرطية بتقدير أنه ما ، وحذف هذا الضمير لا يجوز عند سيبويه إلا في الشعر ، ومنه

إن من يدخل الكنيسة يوماً . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5365]}

وقرأ الجمهور «فأن لله »{[5366]} بفتح الهمزة ، وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم وحسين عن أبي عمرو «فإن » بكسر الهمزة ، وقرأ الحسن «خمْسه » بسكون الميم ، وقوله تعالى : { إن كنتم آمنتم بالله } الآية ، قال الزجّاج عن فرقة : المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم ، «فإن » متعلقة بهذا الوعد ، وقال أيضاً عن فرقة : إنها متعلقة بقوله { واعلموا أنما غنمتم } .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الصحيح ، لأن قوله { واعلموا } يتضمن بانقياد وتسليم لأمر الله في الغنائم فعلق «أن » بقوله { واعلموا } على هذا المعنى أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة ، وقوله { وما أنزلنا } عطف على قوله { بالله } والمشار إليه ب { ما } هو النصر والظهور الذي أنزله الله يوم بدر على نبيه وأصحابه ، أي إن كنتم مؤمنين بالله وبهذه الآيات والعظائم الباهرة التي أنزلت يوم بدر ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى قرآن نزل يوم بدر أو في قصة يوم بدر على تكره في هذا التأويل الأخير .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون المعنى :واعلموا أنما غنمتم يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فإن خمسه لكذا وكذا إن كنتم آمنتم ، أي فانقادوا لذلك وسلموا ، وهذا تأويل حسن في المعنى ، ويعترض فيه الفصل بين الظرف وما تعلق به بهذه الجملة الكثيرة من الكلام ، و { يوم الفرقان } معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك ، و { الفرقان } مصدر من فرق يفرق و { الجمعان } يريد جمع المسلمين وجمع الكفار ، وهو يوم الوقعة التي قتل فيها صناديد قريش ببدر ، ولا خلاف في ذلك ، وعليه نص ابن عباس ومجاهد ومقسم والحسن بن علي وقتادة وغيرهم ، وكانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة هذا قول جمهور الناس .

وقال أبو صالح : لتسع عشرة ، وشك في ذلك عروة بن الزبير ، وقال لتسع عشرة أو لسبع عشرة ، والصحيح ما عليه الجمهور ، وقوله عز وجل : { والله على كل شيء قدير } ، يعضد أن قوله { وما أنزلنا على عبدنا } يراد به النصر والظفر ، أي الآيات والعظائم من غلبة القليل الكثير ، وذلك بقدرة الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير .


[5351]:-قائل هذا البيت هو امرؤ القيس، وقد صار الشطر الثاني مثلا يضرب عند القناعة بالسلامة. وطوّف مبالغة في طاف بمعنى دار حول الشيء. والإياب: مصدر آب بمعنى: رجع.
[5352]:- المُطعم: المرزوق، يقال: فلان مطعم للصيد ومطعم الصيد إذا كان مرزوقا منه، قال ذو الرمة: * ومطعم الصيد هبّال لبغيته*. والمعنى: المرزوق بالخير مرزوق به حيث كان وأنّى توجه، والمحروم محروم مهما فعل.
[5353]:- هذا جزء في آخر حديث رواه في الموطأ، وأوله: "لا يغلق الرهن.."، وعند الزرقاني شارح الموطإ أن الحديث مرسل، وأن بعض الرواة زاد في آخره: (له غنمه وعليه غُرمه)، واختلف في رفع هذه الزيادة، أو أنها من كلام ابن المسيب.
[5354]:- نص الحديث كما رواه الترمذي عن عامر بن مسعود" (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) هذا ما أثبته السيوطي في "الجامع الصغير". وجاء في لسان العرب: "وفي الحديث: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة" سماه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب.
[5355]:- المراد: استعمال الخيل وحثّها للحصول على الغنيمة، يقال: أوجف دابته إذا حثّها، والوجيف: ضرب سريع من السير.
[5356]:- من الآية (7) من سورة (الحشر).
[5357]:- الحديث مروي في البخاري، وقد استشهد ابن عطية في أكثر من مناسبة، والنص في البخاري يؤكد أن ما أخذه عليّ من المغنم كان يوم بدر، إذ جاء فيه أن حسين بن علي أخبره أن عليا قال: "كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله من الخمس يومئذ.." إلى آخر الحديث وهو في غزوة بدر ولفظ الحديث يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم خمّس الغنائم يومئذ، وأن الشارف التي أخذها عليّ كانت من المغنم يوم بدر. ولذلك فإن الاحتمال الثاني وهو أن الخمس الذي ذكره علي كان من إحدى الغزوات بين بدر وأحد غير وارد. والله أعلم.
[5358]:- النّاضّ: الماء الذي يخرج من الحجر قليلا قليلا، أو يرشح من رمل تحته أرض صلبة كلما نضّ منه شيء أي رشح واجتمع أخذ للانتفاع به.
[5359]:- من الآية (215) من سورة (البقرة).
[5360]:- القُبضة بضم القاف: ما قبضت عليه باليد من شيء، وهو المراد هاهنا، وأما بالفتح فالمراد المرة من القبض، وقد يكون المعنى مع الفتح هو نفس المعنى مع الضم، وفهم بعض اللغويين هذا من قوله تعالى: {فقبضت قبضة من أثر الرسول}، وقد قرئت الآية بالضم وبالفتح، وكذلك قرئ بالضم والفتح قوله تعالى: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}. قال ابن الأثير في النهاية: "في حديث حنين: فأخذ قُبضة من التراب، وهو بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف".
[5361]:- الكُراع: اسم يجمع الخيل والسلاح. "المعجم الوسيط".
[5362]:- الصفيّ: ما يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة، وقد سبقت الإشارة إلى معناها عند تفسير أول آية من هذه السورة (الأنفال).
[5363]:- أخرجه البخاري، والنسائي، قال البخاري: قال الليث: حدثني يونس، وزاد: (ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئا)، قال ابن إسحاق: "وعبد شمس، وهاشم، والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم". وقال النسائي: "وأسهم البني صلى الله عليه وسلم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، بينهم الغني والفقير، وقد قيل: إنه للفقير منهم دون الغني، كاليتامى وابن السبيل، وهو أشبه القولين بالصواب. والله أعلم".
[5364]:- تقدم الكلام عن ابن الزنى عند تفسير الآية (179) من سورة (الأعراف)، وهي قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} لكن نص الحديث هناك يختلف عن نصه هنا.
[5365]:- في خزانة الأدب، وفي المغني لابن هشام أن البيت للأخطل، وهو بتمامه: إن من يدخل الكنيسة يوما يلق فيها جآذرا وظباء وهو شاهد على أن اسم (إن) ضمير شأن والجملة شرطية بعدها خبرها، ودليل ذلك أن (من) جزمت الفعلين، الشرط له الصدارة في جملته فلا يعمل فيه ما قبله، قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: هذا البيت للأخطل، وكان نصرانيا فلذلك ذكر الكنيسة، وقال ابن هشام اللخمي: "لم أجده في ديوان الأخطل". وفعلا بحثت في الديوان من رواية السكري فلم أجده، وقد نسبه السيوطي في شواهد المغنى للأخطل ثم قال: وبعده: مالت النفس بعدها إذ رأتها فهي ريح وصار جسمي هباء
[5366]:-من اللطائف التي ذكرها المفسرون في قوله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول} الإشارة إلى هذا التركيب الذي أفرد كينونة الخمس لله، وفصل بين اسمه تعالى وبين المعاطيف بقوله: (خمسه) ليظهر استقلاله وتفرده تعالى بكينونة الخمس له، ثم أشرك المعاطيف معه على سبيل التبعية له، ولم يأت التركيب "فأن لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل خمسه".