20 - ويقول الذين آمنوا : هلا نزلت سورة تدعونا إلى القتال ؟ فإذا نزلت سورة لا تحتمل غير وجوبه ، وذكر فيها القتال مأموراً به رأيت الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت خوفاً منه وكراهية له ، فأحق بهم طاعة لله وقول يقره الشرع ، فإذا جد الأمر ولزمهم القتال ، فلو صدقوا الله في الإيمان والطاعة لكان خيراً لهم من النفاق ، فهل يتوقع منكم - أيها المنافقون - إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا صلاتكم بأقاربكم ؟
قوله تعالى : { فهل عسيتم } فلعلكم ، { إن توليتم } أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه ، { أن تفسدوا في الأرض } تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء ، وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام . { وتقطعوا أرحامكم } قرأ يعقوب : ( وتقطعوا ) بفتح التاء خفيف ، والآخرون بالتشديد من التقطيع ، على التكثير ، لأجل الأرحام ، قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن ؟ وقال بعضهم : هو من الولاية . وقال المسيب بن شريك والفراء يقول : فهل عسيتم إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم ، نزلت في بني أمية وبني هاشم ، يدل عليه قراءة علي بن أبي طالب توليتم بضم التاء والواو وكسر اللام ، يقول : إن وليتكم ولاة جائرين خرجتم معهم في الفتنة وعاونتموهم .
ثم ذكر تعالى حال المتولي عن طاعة ربه ، وأنه لا يتولى إلى خير ، بل إلى شر ، فقال : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } أي : فهما أمران ، إما التزام لطاعة الله ، وامتثال لأوامره ، فثم الخير والرشد والفلاح ، وإما إعراض عن ذلك ، وتولٍ عن طاعة الله ، فما ثم إلا الفساد في الأرض بالعمل بالمعاصي وقطيعة الأرحام .
وقوله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ } أي : عن الجهاد ونكلتم عنه ، { أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } أي : تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء ، تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام ؛
ولهذا قال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ }
القول في تأويل قوله تعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَتُقَطّعُوَاْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلََئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَىَ أَبْصَارَهُمْ } .
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين وصف أنهم إذا نزلت سورة محكمة ، وذُكر فيها القتال نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر المغشيّ عليه فَهَلْ عَسَيْتُمْ أيها القوم ، يقول : فلعلكم إن توليتم عن تنزيل الله جلّ ثناؤه ، وفارقتم أحكام كتابه ، وأدبرتم عن محمد صلى الله عليه وسلم وعما جاءكم به أنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ يقول : أن تعصوا الله في الأرض ، فتكفروا به ، وتسفكوا فيها الدماء وَتُقَطّعُوا أرْحامَكُمْ وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرّق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام ، وألّف به بين قلوبكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلّيْتُمْ . . . الآية . يقول : فهل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ، ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطّعوا الأرحام ، وعَصَوا الرحمن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطّعُوا أرْحامَكُمْ قال : فعلوا .
حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر وسليمان بن بلال ، قالا : حدثنا معاوية بن أبي المزرّد المديني ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «خَلَقَ اللّهُ الخَلْقَ ، فَلَمّا فَرغ مِنْهُمْ تَعَلّقَتِ الرّحِمُ بِحَقْوِ الرّحْمَنِ » فَقالَ مَهْ : فَقالَتْ : هَذَا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ ، قالَ : أَفمَا تَرْضَيْنَ أنْ أقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ، وأصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ؟ قالَتْ : نَعَمْ ، قالَ : فَذلكِ لَكِ .
قال سليمان في حديثه : قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وتُقَطّعُوا أرْحامَكُمْ وقد تأوّله بعضهم : فهل عسيتم إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض بمعنى الولاية ، وأجمعت القرّاء غير نافعٍ على فتح السين من عَسَيتم ، وكان نافع يكسرها «عَسِيتم » .
والصواب عندنا قراءة ذلك بفتح السين لإجماع الحجة من القرّاء عليها ، وأنه لم يسمع في الكلام : عَسِىَ أخوك يقوم ، بكسر السين وفتح الياء ولو كان صوابا كسرها إذا اتصل بها مكنيّ ، جاءت بالكسر مع غير المكنيّ ، وفي إجماعهم على فتحها مع الاسم الظاهر ، الدليل الواضح على أنها كذلك مع المكنيّ ، وإن التي تَلِي عسيتم مكسورة ، وهي حرف جزاء ، و«أن » التي مع تفسدوا في موضع نصيب بعسيتم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.