المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

34- وإن حالهم القائمة الآن تسوغ تعذيبهم ، لأنهم يمنعون الناس من المسجد الذي حرم الله القتال حوله ، ولكن يؤخرهم الله لما قدَّره في علمه من إيمان الكثيرين منهم ، وإنهم في حالهم هذه ليسوا نصراء ذلك المسجد المكرم ، لأنهم دنَّسوه بالوثنية ، وإنما نصراؤه الحقيقيون هم المؤمنون الطائعون لله ، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون الدين ، ولا مقام ذلك البيت الكريم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

قوله تعالى : { وما لهم ألا يعذبهم الله } أي : وما يمنعهم من أن يعذبوا ، يريد بعد خروجك من بينهم .

قوله تعالى : { وهم يصدون عن المسجد الحرام } ، أي : يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت ، وقيل : أراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال ، وأراد بقوله { وما لهم أن لا يعذبهم الله } أي : بالسيف ، وقيل : أراد بالأول عذاب الدنيا ، وبهذه الآية عذاب الآخرة . وقال الحسن : الآية الأولى وهي قوله { وما كان الله ليعذبهم } منسوخة بقوله تعالى : { وما لهم أن لا يعذبهم الله } .

قوله تعالى : { وما كانوا أولياءه } ، قال الحسن : كان المشركون يقولون نحن أولياء المسجد الحرام ، فرد الله عليهم بقوله : { وما كانوا أولياءه } أي : أولياء البيت الحرام . قوله تعالى : { إن أولياؤه } أي : ليس أولياء البيت .

قوله تعالى : { إلا المتقون } ، يعني المؤمنين الذين يتقون الشرك .

قوله تعالى : { ولكن أكثرهم لا يعلمون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

ثم قال : وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أي : أي شيء يمنعهم من عذاب اللّه ، وقد فعلوا ما يوجب ذلك ، وهو صد الناس عن المسجد الحرام ، خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، الذين هم أولى به منهم ، ولهذا قال : وَمَا كَانُوا أي : المشركون أَوْلِيَاءَهُ يحتمل أن الضمير يعود إلى اللّه ، أي : أولياء اللّه . ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام ، أي : وما كانوا أولى به من غيرهم . إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وهم الذين آمنوا باللّه ورسوله ، وأفردوا اللّه بالتوحيد والعبادة ، وأخلصوا له الدين . وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ فلذلك ادَّعَوْا لأنفسهم أمرا غيرهم أولى به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

30

( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام . وما كانوا أولياءه . إن أولياؤه إلا المتقون . ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .

إنه لا يمنع العذاب عنهم ما يدعونه من أنهم ورثة إبراهيم وسدنة بيت الله الحرام . . فهذه ليست سوى دعوى لا أساس لها من الواقع . إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ولا أصحابه . إنهم أعداء هذا البيت وغاصبوه ! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن السلف . إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله . ومثله دعواهم أنهم ورثة إبراهيم - عليه السلام - فوراثة إبراهيم ليست وراثة دم ونسب ؛ إنما هي وراثة دين وعقيدة . والمتقون هم ورثة إبراهيم وبيت الله الذي بناه لله ؛ فإذا هم يصدون عنه أولياءه الحقيقيين المؤمنين بدين إبراهيم !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

وقوله عز وجل : { وما لهم ألا يعذبهم الله } توعد بعذاب الدنيا ، فتقديره وما يعلمهم أو يدريهم ونحو هذا من الأفعال التي توجب أن تكون «أن » في موضع نصب{[5317]} ، وقال الطبري : تقديره وما يمنعهم من أن يعذبوا ، والظاهر في قوله { وما } أنها استفهام على جهة التقرير والتوبيخ والسؤال ، وهذا أفصح في القول وأقطع لهم في الحجة ، ويصح أن تكون { ما } نافية ويكون القول إخباراً ، أي وليس لهم ألا يعذبوا وهم يصدون ، وقوله { وهم يصدون } على التأويلين جملة في موضع الحال ، و { يصدون } في هذا الموضع معناه يمنعون غيرهم ، فهو متعدٍّ كما قال الشاعر : [ الوافر ]

صددتِ الكأسَ عنا أمَّ عمرو . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ***{[5318]}

وقد تجيء صد عير متعدٍّ كما أنشد أبو علي : [ البسيط ]

صَّدت ُخَلْيَدُة عنّا ما تكلّمُنا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5319]}

والضمير في قوله { أولياؤه } عائد على الله عز وجل من قوله { يعذبهم الله } ، أو على المسجد الحرام ، كل ذلك جيد ، روي الأخير عن الحسن ، والضمير الآخر تابع للأول وقوله { ولكن أكثرهم لا يعلمون } معناه لا يعلمون أنهم ليسوا بأوليائه بل يظنون أنهم أولياؤه ، وقوله { أكثرهم } ونحن نجد كلهم بهذه الصفة ، لفظ خارج إما على أن تقول إنه لفظ خصوص أريد به العموم وهذا كثير في كلام العرب ، ومنه حكى سيبويه من قولهم : قل من يقول ذلك ، وهم يريدون لا يقوله أحد .

وإما أن يقول : إنه أراد بقوله { أكثرهم } أن يعلم ويشعر أن بينهم وفي خلالهم قوماً قد جنحوا إلى الإيمان ووقع لهم علم وإن كان ظاهرهم الكفر فاستثارهم من الجميع بقوله { أكثرهم } وكذلك كانت حال مكة وأهلها ، فقد كان فيهم العباس وأم الفضل{[5320]} وغيرهما ، وحكى الطبري عن عكرمة قال الحسن بن أبي الحسن : إن قوله { وما لهم ألا يعذبهم الله } ، ناسخ لقوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، لأنه خبر لا يدخله نسخ .


[5317]:- قال الأخفش: إن [أن] زائدة، قال النحاس: لو كان كما قال لرفع [يعذبهم] فيكون الفعل في موضع الحال، كقوله تعالى: {وما لنا لا نؤمن بالله}. ويجوز أن تكون [أن] في موضع جر على تقدير (في) وتعلق بما تعلق به [لهم] والمعنى: أي شيء كائن أو مستقر لهم في ألا يعذبهم الله؟ أي: لا حظ لهم في انتفاء العذاب، فهم معذبون ولا بد.
[5318]:-هذا صدر بيت من معلقة عمرو بن كلثوم المشهورة التي بدأها بقوله: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا وقد روي (صبنت) بدلا من (صددت)- والصبن هو الصرف، ولكن الرواية المشهورة (صددت) والبيت بتمامه: صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا والمعنى: صرفت الكأس عني يا أم عمرو، وكان مجرى الكأس على اليمين، فأجريتها على اليسار، أي أنك تعمدت أن تمنعي عني الكأس.
[5319]:- الواضح أن (صدّ) هنا بمعنى: أعرض، فخليدة قد أعرضت عنه وامتنعت عن تكليمه، ولم نقف على قائل البيت ولا على بقيته.
[5320]:-أم الفضل هي لُبابة بنت الحارث الهلالية امرأة العباس بن عبد المطلب، وهي لبابة الكبرى، ولها أربع أخوات أخرج فيهن الزبير بن بكار عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الأخوات الأربع مؤمنات: أم الفضل، وميمونة، وأسماء، وسلمى). فأما ميمونة فهي أم المؤمنين، وأما أسماء وسلمى فأختاهما من أبيهما. وكان يقال لوالدة أم الفضل: أكرم الناس أصهارا، ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس تزوج أختها شقيقتها لبابة، وحمزة تزوج أختها سلمى، وجعفر بن أبي طالب شقيقتها أسماء ثم تزوجها بعده أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين، وقد ماتت أم الفضل في خلافة عثمان قبل زوجها العباس. (الإصابة).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 33]

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم: تأويله:"وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِيهِمْ": أي وأنت مقيم بين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة. قال: ثم خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فاستغفر من بها من المسلمين، فأنزل بعد خروجه عليه حين استغفر أولئك بها: "وَما كانَ الله مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرونَ". قال: ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم، فعذّب الكفار... قال: ابن عباس: لم يعذّب قرية حتى يخرج النبيّ منها والذين آمنوا معه ويلحقه بحيث أمر...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذّب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم يا محمد، حتى أخرجك من بينهم. "وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ "وهؤلاء المشركون يقولون: يا ربّ غفرانك وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول. قالوا: وقوله: وَما لهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ في الاَخرة...

[عن] ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبيّ الله والاستغفار، قال: فذهب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وبقي الاستغفار. "وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِياءَهُ إنْ أوْلِياؤُهُ إلاّ المُتّقُونَ "قال: فهذا عذاب الاَخرة، قال: وذاك عذاب الدنيا...

وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم يا محمد، وما كان الله معذّب المشركين "وهم يستغفرون"، أي: لو استغفروا. قالوا: ولم يكونوا يستغفرون فقال جلّ ثناؤه إذ لم يكونوا يستغفرون: "وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ"... وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: تأويله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرّون عليه، فهم للعذاب مستحقون، كما يقال: ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إليّ، يراد بذلك: لا أحسن إليك إذا أسأت إليّ ولو أسأت إليّ لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إليّ وكذلك ذلك. ثم قيل: "وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ" بمعنى: وما شأنهم وما يمنعهم أن يعذّبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، وهم يصدّون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام.

وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن القوم -أعني مشركي مكة- كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: اللهمّ إن كان ما جاء به محمد هو الحقّ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فقال الله لنبيه: ما كنت لأعذّبهم وأنت فيهم وما كنت لأعذّبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذّبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدّون عن المسجد الحرام فأعلمه جلّ ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شكّ أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون، بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول مَن وجّه قوله: "وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" إلى أنه عني به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم وعما الله فاعل بهم، ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضّى، وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: "وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ..." لأن قوله جلّ ثناؤه: "وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي.

"وَما كانُوا أوْلِياءَهُ إنّ أوْلِياؤُهُ إلاّ المُتّقُونَ وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن المسجد الحرام، ولم يكونوا أولياء الله "إنْ أوْلِيَاؤُهُ" يقول: ما أولياء الله إلاّ المتقون، يعني: الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. "وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" يقول: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن أولياء الله المتقون، بل يحسبون أنهم أولياء الله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى: (وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي ما لهم من عذر في صرف العذاب عن أنفسهم؛ إذ قد كان منهم من أنواع ما كان، لو كان واحد من ذلك لكانوا يستوجبون العذاب، من تكذيبهم الرسول والآيات التي أرسلها إليهم وصدهم الناس عن المسجد الحرام، وهو مكان العبادة، وسؤالهم بقولهم: (فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) [الأنفال: 32] أي ليس لهم عذر في صرف العذاب عن أنفسهم...

وقوله تعالى: (وهم يصدون عن المسجد الحرام) أي عن الصلاة فيه...

.

وقوله تعالى: (وما كانوا أولياءه) أي لم يكونوا ليصرفوا العذاب عن أنفسهم بالولاءة، وهو صلة قوله: (وما لهم ألا يعذبهم) وهم ليسوا بأوليائه. ويحتمل قوله: (وما كانوا أولياءه) أنهم كانوا يصدون الناس عن المسجد الحرام لما ادعوا أنهم أولياؤه، وأنهم أولى بالمسجد الحرام. ثم أخبر أنهم ليسوا أولياءه، إنما أولياؤه المتقون الذين اتقوا لما أتاهم، وأولياؤه الموحدون لا الذين أشركوا غيره في عبادته وألوهيته...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَمَا لَهُمْ أَن لا يُعَذّبْهُمُ الله} وأي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم، يعني: لا حظّ لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة. وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدّون عن المسجد الحرام كما صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، وإخراجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الصدّ، وكانوا يقولون: نحن ولاة البيت والحرم فنصدّ من نشاء وندخل من نشاء {مَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} وما استحقوا مع إشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون}...إنما يستأهل ولايته من كان براً تقياً، فكيف بالكفرة عبدة الأصنام {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند ويطلب الرياسة. أو أراد بالأكثر: الجميع، كما يراد بالقلة: العدم...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم، ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم؛ ولهذا لما خرج من بين أظهرهم، أوقع الله بهم بأسه يوم بدر، فقُتل صناديدهم وأسرت سُراتهم. وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب، التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد.

.. وقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي: وكيف لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي ببكة، يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة عنده والطواف به؛ ولهذا قال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} أي: هم ليسوا أهل المسجد الحرام، وإنما أهله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 17، 18]، وقال تعالى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ]} الآية [البقرة: 217]..

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وَمَا لَهُمْ أَن لا يُعَذّبْهُمُ الله} بيانٌ لاستحقاقهم العذابَ بعد بيانِ أن المانعَ ليس من قِبَلهم، أي وما لهم مما يمنع تعذيبَهم متى زال ذلك وكيف لا يعذّبون {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام} أي وحالُهم ذلك، ومِنْ صدّهم عنه إلجاءُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة وإحصارُهم عام الحديبية {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} حالٌ من ضمير يصدون مفيدةٌ لكمال قُبحِ ما صنعوا من الصد فإن مباشرتَهم للصد عنه مع عدم استحقاقِهم لولاية أمرِه في غاية القُبح...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{وما كانوا أولياءه} أي مستحقين الولاية عليه لشركهم ومفاسدهم فيه كطوافهم فيه عراة الأجسام رجالا ونساء، ولما أجاب الله دعاء أبيهم إبراهيم بأن يجعل للناس أئمة من ذريته كما جعله إماما لهم أجابه الله تعالى بأن عهده بالإمامة لا ينال الظالمين، وأي ظلم أعظم شناعة وفسادا من الشرك؟ {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] وكانوا يقولون: نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فقال تعالى: {إن أولياؤه إلا المتقون} للشرك وسائر الفساد والظلم وهم المسلمون الصادقون وقد وجدوا. وهذا غاية التأكيد. فإنه بعد أن نفى ولاية المشركين عن بيت الله تعالى نفى كل ولاية على الإطلاق واستثنى منها ولاية المتقين من المسلمين وهم عدولهم وخيارهم، لا من لا فضل لهم في أنفسهم، وإنما يدعون حق الولاية بأنسابهم...

{ولكن أكثرهم لا يعلمون} أنه لا حق لهم في الولاية على هذا البيت ولاسيما بعد ظهور الإسلام ووجود أولياء الله الموحدين الصالحين، وكانوا يدعون هذا الحق بنسبهم الإبراهيمي وقد أبطله الظلم، وبقوتهم في قومهم وإن كانت إلى ضعف، أو لا يعلمون أنهم ليسوا أولياء الله عز وجل، ولا أن أولياءه ليسوا إلا المتقين فهم الآمنون من عذابه، بمقتضى عدله في خلقه، والحقيقون بالولاية على بيته، على ما أعد لهم من الثواب والنعيم بفضله، كما صرحت به آياته في كتابه. وقد أسند هذا الجهل إلى أكثرهم إذ كان فيهم من لا يجهل سوء حالهم في جاهليتهم، وضلالهم في شركهم، وكونه لا يرضي الله تعالى، فإن امتنع رؤساؤهم من الإسلام كبرا وعنادا، فقد كان فيهم من يكتم إيمانه خوفا من الفتنة، ويتربص الفرصة لإظهاره بالاستعداد للهجرة، ومنهم المستعدون له بسلامة الفطرة، وللتفاوت في الاستعداد كان يظهر المرة بعد المرة. والناس يطلقون الحكم في مثل الحال التي كانوا عليها على الجميع ويقولون إن القليل لا حكم له إن وجد فكيف ونحن لا نعلم بوجوده. ولكن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، ولا يقول إلا الحق، ومثل هذا الحكم على أكثر الأمم والشعوب أو استثناء القليل منهم بعد إطلاق الحكم عليهم، هو من دقائق القرآن في تحرير الحق...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إنه لا يمنع العذاب عنهم ما يدعونه من أنهم ورثة إبراهيم وسدنة بيت الله الحرام.. فهذه ليست سوى دعوى لا أساس لها من الواقع. إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ولا أصحابه. إنهم أعداء هذا البيت وغاصبوه! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن السلف. إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله. ومثله دعواهم أنهم ورثة إبراهيم -عليه السلام- فوراثة إبراهيم ليست وراثة دم ونسب؛ إنما هي وراثة دين وعقيدة. والمتقون هم ورثة إبراهيم وبيت الله الذي بناه لله؛ فإذا هم يصدون عنه أولياءه الحقيقيين المؤمنين بدين إبراهيم!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وقد أفادت الآية: أنهم استحقوا العذاب فنبهت على أن ما أصابهم يوم بدر، من القتل والأسر، هو من العذاب، ولكن الله قد رحم هذه الأمة تكرمة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فلم يؤاخذ عامتهم بظلم الخاصة بل سلط على كل أحد من العذاب ما يُجازي كفره وظُلمه وإذايته النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولذلك عذب بالقتل والأسر والإهانة نفراً عُرفوا بالغلو في كفرهم وأذاهم، مثل النضر بن الحارث، وطعيمة بن عدي، وعُقبة بن أبي مُعَيط، وأبي جهل، وعذب بالخوف والجوع من كانوا دون هؤلاء كفراً واستبقاهم وأمهلهم فكان عاقبة أمرهم أن أسلموا بقرب أو بُعد وهؤلاء مثل أبي سفيان، وحكيم بن حزام، وخالد بن الوليد، فكان جزاؤه إياهم على حسب علمه، وحقق بذلك رجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:"لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده"...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

...

.ومع أنّ هذا الحكم ورد في شأن المسجد الحرام، إلاّ أنّه يشمل جميع المراكز الدينية والمساجد، فإنّ سدنتها ينبغي أن يكونوا من أطهر الناس وأتقاهم وأورعهم وأكثرهم اهتماما بالمحافظة على مراكز العبادة، ليجعلوها منطلقاً للتعليم وبثّ الوعي والإِيقاظ؛ إذ لا يصلح لإدارة هذه المراكز حفنةٌ من الحمقى أو باعة الضمائر الملوّثين... الذين يسعون إِلى تحويل المساجد ومراكز العبادة إِلى محال تجارية، أو جعلها مكاناً لتخدير الأفكار، والابتعاد عن الحقّ. وفي اعتقادنا أنّ المسلمين لو كانوا ملتزمين بتعاليم القرآن في شأن المساجد، لكانت المجتمعات الإِسلامية اليوم لها وجه آخر وصورةٌ مشرقةٌ!...