الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

ومعناه نفي الاستغفار عنهم : أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم ، كقوله : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [ هود : 117 ] ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون ، ولا يتوقع ذلك منهم . وقيل معناه وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر ، وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المستضعفين ، { وَمَا لَهُمْ أَن لا يُعَذّبْهُمُ الله } وأي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم ، يعني : لا حظّ لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة . وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدّون عن المسجد الحرام كما صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، وإخراجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الصدّ ، وكانوا يقولون : نحن ولاة البيت والحرم فنصدّ من نشاء وندخل من نشاء { مَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ } وما استحقوا مع إشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون } من المسلمين ليس كل مسلم أيضاً ممن يصلح لأن يلي أمره ، إنما يستأهل ولايته من كان براً تقياً ، فكيف بالكفرة عبدة الأصنام { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند ويطلب الرياسة . أو أراد بالأكثر : الجميع ، كما يراد بالقلة : العدم .