فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

قوله : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله } لما بيّن سبحانه أن المانع من تعذيبهم هو الأمران المتقدمان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهورهم ، ووقوع الاستغفار . ذكر بعد ذلك أن هؤلاء الكفار ، أعني : كفار مكة ، مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح . والمعنى : أيّ شيء لهم يمنع من تعذيبهم ؟ قال الأخفش : إن «أن » زائدة . قال النحاس : لو كان كما قال لرفع يعذبهم ، وجملة : { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام } في محل نصب على الحال ، أي وما يمنع من تعذيبهم ؟ والحال أنهم يصدّون الناس عن المسجد الحرام ، كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البيت ، وجملة { وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ } في محل نصب على أنها حال من فاعل { يَصِدُّونَ } ، وهذا كالردّ لما كانوا يقولونه من أنهم ولاة البيت ، وأن أمره مفوّض إليهم ، ثم قال مبيناً لمن له ذلك : { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون } أي : ما أولياؤه إلا من كان في عداد المتقين للشرك والمعاصي { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك ، والحكم على الأكثرين بالجهل يفيد أن الأقلين يعلمون ولكنهم يعاندون .

/خ37