92- واليوم الذي هلكت فيه نُخرج جثتك من البحر ، ونبعثها لتكون عظة وعبرة لمن كانوا يعبدونك ، ولا ينتظرون لك مثل هذه النهاية المؤلمة المخزية ، ولكن كثيراً من الناس يغفلون عن البينات الباهرة في الكون التي تثبت قدرتنا{[92]} .
قوله تعالى : { فاليوم ننجيك } ، أي نلقيك على نجوة من الأرض ، وهي : المكان المرتفع . وقرأ يعقوب " ننجيك " بالتخفيف ، { ببدنك } ، بجسدك لا روح فيه . وقيل : ببدنك : بدرعك ، وكان له درع مشهور مرصع بالجواهر ، فرأوه في درعه فصدقوا . " لتكون لمن خلفك آية " ، عبرة وعظة ، { وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون } .
{ 92 } { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً }
قال المفسرون : إن بني إسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم ، من فرعون ، كأنهم لم يصدقوا بإغراقه ، وشكوا في ذلك ، فأمر الله البحر أن يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنه ، ليكون لهم عبرة وآية .
{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفعون بها ، لعدم إقبالهم عليها .
وأما من له عقل وقلب حاضر ، فإنه يرى من آيات الله ما هو أكبر دليل على صحة ما أخبرت به الرسل .
{ فاليوم ننجّيك } ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا ، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل . وقرأ يعقوب { ننجيك } من أنجى ، وقرأ " ننحيك " بالحاء أي نلقيك بناحية من الساحل . { ببدنك } في موضع الحال أي ببدنك عاريا عن الروح ، أو كاملا سويا أو عريانا من غير لباس . أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها . وقرئ " بأبدانك " أي بأجزاء البدن كلها كقولهم هوى بإجرامه أو بدروعك كأنه كان مظاهرا بينها . { لتكون لمن خلفك آية } لمن وراءك علامة وهم بنو إسرائيل إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك ، حتى كذبوا موسى عليه السلام حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل ، أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا عن الطغيان ، أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية . وقرئ لمن " خلقك " أي لخالقك آية أي كسائر الآيات فإن إفراده إياك بالإلقاء إلى الساحل دليل على أنه تعمد منه لكشف تزويرك وإماطة الشبهة في أمرك . وذلك دليل على كمال قدرته وعلمه وإرادته ، وهذا الوجه أيضا محتمل على المشهور . { وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون } لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها .
وقوله تعالى { فاليوم ننجيك } الآية ، يقوي ما ذكرناه من أنها صورة الحال لأن هذه الألفاظ إنما قيلت بعد فرقة ، وسبب هذه المقالة على ما روي أن بني إسرائيل بعد عندهم غرق فرعون وهلاكه لعظمه عندهم ، وكذب بعضهم أن يكون فرعون يموت فنجي على نجوة من الأرض حتى رآه جميعهم ميتاً كأنه ثور أحمر ، وتحققوا غرقه{[6221]} ، وقرأت فرقة «فاليوم ننجيك » وقالت فرقة معناه من النجاة أي من غمرات البحر والماء ، وقال جماعة معناه : نلقيك على نجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها ، ومنه قول أوس بن حجر : [ البسيط ]
فمن بعقوته كمن بنجوته*** والمستكن كمن يمشي بقرواح{[6222]}
وقرأ يعقوب «ننْجِيك » بسكون النون وتخفيف الجيم ، وقرأ أبي بن كعب «ننحّيك » بالحاء المشددة من التنحية ، وهي قراءة محمد بن السميفع اليماني ويزيد البريدي{[6223]} ، وقالت فرقة : معنى { ببدنك } بدرعك{[6224]} ، وقالت فرقة معناه بشخصك وقرأت فرقة «بندائك » أي بقولك { آمنت } الخ الآية ، ويشبه أن يكتب بندائك بغير ألف في بعض المصاحف ، ومعنى الآية أنا نجعلك آية مع ندائك الذي لا ينفع{[6225]} ، وقرأت فرقة هي الجمهور «خلفك » أي من أتى بعدك ، وقرأت فرقة «خلقك » المعنى يجعلك الله آية له في عباده{[6226]} ، ثم بيّن عز وجل العظة لعباده بقوله { وإن كثير من الناس عن آياتنا لغافلون } وهذا خبر في ضمنه توعد .