{ ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال ابن مسعود : لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه إلى الله عز وجل قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي بمالي وولدي ، فأنزل الله تعالى : { ما أغنى عنه ماله } أي ما يغني ، وقيل : أي شيء يغني عنه ماله ، أي : ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ، وكان صاحب مواش ، { وما كسب } قيل : يعني ولده ؛ لأن ولد الإنسان من كسبه ، كما جاء في الحديث : " أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه ، وإن ولده من كسبه " .
وقوله : { ا أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } يقول تعالى ذكره : أيّ شيء أغنى عنه ماله ، ودفع من سخط الله عليه { وَما كَسَبَ وهم ولده } . وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل لذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن داود بن محمد المنكدِر ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن خيثم ، عن أبي الطفيل ، قال : جاء بنو أبي لهب إلى ابن عباس ، فقاموا يختصمون في البيت ، فقام ابن عباس ، فحجز بينهم ، وقد كفّ بصره ، فدفعه بعضهم حتى وقع على الفراش ، فغضب وقال : أخرجوا عني الكسب الخبيث .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر الهُذَليّ ، عن محمد بن سفيان ، عن رجل من بني مخزوم ، عن ابن عباس ، أنه رأى يوما ولد أبي لهب يقتتلون ، فجعل يحجُز بينهم ويقول : هؤلاء مما كسب .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } قال : ما كسب ولده .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَما كَسَبَ } قال : ولده هم من كسبه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله وَما كَسَبَ قال : ولده .
وقوله تعالى : { ما أغنى عنه ماله وما كسب } يحتمل أن تكون { ما } نافية ، ويكون الكلام خبراً عن أن جميع أحواله الدنياوية لم تغن عنه شيئاً حين حتم عذابه بعد موته ، ويحتمل أن تكون { ما } استفهاماً على وجه التقرير ، أي أين الغناء الذي لماله ولكسبه ؟ { وما كسب } : يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه ، أو ليكون الكلام دالاً على أنه أتعب فيه نفسه ، لم يجئه عفوا ، لا بميراث وهبة ونحوه ، وقال كثير من المفسرين : المراد ب { ما كسب } بنوه ، فكأنه قال : { ما أغنى عنه ماله } وولده ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير ما كسب الرجل من عمل يده ، وإن ولد الرجل من كسبه{[12018]} " ، وروي أن أولاد أبي لهب اختصموا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا ، فقام ابن عباس ليحجز بينهم ، فدفعه أحدهم ، فوقع على فراشه ، وكان قد كف بصره فغضب وصاح : أخرجوا عني الكسب الخبيث ، وقرأ الأعمش وأبي بن كعب : «وما اكتسب » .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم استأنف ، فقال : { ما أغنى عنه ماله } في الآخرة { وما كسب } يعنى أولاده عتبة وعتيبة ومعتب ؛ لأن ولده من كسبه ....
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { ما أغْنَى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ } يقول تعالى ذكره : أيّ شيء أغنى عنه ماله ، ودفع من سخط الله عليه { وَما كَسَبَ } وهم ولده ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدهما : أي لم يغن ماله وقوته وما كسب من عذاب الله شيئا ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ مَا أغنى } استفهام في معنى الإنكار ... والمعنى : لم ينفعه ماله وما كسب بماله ، يعني : رأس المال والأرباح . أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها ، وكان ذا سابياء . أو ماله الذي ورثه من أبيه ، والذي كسبه بنفسه ....
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان ، قال أبو لهب : إذا كان ما يقول ابن أخي حقا ، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي ، فأنزل الله : { مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ما أغنى } أي أجزى وناب وسد { عنه } أي عن أبي لهب الشقي الطريد المبعود عن الرحمة مع العذاب . { ماله } أي الكثير الذي جرت العادة بأنه ينجي من الهلاك . ولما كان الكسب أعم من المال ، وكان المال قد يكسب منافع هي أعظم منه من الجاه وغيره ، وكان الإنسان قد يكون فائزاً ، ولا مال له بأمور أثلها بسعيه خارجة عن المال ، قال مفيداً لذلك ، مبيناً أنه لا ينفع إلا ما أمر الله به { وما كسب } ، أي وإن كان ذلك على وجه هائل من الولد والأصحاب والعز بعشيرته التي كان يرضيها باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في المحافل يؤذيه ويكذبه ، وينهى الناس عن تصديقه ، مع أنه كان قبل ذلك يناديه بالصادق الأمين ، وكان ابنه عتبة شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف ابتدائي للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإِعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التباب ، ولا يغنيه ماله ، ولا كسبه ، أي لا يغني عنه ذلك في دفع شيء عنه في الآخرة . ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
لأن المال قد يمثل حاجةً يستعين بها الإنسان على تدبير الأمور المادية في حياته ، ولكنه لا يحقِّق له النجاح على المستوى الروحي والمعنوي والمصيري عند الله ... لأن المال ليس جزءاً من شخصيته ، لترتفع قيمتها بكثرته ، أو لتنخفض بقلّته ؛ بل هو شيءٌ خارج عن ذاته ، مضاف إليه بالاحتواء الشخصي أو بالإضافة القانونية ؛ بل القيمة كل القيمة في ما يحسنه الإنسان ويعمله .