قوله تعالى : { يوم يحمى عليها في نار جهنم } ، أي : يدخل النار فيوقد عليها أي على الكنوز ، { فتكوى بها } ، فتحرق بها ، { جباههم } ، أي : جباه كانزيها ، { وجنوبهم وظهورهم } . روي عن ابن مسعود قال : إنه لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم في موضع على حدة . وسئل أبو بكر الوراق : لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي ؟ قال : لأن الغني صاحب الكنز إذا رأى الفقير قبض جبهته ، وزوى ما بين عينيه ، وولاه ظهره ، وأعرض عنه كشحه .
قوله تعالى : { هذا ما كنزتم } ، أي : يقال لهم : هذا ما كنزتم ، { لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } ، أي : تمنعون حقوق الله تعالى في أموالكم . وقال بعض الصحابة : هذه الآية في أهل الكتاب . وقال الأكثرون : هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين ، وبه قال أبو ذر رضي الله عنه .
{ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا } أي : على أموالهم ، { فِي نَارِ جَهَنَّمَ } فيحمى كل دينار أو درهم على حدته .
{ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ويقال لهم توبيخا ولوما : { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز .
وذكر اللّه في هاتين الآيتين ، انحراف الإنسان في ماله ، وذلك بأحد أمرين :
إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعا ، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض ، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة اللّه ، وإخراجها للصد عن سبيل اللّه .
وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات ، و { النهي عن الشيء ، أمر بضده }
والسياق القرآني يصور عذابهم في الآخره بما كنزوا ، وعذاب كل من يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل اللّه ، في مشهد من المشاهد التصويرية الرائعة المروعة :
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم . يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . .
إن رسم المشهد هكذا في تفصيل ؛ وعرض مشهد العملية منذ خطواتها الأولى إلى خطواتها الأخيرة ، ليطيل المشهد في الخيال والحس . . وهي إطالة مقصودة :
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم ) . .
ويسكت السياق : وتنتهي الآية على هذا الإجمال والإبهام في العذاب . .
ثم يأخذ في التفصيل بعد الإجمال :
( يوم يحمى عليها في نار جهنم ) .
ثم ها هي ذي حميت واحمرت . وها هي ذي معدة مهيأة . فليبدأ العذاب الأليم . . . ها هي ذي الجباه تكوى . . . لقد انتهت عملية الكي في الجباه ، فليداروا على الجنوب . . . ها هي ذي الجنوب تكوى . . . لقد انتهت هذه فليداروا على الظهور . . . ها هي ذي الظهور تكوى . . . لقد انتهى هذا اللون من العذاب ؛ فليتبعه الترذيل والتأنيب :
هذا هو بذاته الذي كنزتموه للذة ، فانقلب أداة لهذا اللون الأليم من العذاب !
ذوقوه بذاته ، فهو هو الذي تذوقون منه مسه للجنوب والظهور والجباه !
ألا إنه لمشهد مفزع مروع ، يعرض في تفصيل وتطويل وأناة !
وهو يعرض أولاً لتصوير مصائر الكثير من الأحبار والرهبان . . ثم لتصوير مصائر الكانزين للذهب والفضة لا ينفقونها في سبيل اللّه . . والسياق يمهد لغزوة العسرة كذلك حينذاك !
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ يُحْمَىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنّمَ فَتُكْوَىَ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هََذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فبشر هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة ، ولا يخرجون حقوق الله منها يا محمد بعذاب أليم يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا في نارِ جَهَنّم فاليوم من صلة العذاب الأليم ، كأنه قيل : يبشرهم بعذاب أليم يعذّبهم الله به في يوم يحمى عليها . ويعني بقوله : يُحْمَى عَلَيْهَا تدخل النار فيوقد عليها أي على الذهب والفضة التي كنزوها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، وكل شيء أدخل النار فقد أُحمي إحماء ، يقال منه : أحميت الحديدة في النار أحميها إحماء . وقوله : فَتُكْوَى بها جبِاهُهُمْ يعني بالذهب والفضة المكنوزة . يحمى عليها في نار جهنم يكوي الله بها ، يقول : يحرق الله جباه كانزيها وجنوبهم وظهورهم . هَذَا ما كَنَزْتُمْ ومعناه : ويقال لهم : هذا ما كنزتم في الدنيا أيها الكافرون الذين منعوا كنوزهم من فرائض الله الواجبة فيها لأنفسكم فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ يقول : فيقال لهم : فأطعموا عذاب الله بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوق الله وتكنزونها مكاثرة ومباهاة . وحذف من قوله «هذا ما كنزتم » و «يقال لهم » لدلالة الكلام عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، قال : كان أبو ذرّ يقول : بشر الكنازين بكي في الجباه وكيّ في الجنوب وكيّ في الظهور ، حتى يلتقي الحرّ في أجوافهم .
قال : حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي العلاء بن الشخير ، عن الأحنف بن قيس ، قال : قدمت المدينة ، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل خشن الثياب ، خشن الجسد ، خشن الوجه ، فقام عليهم ، فقال : بشر الكنازين برَضْفٍ يُحْمَى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نُغْضِ كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل قال : فوضع القوم رءوسهم ، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا . قال : وأدبر فاتبعته ، حتى جلس إلى سارية ، فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت فقال : إن هؤلاء لا يعقلون شيئا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : ثني عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مرة الجملي ، عن أبي نصر عن الأحنف بن قيس ، قال : رأيت في مسجد المدينة رجلاً غليظ الثياب رثّ الهيئة ، يطوف في الحلق وهو يقول : بشر أصحاب الكنوز بكيّ في جنوبهم ، وكيّ في جباههم ، وكيّ في ظهورهم ثم انطلق وهو يتذمر يقول : ما عسى تصنع بي قريش ؟ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال أبو ذرّ : بشر أصحاب الكنوز بكيّ في الجباه ، وكيّ في الجنوب ، وكيّ في الظهور .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا في نارِ جَهَنّم قال : حية تنطوي على جبينه وجبهته ، تقول : أنا مالك الذي بخلت به .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان ، أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ كَنْزا مُثّلَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعا أقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتانِ ، يَتْبَعُهُ يَقُولُ : وَيْلَكَ ما أنْتَ ؟ فَيَقُولُ : أنا كِنْزُكَ الّذِي تَرَكْتُهُ بَعْدَكَ فَلا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حتى يُلْقِمَهُ يَدَهُ فَيَقْضِمَها ثُمّ يَتْبَعَهُ سائِرُ جَسَدِهِ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن طاوس ، عن أبيه : قال : بلغني أن الكنوز تتحوّل يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه ، وهو يفرّ منه ويقول : أنا كنزك لا يدرك منه شيئا إلا أخذه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : والذي لا إله إلا غيره ، لا يكوى عبد بكنز فيمسّ دينار دينارا ولا درهم درهما ، ولكن يوسع جلده فيوضع كلّ دينار ودرهم على حدته .
قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : ما مِنْ رجل يكوى بكنز فيوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ، ولكن يوسع جلده .
{ يوم يُحمى عليها في نار جهنم } أي يوم توقد النار ذات حمى شديد عليها ، وأصله تحمى بالنار فجعل الإحماء للنار مبالغة ثم حذفت النار وأسند الفعل إلى الجار والمجرور تنبيها على المقصود فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير ، وإنما قال { عليها } والمذكور شيئان لأن المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة كما قال علي رضي الله تعالى عنه : أربعة آلاف وما دونها وما فوقها كنز . وكذا قوله تعالى : { ولا ينفقونها } وقيل الضمير فيهما للكنوز أو للأموال فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التمول ، أو للفضة وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أن الذهب أولى بهذا الحكم . { فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } لأن جمعهم وإمساكهم إياه كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية ، أو لأنهم ازوروا عن السائل وأعرضوا عنه وولوه ظهورهم ، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد ، أو لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه . { هذا ما كنزتم } على إرادة القول . { لأنفسكم } لمنفعتها وكان عين مضرتها وسبب تعذيبها . { فذوقوا ما كنتم تكنزون } أي وبال كنزكم أو ما تكنزونه وقرئ { تكنزون } بضم النون .
وقوله تعالى { يوم يحمى عليها } الآية : { يوم } ظرف والعامل فيه { أليم } وقرأ جمهور الناس «يحمى » بالياء بمعنى يحمى الوقود ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «تحمى » بالتاء من فوق بمعنى تحمى النار والضمير في عليها عائد على الكنوز أو الأموال حسبما تقدم ، وقرأ قوم «جباهم » بالإدغام وأشموها الضم حكاه أبو حاتم ، وردت أحاديث كثيرة في معنى هذه الآية من الوعيد لكنها مفسرة في منع الزكاة فقط لا في كسب المال الحلال وحفظه ، ويؤيد ذلك حال أصحابه وأموالهم رضي الله عنهم ، فمن تلك الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم : «من ترك بعده كنزاً لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع » الحديث{[5631]} . وأسند الطبري قال كان نعل سيف أبي هريرة من فضة فنهاه أبو ذر ، وقال : قال رسول الله صلة الله عليه وسلم : «من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها »{[5632]} ، وأسند إلى أبي أمامة الباهلي قال : مات رجل من أهل الصفة فوجد في برده دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كية ثم مات آخر فوجد له ديناران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيتان »{[5633]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا إما لأنهما كانا يعيشان من الصدقات وعندهما التبر وإما لأن هذا كان في صدر الإسلام ، ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه ، ولو كان ضبط المال ممنوعاً لكان حقه أن يخرج كله لا زكاته فقط ، وليس في الأمة من يلزم هذا ، وقوله { هذا ما كنزتم } إشارة إلى المال الذي كوي به ، ويحتمل أن تكون إلى الفعل النازل بهم ، أي هذا جزاء ما كنزتم ، وقال ابن مسعود : والله لا يمس دينار ديناراً بل يمد الجلد حتى يكوى بكل دينار وبكل درهم ، وقال الأحنف بن قيس : دخلت مسجد المدينة وإذا رجل خشن الهيئة رثها يطوف في الحلق وهو يقول : بشر أصحاب الكنوز بكي في جباهم وجنوبهم وظهورهم ، ثم انطلق يتذمر وهو يقول وما عسى تصنع في قريش .
انتصب { يوم يحمى } على الظرفية لِ { عذاب } [ التوبة : 34 ] ، لما في لفظ عَذاب من معنى يُعذّبون . وضمير { عليها عائد إلى الذهب والفضة } [ التوبة : 34 ] بتأويلهما بالدنانير والدراهم ، أو عائد إلى { أمْوالَ الناس } [ التوبة : 34 ] و { الذهبَ والفضةَ } [ التوبة : 34 ] ، إن كان الضمير في قوله : { فبشرهم } [ التوبة : 34 ] عائداً إلى { الأحبار والرهبان والذين يكنزون } [ التوبة : 34 ] . m
والحَمْيُ شدّة الحرارة . يقال : حَمِيَ الشيء إذا اشتدّ حرّه .
والضمير المجرور بعلَى عائد إلى { الذهب والفضة } [ التوبة : 34 ] باعتبار أنّها دنانير أو دراهم ، وهي متعدّدة وبني الفعل للمجهول لعدم تعلّق الغرض بالفاعل ، فكأنّه قيل : يوم يحمي الحَامون عليها ، وأسند الفعل المبني للمجهول إلى المجرور لعدم تعلّق الغرض بذكر المفعول المحمي لظهوره : إذ هو النار التي تُحمى ، ولذلك لم يقرن بعلامة التأنيث ، عُدّي بعلَى الدالّة على الاستعلاء المجازي لإفادة أنّ الحَمْي تمكّن من الأموال بحيث تكتسب حرارة المحمي كلها ، ثم أكّد معنى التمكّن بمعنى الظرفية التي في قوله : { في نار جهنم } فصارت الأموال محمية عليها النارُ وموضوعة في النار . وبإضافة النار إلى جهنّم علم أنّ المحمي هو نار جهنّم التي هي أشدّ نار في الحرارة فجاء تركيباً بديعاً من البلاغة والمبالغةِ في إيجاز .
والكَيُّ : أن يوضع على الجلد جمرٌ أو شيء مشتعل .
والجِباه : جمع جَبْهَة وهي أعلى الوجه ممّا يلي الرأس .
والجنُوب : جمع جَنْب وهو جانب الجسد من اليمين واليسار .
والظُّهور : جمع ظَهْر وهو ما بين العنفقة إلى منتهى فقار العظم .
والمعنى : تعميم جهات الأجساد بالكَي فإنّ تلك الجهات متفاوتة ومختلفة في الإحساس بألَم الكي ، فيحصل مع تعميم الكي إذاقة لأصنافٍ من الآلام .
وسُلك في التعبير عن التعميم مسلكُ الإطناب بالتعداد لاستحضار حالة ذلك العقاب الأليم ، تهويلاً لشأنه ، فلذلك لم يقل : فتكوى بها أجسادهم .
وكيفيةُ إحضار تلك الدراهم والدنانير لتُحمى من شؤون الآخرة الخارقة للعادات المألوفة فبقدرة الله تحضر تلك الدنانير والدراهم أو أمثالها كما ورد في حديث مانع الزكاة في « الموطأ » و« الصحيحين » أنّه يمثّل له ماله شُجاعاً أقرَع يأخذ بلهزمتيه يقول : « أنا مالك أنا كنزلك » وبقدرة الله يكوى الممتنعون من إنفاقها في سبيل الله ، وإن كانت قد تداول أعيانَها خلقٌ كثير في الدنيا بانتقالها من يد إلى يد ، ومن بلد إلى بلد ، ومن عصَر إلى عصر .
وجملة { هذا ما كنزتم لأنفسكم } مقول قول محذوف ، وحَذْف القول في مثله كثير في القرآن ، والإشارة إلى المحمي ، وزيادة قوله : { لأنفسكم } للتنديم والتغليظ ولام التعليل مؤذنة بقصد الانتفاع لأنّ الفعل الذي علّل بها هو من فعل المخاطب ، وهو لا يفعل شيئاً لأجل نفسه إلاّ لأنّه يريد به راحتها ونفعها ، فلمّا آل بهم الكنز إلى العذاب الأليم كانوا قد خابوا وخسروا فيما انتفعوا به من الذهب والفضة ، بما كان أضعافاً مضاعفة من ألم العذاب وجملة { فذوقوا ما كنتم تكنزون } توبيخ وتنديم .
والفاء في { فذوقوا } لتفريع مضمون جملة التوبيخ على جملة التنديم الأولى .
والذوْق مجاز في الحسّ بعلاقة الإطلاق ، وتقدم عند قوله تعالى : { ليذوق وبال أمره } في سورة العقود ( 95 ) .
{ وما كنتم تكنزون } مفعول لفعل الذوق على تقدير مضاف يعلم من المقام : أي ذوقوا عذابَ ما كنتم تكنزون .
وعُبِّر بالموصولية في قوله : { ما كنتم تكنزون } للتنبيه على غلطهم فيما كنزوا لقصد التنديم .