بيَّن تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه ليس هو أول رسول كُذِّب ، فقال [ تعالى ] : { تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ } ، رسلا يدعونهم إلى التوحيد ، { فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } ، فكذبوا الرسل ، وزعموا أن ما هم عليه هو الحق المنجي من كل مكروه ، وأن ما دعت إليه الرسل فهو بخلاف ذلك ، فلما زين لهم الشيطان أعمالهم ، صار وليهم في الدنيا ، فأطاعوه واتبعوه وتولوه .
{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، في الآخرة ، حيث تولوا عن ولاية الرحمن ، ورضوا بولاية الشيطان ، فاستحقوا لذلك عذاب الهوان .
القول في تأويل قوله تعالى : { تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىَ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره ، مقسما بنفسه عزّ وجلّ ، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : والله يا محمد ، لقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك إلى أمتك ، من الدعاء إلى التوحيد لله ، وإخلاص العبادة له ، والإذعان له بالطاعة ، وخلع الأنداد والآلهة . { فَزَيّنَ لَهُمُ الشَيْطانُ أعْمَالَهُمْ } ، يقول : فحسّن لهم الشيطان ما كانوا عليه من الكفر بالله وعبادة الأوثان مقيمين ، حتى كذّبوا رسلهم ، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من عند ربهم . { فَهُوَ وَلِيّهُمْ اليَوْمَ } ، يقول : فالشيطان ناصرهم اليوم في الدنيا ، وبئس الناصر . وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ في الآخرة عند ورودهم على ربهم ، فلا ينفعهم حينئذ ولاية الشيطان ، ولا هي نفعتهم في الدنيا ، بل ضرّتهم فيها ، وهي لهم في الآخرة أضرّ .
{ تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزيّن لهم الشيطان أعمالهم } ، فأصروا على قبائحها ، وكفروا بالمرسلين . { فهو وليّهم اليوم } ، أي : في الدنيا ، وعبر باليوم عن زمانها ، أو فهو وليهم حين كان يزين لهم ، أو يوم القيامة ، على أنه حكاية حال ماضية أو آتية ، ويجوز أن يكون الضمير لقريش ، أي : زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم ، وهو ولي هؤلاء اليوم ، يغريهم ويغويهم ، وإن يقدر مضاف ، أي : فهو ولي أمثالهم ، والولي : القرين ، أو الناصر ، فيكون نفيا للناصر لهم على أبلغ الوجوه . { ولهم عذاب أليم } في القيامة .
هذه آية ضرب مثلاً لهم بمن تقدم ، وفي ضمنها وعيد لهم ، وتأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { اليوم } ، يحتمل أن يريد يوم الإخبار بهذه الآية ، وهو بعد موت أولئك الأمم المذكورة ، أي : لا ولي لهم منذ ماتوا واحتاجوا إلى الغوث إلا الشيطان ، ويحتمل أن يريد يوم القيامة ، والألف واللام فيه للعهد ، أي : «هو وليهم » ، في «اليوم » المشهور ، وهو وقت الحاجة والفصل ، ويحتمل أن يريد { فهو وليهم } : مدة حياتهم ، ثم انقطعت ولايته بموتهم ، وعبر عن ذلك بقوله : { اليوم } ، تمثيلاً للمخاطبين بمدة حياتهم ، كما تقول لرجل شاب تحضه على طلب العلم : يا فلان لا يدرس أحد من الناس إلا اليوم ، تريد في مثل سنك هذه . فكأنه قال لهؤلاء : { فهو وليهم } في مثل حياتكم هذه ، وهي التي كانت لهم ، وسائر الآية وعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.