فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (63)

بيّن سبحانه أن مثل صنيع قريش قد وقع من سائر الأمم ، فقال : مسلياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم { تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ } أي : رسلاً { فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ } الخبيثة { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم } يحتمل أن يكون ليوم عبارة عن زمان الدنيا ، فيكون المعنى : فهو قرينهم في الدنيا ، ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده ، فيكون للحال الآتية ، ويكون الوليّ بمعنى الناصر . والمراد : نفي الناصر عنهم على أبلغ الوجوه ، لأن الشيطان لا يتصوّر منه النصرة أصلاً في الدار الآخرة ، وإذا كان الناصر منحصراً فيه ، لزم أن لا نصرة من غيره . ويحتمل أن يراد باليوم بعض زمان الدنيا ، وهو على وجهين : الأوّل : أن يراد البعض الذي قد مضى ، وهو الذي وقع فيه التزيين من الشيطان للأمم الماضية ، فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية . الثاني : أن يراد البعض الحاضر ، وهو وقت نزول الآية . والمراد : تزيين الشيطان لكفار قريش ، فيكون الضمير في { وليهم } لكفار قريش : أي فهو وليّ هؤلاء اليوم . أو على حذف مضاف ، أي : فهو وليّ أمثال أولئك الأمم اليوم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : في الآخرة ، وهو عذاب النار .

/خ69