السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (63)

ثم بين تعالى أنّ مثل هذا الصنيع الذي يصدر من مشركي قريش ، قد صدر من سائر الأمم السابقين ، في حق الأنبياء المتقدّمين ، بقوله تعالى : { تالله } ، أي : الملك الأعلى . { لقد أرسلنا } ، أي : بما لنا من القدرة رسلاً من الماضين ، { إلى أمم من قبلك } ، كما أرسلنا إلى هؤلاء ، { فزين لهم الشيطان } ، أي : المحترق بالغضب المطرود باللعنة ، { أعمالهم } ، الخبيثة من الكفر والتكذيب ، كما زين لهؤلاء ، فضلوا كما ضلوا فأهلكناهم ، وهذا يجري مجرى التسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم ، والمزين في الحقيقة هو الله تعالى ، هذا مذهب أهل السنة ، وإنما جعل الشيطان آلة بالإلقاء للوسوسة في قلوبهم ، وليس له قدرة على أن يضلّ أحداً أو يهدي أحداً ، وإنما له الوسوسة فقط . فمن أراد الله تعالى شقاوته ، سلطه الله عليه حتى يقبل وسوسته . { فهو وليهم اليوم } ، أي : في الدنيا ، وإنما عبر باليوم عن زمانها ، أي : فهو وليهم حين كان يزين لهم أو يوم القيامة ، على أنه حكاية حال ماضية أو آتية ، أي : لا ولي لهم غيره ، وهو عاجز عن نصر نفسه ، فكيف ينصرهم ؟ وقيل : الضمير لقريش ، أي : زين الشيطان للكفرة المتقدّمين أعمالهم ، وهو وليّ هؤلاء القوم يغرّهم ويغريهم ، وقيل : يجوز أن يقدّر مضاف ، أي : فهو ولي أمثالهم ، والوليّ القرين والناصر ، فيكون نعتاً للناصر لهم ، على أبلغ الوجوه . { ولهم عذاب أليم } ، أي : مؤلم في الآخرة .