فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تَٱللَّهِ لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (63)

{ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 63 ) }

ثم بين سبحانه أن مثل صنيع قريش قد وقع من سائر الأمم ، فقال مسليا لرسول الله صلى الله عليه وآله و سلم ، فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم ، { تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ } رسلا ، { فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } الخبيثة ، من الكفر ، فكان شأنهم مع رسلهم التكذيب ، والمزين هو الله سبحانه ، والشيطان إنما له الوسوسة فقط ، فمن أراد الله شقاوته سلطه عليه ، حتى يقبل وسوسته . { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ } ، لفظ اليوم المعرف بأل ، إنما يستعمل حقيقة في الزمان الحاضر المقارن للتكلم ، كالآن ، وحينئذ ، فلفظ اليوم في الآية ، يحتمل أن يكون عبارة عن زمان الدنيا فيكون المعنى هو : قرينهم في الدنيا .

ويحتمل أن يكون عبارة عن يوم القيامة وما بعده ، فيكون للحال الآتية ، ويكون الولي بمعنى الناصر ، والمراد نفي الناصر عنهم على أبلغ الوجوه ؛ لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلا في الدار الآخرة ، وإذا كان الناصر منحصرا فيه ، لزم أن لا نصرة من غيره .

ويحتمل أن يراد باليوم بعض زمان الدنيا ، وهو على وجهين : الأول : أن يراد البعض الذي قد مضى ، وهو الذي وقع فيه التزيين من الشيطان للأمم الماضية ، فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية . الثاني : أن يراد البعض الحاضر ، وهو وقت نزول الآية ، والمراد تزيين الشيطان لكفار قريش ، فيكون الضمير في " وليهم " لكفار قريش ، أي : فهو ولي هؤلاء اليوم ، أو على حذف مضاف ، فهو ولي أمثال أولئك الأمم اليوم . ومن كان الشيطان وليه وناصره ، فهو مخذول مغلوب مقهور ، وإنما سماه وليا لهم لطاعتهم إياه . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، في الآخرة ، وهو عذاب النار .