ثم بين - تعالى - أن هذا الصُّنع الذي صدر من مشركي قريش ، قد صدر عن سائر الأمم السَّابقة في حق أنبيائهم - صلوات الله وسلامه عليهم- فقال : { تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ } ، أي : كما أرسلنا إلى هذه الأمَّة ، وهذا تسليةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يناله من الغم ، بسبب جهالات القوم .
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلُّ على فساد قول المجبرة من وجوهٍ :
أحدها : أنَّه إذا كان خالقُ أعمالهم هو : الله - تعالى- ، فلا فائدة في التَّزيينِ .
والثاني : أنَّ ذلك التزيين لما كان بخلق الله - تعالى - لم يجز ذمُّ الشيطان بسببه .
والثالث : أنَّ ذلك التزيين هو الذي يدعو الإنسان إلى الفعل ، وإذا كان حصول الفعل بخلق الله - تعالى - كان ضرورياً ، فلم يكن التَّزيينُ داعياً .
والرابع : أنَّ على قولهم : الخالق لذلك العمل ، أجدر بأن يكون ولياً لهم من الدَّاعي إليه .
الخامس : أنه - تعالى - أضاف التزيين إلى الشَّيطان ، ولو كان ذلك المزيِّن هو الله - تعالى - لكانت إضافته إلى الشَّيطان كذباً .
والجواب : إن كان مزين القبائح في أعين الكفَّار هو الشيطان ، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطاناً آخر ؛ لزم التَّسلسل ، وإن كان هو الله - تعالى - فهو المطلوبُ .
قوله : { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ } ، يجوز أن تكون هذه الجملة حكاية حال ماضية ، أي : فهو ناصرهم ، أو آتية .
ويرادُ باليوم ، يوم القيامةِ ، والمعنى : فهو وليّ أولئك الذين زيِّن لهم أعمالهم يوم القيامةِ ، وأطلق اسم اليوم ، على يوم القيامةِ لشهرته ، والمقصود أنَّهُ لا وليَّ لهم ، ولا ناصر لهم ؛ لأنهم إذا عاينوا العذاب ، وقد نزل بالشَّيطان كنزوله بهم ، رَأوْا أنه لا مخلِّص له منه ، كما لا مخلص لهم منه ؛ جاز أن يوبَّخوا بأن يقال لهم : " هذا وليُّكم اليوم " ، على وجْه السُّخريةِ .
وجوَّز الزمخشري أن يعود الضمير على قريشٍ ، فيكون حكاية حال في الحال ، لا ماضية ، ولا آتية ، والمعنى : أنَّ الشيطان يتولى إغواءهم ، وصرفهم عنك كما فعل بكفَّار الأمم قبلك ، فعلى هذا رجع عن الإخبار عن الأمم الماضية إلى الإخبار عن كفَّار مكَّة ، وسمَّاه ولياً لهم ؛ لطاعتهم له ، ولهم عذاب أليم في الآخرة .
وجوَّز الزمخشري أيضاً أن يكون عائداً على " أممٍ " ، ولكن على حذف مضاف تقديره : فهو ولي أمثالهم اليوم .
واستبعده أبو حيان ، وكأن الذي حمله على ذلك قوله : " اليَوْمَ " ، فإنه ظرف خالٍ ، وقد تقدَّم أنه على حكاية الحال الماضية ، أو الآتية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.