قوله تعالى : { يا قوم اعملوا على مكانتكم } ، قرأ أبو بكر عن عاصم { مكاناتكم } بالجمع حيث كان ، أي : على تمكنكم . قال عطاء : على حالاتكم التي أنتم عليها . قال الزجاج : اعملوا على ما أنتم عليه . يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله : على مكانتك يا فلان ، أي : اثبت على ما أنت عليه ، وهذا أمر وعيد على المبالغة ، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم اعملوا على ما أنتم عاملون .
قوله تعالى : { إني عامل } ، ما أمرني به ربي عز وجل .
قوله تعالى : { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } ، أي : الجنة ، قرأ حمزة و الكسائي : { يكون } بالياء هنا وفي القصص ، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث العاقبة .
قوله تعالى : { إنه لا يفلح الظالمون } ، قال ابن عباس : معناه لا يسعد من كفر بي وأشرك . قال الضحاك : لا يفوز .
{ قُلْ } يا أيها الرسول لقومك إذا دعوتهم إلى الله ، وبينت لهم ما لهم وما عليهم من حقوقه ، فامتنعوا من الانقياد لأمره ، واتبعوا أهواءهم ، واستمروا على شركهم : { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي : على حالتكم التي أنتم عليها ، ورضيتموها لأنفسكم . { إِنِّي عَامِلٌ } على أمر الله ، ومتبع لمراضي الله . { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ } أنا أو أنتم ، وهذا من الإنصاف بموضع عظيم ، حيث بيَّن الأعمال وعامليها ، وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير ، ضاربا فيه صفحا عن التصريح الذي يغني عنه التلويح . وقد علم أن العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة للمتقين ، وأن المؤمنين لهم عقبى الدار ، وأن كل معرض عما جاءت به الرسل ، عاقبته سوء وشر ، ولهذا قال : { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } فكل ظالم ، وإن تمتع في الدنيا بما تمتع به ، فنهايته [ فيه ] الاضمحلال والتلف " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته "
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لقومك من قريش ، الذين يجعلون مع الله إلها آخر : اعْمَلُوا على مَكانَتِكُمْ يقول : اعملوا على حيالكم وناحيتكم . كما :
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يا قَوْمِ اعْمَلُوا على مَكانَتِكُمْ يعني على ناحيتكم .
يقال منه : هو يعمل على مكانته ومكينته . وقرأ ذلك بعض الكوفيين : «على مَكاناتِكُمْ » على جمع المكانة . والذي عليه قرّاء الأمصار : على مَكانَتِكُمْ على التوحيد . إنّي عامِلٌ يقول جلّ ثناؤه لنبيه : قل لهم : اعملوا ما أنتم عاملون ، فإني عامل ما أنا عامله مما أمرني به ربي . فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يقول : فسوف تعلمون عند نزول نقمة الله بكم ، أينا كان المحقّ في عمله والمصيب سبيل الرشاد ، أنا أم أنتم ؟ وقوله تعالى ذكره لنبيه : قل لقومك يا قَوْمِ اعْمَلُوا على مَكانَتِكُمْ أمر منه له بوعيدهم وتهديدهم ، لا إطلاق لهم في عمل ما أرادوا من معاصي الله .
القول في تأويل قوله تعالى : مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إنّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ فسوف تعلمون أيها الكفرة بالله عند معاينتكم العذاب ، من الذي تكون له عاقبة الداء منا ومنكم ، يقول : من الذي قعب دنياه ما هو خير له منها أو شرّ منها بما قدّم فيها من صالح أعماله أو سيئها . ثم ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه فقال : إنّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمونَ يقول : إنه لا ينجح ولا يفوز بحاجته عند الله من عمل بخلاف ما أمره الله به من العمل في الدنيا ، وذلك معنى ظلم الظالم في هذا الموضع . وفي «مَنْ » التي في قوله : مَنْ تكُونُ له وجهان من الإعراب : الرفع على الابتداء ، والنصب بقوله : تَعْلَمُونَ لإعمال العلم فيه والرفع فيه أجود ، لأن معناه : فسوف تعلمون أينا له عاقبة الدار ، فالابتداء في أن من أصحّ وأفصح من إعمال العلم فيه .
{ قل يا قوم أعملوا على مكانتكم } على غاية تمكنكم واستطاعتكم يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، أو على ناحيتكم وجهتكم التي أنتم عليها من قولهم مكان ومكانة كمقام ومقامة . وقرأ أبو بكر عن عاصم " مكاناتكم " بالجمع في كل القرآن وهو أمر تهديد ، والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم . { إني عامل } ما كنت عليه من المصابرة والثبات على الإسلام ، والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عليه فيحمله بالأمر على ما يفضي به ، إليه ، وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن ينقضي عنه . { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } إن جعل { من } استفهامية بمعنى أينا تكون له عاقبة الدار الحسنى التي خلق الله لها هذه الدار ، فمحلها الرفع وفعل العلم معلق عنه وإن جعلت خبرية فالنصب ب{ تعلمون } أي فسوف تعرفون الذي تكون له عاقبة الدار ، وفيه مع الإنذار إنصاف في المقال وحسن الأدب ، وتنبيه على وثوق المنذر بأنه محق ، وقرأ حمزة والكسائي " يكون " بالياء لأنه تأنيث العاقبة غير حقيقي . { إنه لا يفلح الظالمون } وضع الظالمين موضع الكافرين لأنه أعم وأكثر فائدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.