إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (135)

{ قُلْ يا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ } إثرَ ما بيّن لهم حالَهم ومآلَهم بطريق الخطاب أُمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بطريق التلوينِ بأن يواجِهَهم بتشديد التهديد وتكريرِ الوعيد ، ويظهر لهم ما هو عليه من غاية النصاب في الدين ونهايةِ الوثوقِ بأمره وعدم المبالاةِ بهم أي اعملوا على غاية تمكّنِكم واستطاعتِكم ، يقال : مكُن مكانةً إذا تمكّن أبلغَ التمكّن ، أو على جهتكم وحالتِكم التي أنتم عليها ، من قولهم : مكانٌ ومكانةٌ كمقامٌ ومقامة ، وقرئ مكاناتِكم والمعنى اثبُتوا على كفركم ومعاداتكم { إِنّي عامل } ما أُمرت به من الثبات على الإسلام والاستمرارِ على الأعمال الصالحةِ والمصابرةِ ، وإيرادُ التهديد بصيغة الأمرِ مبالغةٌ في الوعيد كأن المهددَ يريد تعذيبَه مجمِعاً عليه فيحمِله بالأمر على ما يؤدي إليه ، وتسجيلٌ بأن المهدِّد لا يتأتّى منه إلا الشرُّ كالذي أُمر به بحيث لا يجد إلى التقصّي عنه سبيلاً { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار } سوف لتأكيد مضمون الجملة ، والعلمُ عرفانيٌّ و( من ) إما استفهاميةٌ معلّقةٌ بفعل العلم محلُّها الرفعُ على الابتداء و( تكون ) باسمها وخبرها خبرٌ لها وهي مع خبرها في محل نصبٍ لسدها مسدَّ مفعول تعلمون أي فسوف تعلمون أيُّنا تكون له العاقبةُ الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدارَ لها ، وإما موصولةٌ فمحلُّها النصبُ على أنها مفعولٌ لتعلمون أي فسوف تعلمون الذي له عاقبةُ الدارِ ، وفيه مع الإنذار إنصافٌ في المقال وتنبيهٌ على كمال وثوقِ المنذِرِ بأمره ، وقرئ بالياء لأن تأنيثَ العاقبةِ غيرُ حقيقي { إِنَّهُ } أي الشأنَ { لاَ يُفْلِحُ الظالمون } وُضع الظلمُ موضِعَ الكفرِ إيذاناً بأن امتناعَ الفلاحِ يترتب على أي فردٍ كان من أفراد الظلمِ فما ظنُّك بالكفر الذي هو أعظمُ أفرادِه ؟