مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (135)

قوله تعالى : { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون }

اعلم أنه لما بين بقوله : { إنما توعدون لآت } أمر رسوله من بعده أن يهدد من ينكر البعث عن الكفار ، فقال { قل يا قوم اعملوا على مكانتكم } وفيه مباحث :

البحث الأول : قرأ أبو بكر عن عاصم { مكاناتكم } بالألف ، على الجمع في كل القرآن ، والباقون { مكانتكم } قال الواحدي : والوجه الإفراد ، لأنه مصدر ، والمصادر في أكثر الأمر مفردة ، وقد تجمع أيضا في بعض الأحوال ، إلا أن الغالب هو الأول .

البحث الثاني : قال صاحب «الكشاف » : المكانة تكون مصدرا ، يقال : مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، وبمعنى المكان ، يقال : مكان ومكانة ، ومقام ومقامة ، فقوله : { اعملوا على مكانتكم } يحتمل اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، ويحتمل أيضا أن يراد اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة : على مكانتك يا فلان ، أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه { إني عامل } أي أنا عامل على مكانتي ، التي عليها ، والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم ، فأني ثابت على الإسلام ، وعلى مضارتكم { فسوف تعلمون } أيناله العاقبة المحمودة ، وطريقة هذا الأمر طريقة قوله : { اعملوا ما شئتم } وهي تفويض الأمر إليهم على سبيل التهديد .

البحث الثالث : من في قوله : { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } ذكر الفراء في موضعه من الإعراب وجهين : الأول : أنه نصب لوقوع العلم عليه . الثاني : أن يكون رفعا على معنى : تعلمون أينا تكون له عاقبة الدار ، كقوله تعالى : { لنعلم أي الحزبين } .

البحث الرابع : قوله : { فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } يوهم أن الكافر ليست له عاقبة الدار ، وذلك مشكل .

قلنا : العاقبة ، تكون على الكافر ولا تكون له ، كما يقال : له الكثرة ولهم الظفر ، وفي ضده يقال : عليكم الكثرة والظفر .

البحث الخامس : قرأ حمزة والكسائي { من يكون } بالياء وفي القصص أيضا والباقون بالتاء في السورتين . قال الواحدي : العاقبة مصدر كالعافية ، وتأنيثه غير حقيقي ، فمن أنث ، فكقوله : { فأخذتهم الصيحة } ومن ذكر فكقوله : { وأخذ الذين ظلموا الصيحة } وقال : { قد جاءتكم موعظة من ربكم } وفي آية أخرى : { فمن جاءه موعظة من ربه } .

ثم قال تعالى : { إنه لا يفلح الظالمون } والغرض منه بيان أن قوله : { اعملوا على مكانتكم } تهديد وتخويف لا أنه أمر وطلب ، ومعناه : أن هؤلاء الكفار لا يفلحون ولا يفوزون بمطالبهم ألبتة .