المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

29- إن ما تفعلونه منكر مُهلك . فإنكم تفعلون الفاحشة بالرجال ، وتقطعون سبيل النسل ، فيكون المآل الفناء . وترتكبون في مجتمعاتكم المنكرات دون خوف من الله ولا حياء فيما بينكم . فلم يستمع له قومه ، ولم يكن لهم جواب غير السخرية به ، وطلبوا منه أن يُعجِّل بعذاب الله يُهددهم به إن كان صادقاً فيما يقول .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

قوله تعالى : { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } وذلك أنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين ، فترك الناس الممر بهم . وقيل : تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء ، { وتأتون في ناديكم المنكر } النادي ، والندى ، والمنتدى : مجلس القوم ومتحدثهم .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو العباس بن سهل بن محمد المروزي ، أنبأنا جدي لأمي أبو الحسن المحمودي ، أنبأنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أنبأنا بشر بن معاذ حدثهم : أنبأنا يزيد بن زريع ، أنبأنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن أبي صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب عن أم هانئ قالت : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { وتأتون في ناديكم المنكر } قلت : ما المنكر الذي كانوا يأتون ؟ قال : كانوا يحذفون أهل الطرق ويسخرون بهم " ويروى أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم ، وعند كل رجل منهم قصعة فيه حصا ، فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به . وقيل : إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم ، ولهم قاض بذلك . وقال القاسم بن محمد : كانوا يتضارطون في مجالسهم . وقال مجاهد : كان يجامع بعضهم بعضاً في مجالسهم . وعن عبد الله بن سلام قال : كان يبزق بعضهم على بعض . وعن مكحول قال : كان من أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء ، وحل الإزار ، والصفير ، والحذف ، واللوطية ، { فما كان جواب قومه } لما أنكر عليهم لوط ما يأتونه من القبائح ، { إلا أن قالوا } له استهزاءً : { ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين } أن العذاب نازل بنا ، فعند ذلك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

فأرسل اللّه لوطا إلى قومه ، وكانوا مع شركهم ، قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور ، وتقطيع السبيل ، وفشو المنكرات في مجالسهم ، فنصحهم لوط عن هذه الأمور ، وبيَّن لهم قبائحها في نفسها ، وما تئول إليه من العقوبة البليغة ، فلم يرعووا ولم يذكروا . { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }

فأيس منهم نبيهم ، وعلم استحقاقهم العذاب ، وجزع من شدة تكذيبهم له ، فدعا عليهم و

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

وقوله - سبحانه - : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر . . } بيان لتلك الفاحشة التى كانوا يقترفونها ، والاستفهام للتأنيب والتقريع .

والسبيل : الطريق . والنادى : اسم جنس للمكان الذى يجتمع فيه الناس لأمر من الأمور ، أى : أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ، وتقطعون الطريق على المارة ، بأن تنتهبوا أموالهم ، أو بأن تكرهوهم إكراها على ارتكاب الفاحش معهم ، أو بأن تعتدوا عليهم بأى صورة من الصور ، وفضلا عن كل ذلك فإنكم ترتكبون المنكرات فى مجالسكم الخاصة ، وفى نواديكم التى تتلاقون فيها .

فأنت ترى أن نبيهم - عليه السلام - قد وصفهم بأوصاف ، كل صفة أقبح من سابقتهان والباعث لهم على ارتكاب تلك المنكرات ، هو انتكاس فطرتهم ، وفساد نفوسهم ، وشذوذ شهواتهم .

فماذا كان جوابهم على نبيهم - عليه السلام - ؟ لقد كان جوابهم فى غاية التبجح والسفاهة ، وقد حكاه القرآن فى قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } .

أى : فما كان جواب قوم لوط عليه ، إلا أن قالوا له على سبيل الاستخفاف بوعظه وزجره : ائتنا يا لوط بعذاب الله الذى تتوعدنا به ، إن كنت صادقا فى دعواك انك رسول ، وفى دعواك أن عذابا سينزل علينا ، بسبب أفعالنا هذه التى ألفناها وأحببناها .

وهكذا نرى أن هؤلاء المجرمين ، قد قابلوا نصح نبيهم تارة بالاستخاف والاستهزاء كما هنا ، وتارة بالتهديد والوعيد ، كما فى قوله - تعالى - : { أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام ، إنه أنكر على قومه سُوء صنيعهم ، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال ، في إتيانهم الذكران من العالمين ، ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من بني آدم قبلهم . وكانوا مع هذا يكفرون بالله ، ويكذّبون رسوله ويخالفونه ويقطعون السبيل ، أي : يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم ، { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ } أي : يفعلون ما لا يليق من الأقوال والأفعال في مجالسهم التي يجتمعون فيها ، لا ينكر بعضهم على بعض شيئًا من ذلك ، فمن قائل : كانوا يأتون بعضهم بعضا في الملأ قاله مجاهد . ومن قائل : كانوا يتضارطون ويتضاحكون ؛ قالته عائشة ، رضي الله عنها ، والقاسم . ومن قائل : كانوا يناطحون بين الكباش ، ويناقرون بين الديوك ، وكل ذلك كان يصدر عنهم ، وكانوا شرًا من ذلك .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حماد بن أسامة ، أخبرني حاتم بن أبي صغيرة ، حدثنا سِمَاك بن حرب ، عن أبي صالح - مولى أم هانئ - عن أم هانئ{[22568]} قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قوله عز وجل : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ } ، قال : " يحذفون أهل الطريق ، ويسخرون منهم ، وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه " .

ورواه الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة عن أبي يونس القُشَيري ، حاتم بن أبي صَغِيرة{[22569]} به{[22570]} . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث حاتم بن أبي صغيرة{[22571]} عن سِمَاك .

وقال{[22572]} ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا محمد بن كثير ، عن عمرو بن قيس ، عن الحكم{[22573]} ، عن مجاهد : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ } قال : الصفير ، ولعب الحمام{[22574]} والجُلاهق ، والسؤال في المجلس ، وحل أزرار القباء .

وقوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ، وهذا من كفرهم واستهزائهم وعنادهم ؛ ولهذا استنصر عليهم نبي الله فقال : { رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ } {[22575]} .


[22568]:- في ت : "وروى الإمام أحمد بإسناده عن أم هانئ".
[22569]:- في أ : "حيوة".
[22570]:- المسند (6/341) وسنن الترمذي برقم (3190).
[22571]:- في أ : "حيوة".
[22572]:- في ت : "وروى".
[22573]:- في ت : "بإسناده".
[22574]:- في أ : "الحمار".
[22575]:- في أ : "الفاسقين" وهو خطأ.

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

{ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } وتتعرضون للسابلة بالقتل وأخذ المال أو بالفاحشة حتى انقطعت الطرق ، أو تقطعون سبيل النسل بالإعراض عن الحرث وإتيان ما ليس بحرث { وتأتون في ناديكم } في مجالسكم الغاصة بأهلها ولا يقال النادي إلا لما فيه أهله . { المنكر } كالجماع والضراط وحل الإزار وغيرها من القبائح عدم مبالاة بها . وقيل الخذف ورمي البنادق . { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله أن كنت من الصادقين } في استقباح ذلك أو في دعوى النبوة المفهومة من التوبيخ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

{ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر }

وجملة { أينكم لتأتون الرجال } الخ بدل اشتمال من مضمون جملة { لتأتون الفاحشة } ، باعتبار ما عطف

على جملة { أئنكم لتأتون الرجال } من قوله { وتقطعون السبيل } الخ لأن قطع السبيل وإتيان المنكر في ناديهم مما يشتمل عليه إتيان الفاحشة .

وأدخل استفهام الإنكار على جميع التفصيل وأعيد حرف التأكيد لتتطابق جملة البدل مع الجملة المبدل منها لأنها الجزء الأول من هذه الجملة المبدلة عند قطع النظر عما عطف عليها تكون من الجملة المبدل منها بمنزلة البدل المطابق .

وقطع السبيل : قطع الطريق ، أي التصدي للمارين فيه بأخذ أموالهم أو قتل أنفسهم أو إكراههم على الفاحشة . وكان قوم لوط يقعدون بالطرق ليأخذوا من المارة من يختارونه .

فقطع السبيل فساد في ذاته وهو أفسد في هذا المقصد . وأما إتيان المنكر في ناديهم فإنهم جعلوا ناديهم للحديث في ذكر هذه الفاحشة والاستعداد لها ومقدماتها كالتغازل برمي الحصى اقتراعاً بينهم على من يرومونه ، والتظاهر بتزيين الفاحشة زيادة في فسادها وقبحها لأنه معين على نبذ التستر منها ومعين على شيوعها في الناس .

وفي قوله { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } تشديد في الإنكار عليهم في أنهم الذين سنوا هذه الفاحشة السيئة للناس وكانت لا تخطر لأحد ببال ، وإن كثيراً من المفاسد تكون الناس في غفلة عن ارتكابها لعدم الاعتياد بها حتى إذا أقدم أحد على فعلها وشوهد ذلك منه تنبهت الأذهان إليها وتعلقت الشهوات بها .

والنادي : المكان الذي ينتدي فيه الناس ، أي يجتمعون نهاراً للمحادثة والمشاورة وهو مشتق من النَدْو بوزن العفو وهو الاجتماع نهاراً . وأما مكان الاجتماع ليلاً فهو السامر ، ولا يقال للمجلس ناد إلا ما دام فيه أهله فإذا قاموا عنه لم يسم نادياً .

{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ من الصادقين }

الكلام فيه كالقول في نظيره المتقدم آنفاً في قوله { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه } [ العنكبوت : 24 ] الآية ، والأمر في { ائتنا بعذاب الله } للتعجيز وهو يقتضي أنه أنذرهم العذاب في أثناء دعوته . ولم يتقدم ذكر ذلك في قصة لوط فيما مضى لكن الإنذار من شؤون دعوة الرسل .