قوله تعالى : { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً } الآية . قال أهل التفسير : بعث عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ، فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أهلكك حب اليهود ؟ فقال : يا رسول الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ، إنما بعثت إليك لتستغفر لي ، وسأله أن يكفنه في قميصه ويصلي عليه . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، ثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، ثنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يحيى بن بكير ، حدثني الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد بن عباس ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه ، فقلت : يا رسول الله أتصلي على ابن أبي بن سلول وقد قال يوم كذا وكذا : كذا وكذا ؟ أعدد عليه قوله ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال : إني خيرت فاخترت ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها ، قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } ، إلى قوله : { وهم فاسقون } . قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم " . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، ثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا علي بن عبد الله ، ثنا سفيان قال عمرو : سمعت جابر بن عبد الله قال : في فيه من ريقه وألبسه قميصه . فالله أعلم وكان كسا عباسا قميصا . قال سفيان : وقال هارون : وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان فقال ابن عبد الله : يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك . وروي عن جابر قال : لما كان يوم بدر أتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه ، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه ، فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه عبد الله . قال ابن عيينة : كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد فأحب أن يكافئه . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال صلى الله عليه وسلم " وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله شيئا والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه " ، وروى أنه أسلم به ألف من قومه لما رأوه يتبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم .
قوله : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } ولا تقف عليه ، ولا تتول دفنه ، من قولهم : قام فلان بأمر فلان : إذا كفاه أمره .
{ إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } ، فما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق ولا قام على قبره حتى قبض .
{ 84 } { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ }
يقول تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا } من المنافقين { وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } بعد الدفن لتدعو له ، فإن صلاته ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم ، وهم لا تنفع فيهم الشفاعة .
{ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } ومن كان كافرا ومات على ذلك ، فما تنفعه شفاعة الشافعين ، وفي ذلك عبرة لغيرهم ، وزجر ونكال لهم ، وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق ، فإنه لا يصلى عليه .
وفي هذه الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين ، والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يفعل ذلك في المؤمنين ، فإن تقييد النهي بالمنافقين يدل على أنه قد كان متقررا في المؤمنين .
وبعد أن بين - سبحانه - ما يجب أن يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم في حياتهم ، أتبع ذلك ببيان ما يجب أن يفعله معهم بعد مماتهم فقال - تعالى - : { وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ } .
قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : " أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبرأ من المنافقين ، وان لا يصلى على أحد منهم إذا مات ، وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له ، أو يدعو له ؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله ، وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه ، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين " .
فقد روى البخارى " عن ابن عمر قال : لما توفى عبد الله بن أبى جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه ، فأعطاه إياه ، ثم سأله أن يصلى عليه ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصى عليه ، فقام عمر ، فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله ، تصلى عليه ، وقد نهاك ربك أن تصلى عليه ؟ فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - " وإنما خيرنى الله " فقال : { استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ } وسأزيده على السبعين . قال : إنه منافق - قال : فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله - تعالى - قوله : { وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً . . . } الآية " .
وروى الإِمام أحمد عن ابن عباس قال : " سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفى عبد الله ابن أبى دعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة عليه ، فقام عليه " فلما وقف عليه - يريد الصلاة - تحولت حتى قمت في صدره فقلت : يا رسول الله ، أعلى عدو الله : عبد الله بن أبى القائل يوم كذا ، كذا وكذا ، - وأخذ يعدد أيامه . قال : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت عليه قال : تأخر عنى يا عمر . إنى خيرت فاخترت ، قد قيل لى : { استغفر لَهُمْ } الآية . لو أعلم أنى لو زدت على السبعين غفر له لزدت ، قال : ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه . قال : فعجبت من جرأتى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ورسوله أعلم . قال فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت { وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } الآية . قال : فما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله - عز وجل " .
والمعنى : " لا تصل " - أيها الرسول الكريم - " على أحد " من هؤلاء المنافقين " مات أبدا ولا تقم على قبره " أى : ولا تقف على قبره عند الدفن أو بعد بقصد الزيارة أو الدعاء له ، وذلك لأن صلاتك علهيم ، ووقوفك على قلوبهم شفاعة لهم ، ورحمة بهم ، وتكريم لشأنهم . وهم ليسوا أهلا لذلك .
وقوله : { إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } تعليل للنهى عن الصلاة عليهم ، والوقوف على قبورهم .
أى نهيناك - يا محمد - عن ذلك ، لأن هؤلاء المنافقين قد عاشوا حياتهم كافرين بالله ورسوله ، ومحاربين لدعوة الحق ، وماتوا وهم خارجون عن حظيرة الإِيمان .
وجمع - سبحانه - بين وصفهم بالكفر ووصفهم بالفسق زيادة في تقبيح أمرهم ، وتحقير شأنهم ؛ فهم لم يكتفوا بالكفر وحده ، وإنما أضافوا إليه الفسق ، وهو الخروج عن كل قول طيب ، وخلق حسن ، وفعل كريم .
قال بعضهم : فإن قلت : الفسق أدنى حالا من الكفر ، فما الفائدة في وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر ؟ قلت إن الكافر قد يكون عدلا بأن يؤدى الأمانة ، ولا يضمر لأحد سوءاً ، وقد يكون خبيثا كثير الكذب والمكر والخداع وإضمار السوء للغير ، وهذا أمر مستقبح عن كل أحد ، ولما كان المنافقون بهذه الصفة الخبيثة ، وصفهم الله - تعالى - بكونهم فاسقين بعد أن وصفهم بالكفر .
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى :
1- تحريم الصلاة على الكافر ، والوقوف على قبره ، ومفهومه وجوب الصلاة على المسلم ودفنه ومشروعية الوقوف على قبره ، والدعاء له .
قال الإِمام ابن كثير : ولما نهى الله - تعالى - عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبوهم للاستغفار لهم ، كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين ، فشرع ذلك وفى فعله الأجر الجزيل ، كما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ، من شهدها حتى تدفن فله قيراطان ، قيل : وما القيراطان ، قال : " أصغرهما مثل أحد " وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات ، فروى أبو دواد عن عثمان بن عفان قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من الميت وقف عليه وقال : " استغروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " " .
2- وجوب منع كل مظهر من مظاهر التكريم - في الحياة وبعد الممات عن الذين يحاربون دعوة الحق ، ويقفون في وجه انتشارها وظهورها : أما منع تكريمهم في حياتهم فتراه في قوله - تعالى - في الآية السابقة : { فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً }
وأما منع تكريمهم بعد مماتهم فتراه في هذه الآية : { وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ } .
ولا شك أن حجب كل تكريم عن أولئك المنافقين في العهد النبوى ، كان له أثره القوى في انهيار دولتهم ، وافتضاح أمرهم ، وذهاب ريحهم ، وتهوين شأنهم . .
هذا ، وما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الله بن أبى من الصلاة عليه ، والقيام على قبره إنما كان قبل نزول هذه الآية . .
أو أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك تطييباً لقلب ابنه الذي كان من فضلاء الصحابة وأصدقهم إسلاما .
فقد سبق أن ذكرنا ما رواه البخارى عن ابن عمر أنه قال : لما توفى عبد الله ابن أبى جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه أباه ، فأعطاه إياه ثم سأله أن يصلى عليه . . الحديث .
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يَبْرَأ من المنافقين ، وألا يصلي{[13750]} على أحد منهم إذا مات ، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له ؛ لأنهم كفروا بالله ورسوله ، وماتوا عليه . وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه ، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أُبَيّ بن سلول رأس المنافقين ، كما قال البخاري :
حدثنا عُبَيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله - هو ابن أبي - جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يعطيه قميصه يُكَفِّن فيه أباه ، فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما خيرني الله فقال : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } وسأزيده على السبعين " . قال : إنه منافق ! قال : فصلى عليه [ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ]{[13751]} فأنزل الله ، عز وجل ، آية : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ }
وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، به{[13752]} ثم رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر ، عن أنس بن عياض ، عن عبيد الله - وهو ابن عمر - العمري - به وقال : فصلى عليه ، وصلينا معه ، وأنزل الله : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا } الآية .
وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله ، به{[13753]} وقد رُوي من حديث عمرَ بن الخطاب نفسه أيضا بنحو من هذا ، فقال الإمام أحمد :
حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : سمعت عمرَ بن الخطاب ، رضي الله عنه . يقول لما تُوفي عبد الله بن [ أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولتُ حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أعلى عَدُوِّ الله عبد الله بن ]{[13754]} أبي القائل يوم كذا : كذا وكذا - يُعَدِّد أيامه - قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ، حتى إذا أكثرت عليه قال : " أخِّر عني يا عمر ، إني خُيِّرت فاخترتُ ، قد قيل لي : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] لو أعلم أنى إن زدت على السبعين غُفر له لزدت " . قال : ثم صلى عليه ، ومشى معه ، وقام على قبره حتى فُرغ منه - قال : فَعَجَبٌ لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ورسوله أعلم ! قال : فوالله ما كان إلا يسيرًا حتى نزلت هاتان الآيتان : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ }
فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، ولا قام على قبره ، حتى قبضه الله ، عز وجل .
وهكذا رواه الترمذي في " التفسير " من حديث محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، به{[13755]} وقال : حسن صحيح . ورواه البخاري عن يحيى بن بُكَير ، عن الليث ، عن عُقَيل ، عن الزهري ، به ، فذكر مثله وقال : " أخّر عني يا عمر " . فلما أكثرت عليه قال : " إنِّي خُيِّرت فاخترتُ ، ولو أعلم أنى إن زدت على السبعين يُغْفَر{[13756]} له لزدت عليها " . قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } الآية ، فعجبتُ بعد من جُرْأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم{[13757]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عُبَيد ، حدثنا عبد الملك ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما مات عبد الله بن أبيّ ، أتى ابنه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنك إن لم تأته لم نزل نُعَيَّر بهذا . فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجده قد أدخل في حفرته ، فقال : أفلا قبل أن تدخلوه ! فَأخرجَ من حُفرته ، وتَفَل عليه من قرنه إلى قدمه ، وألبسه قميصه .
ورواه النسائي ، عن أبي داود الحراني ، عن يعلى بن عبيد ، عن عبد الملك - وهو ابن أبي سليمان به{[13758]} وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا ابن عُيَينة ، عن عمرو ، سمع جابر بن عبد الله قال : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبيّ بعد ما أدخل في قبره ، فأمر به فأخرج ، ووضع على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه ، والله أعلم{[13759]} وقد رواه أيضا في غير موضع مع مسلم والنسائي ، من غير وجه ، عن سفيان بن عيينة ، به{[13760]} وقال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا مجالد ، حدثنا عامر ، حدثنا جابر( ح ) وحدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي ، حدثنا مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : لما مات رأس المنافقين - قال يحيى بن سعيد : بالمدينة - فأوصى أن يصلي عليه النبي{[13761]} صلى الله عليه وسلم ، فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك - وهذا الكلام في حديث عبد الرحمن بن مغراء - قال يحيى في حديثه : فصلى عليه ، وألبسه قميصه ، فأنزل الله تعالى : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } وزاد عبد الرحمن : وخلع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ، فأعطاه إياه ، ومشى فصلى عليه ، وقام على قبره ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، لما ولى قال : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } {[13762]} وهذا إسناد لا بأس به ، وما قبله شاهد له .
وقال الإمام أبو جعفر الطبري : حدثنا [ أحمد بن إسحاق ، حدثنا ]{[13763]} أبو أحمد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبيّ ، فأخذ جبريل بثوبه وقال : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ }
ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ، من حديث يزيد الرقاشي{[13764]} وهو ضعيف .
وقال قتادة : أرسل عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ، فلما دخل عليه قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أهلكك حبّ يهود " . قال : يا رسول الله ، إنما أرسلتُ إليك لتستغفر لي ، ولم أرسل إليك لتؤنبني ! ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه ، فأعطاه إياه ، وصلى عليه ، وقام على قبره ، فأنزل الله ، عز وجل : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ }
وقد ذكر بعض السلف أنه إنما ألبسه قميصه ؛ لأن عبد الله بن أُبيّ لما قدم العباس طُلب له قميص ، فلم يُوجَد على تفصيله إلا ثوب عبد الله بن أُبيّ ؛ لأنه كان ضخمًا طويلا ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مكافأة له ، فالله أعلم ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية الكريمة عليه لا يصلي على أحد من المنافقين ، ولا يقوم على قبره ، كما قال الإمام أحمد :
حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها ، فإن أثني عليها خيرًا قام فصلى عليها ، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها : " شأنكم بها " ، ولم يصل عليها{[13765]} وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جُهِل حاله ، حتى يصلي عليها حذيفة بن اليمان ؛ لأنه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره{[13766]} بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا كان يقال له : " صاحب السر " الذي لا يعلمه غيره أي من الصحابة .
وقال أبو عُبَيد في كتاب " الغريب " ، في حديث عُمَر أنه أراد أن يصلي على جنازة رجل ، فَمرَزَه حُذيفة ، كأنه أراد أن يَصُده عن الصلاة عليها ، ثم حكي عن بعضهم أن " المرز " بلغة أهل اليمامة هو : القَرْص بأطراف الأصابع .
ولما نهى الله ، عز وجل ، عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم ، كان هذا الصنيعُ من أكبر القُرُبات في حق المؤمنين ، فشرع ذلك . وفي فعله الأجر الجزيل ، لما{[13767]} ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شهد الجنازة حتى يصلّي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان " . قيل : وما القيراطان ؟ قال : " أصغرهما مثل أحد " {[13768]} وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فقد قال أبو داود : حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ، أخبرنا هشام ، عن عبد الله بن بَحير ، عن هانئ - وهو أبو سعيد البربري ، مولى عثمان بن عفان - عن عثمان ، رضي الله عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال : " استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " .
انفرد بإخراجه أبو داود ، رحمه الله{[13769]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تُصَلّ عَلَىَ أَحَدٍ مّنْهُم مّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } .
يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولا تصلّ يا محمد على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبدا . وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ يقول : ولا تتولّ دفنه وتقبره من قول القائل : قام فلان بأمر فلان : إذا كفاه أمره . إنّهُمْ كَفَرُوا باللّهِ يقول إنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله ، وماتوا وهم خارجون من الإسلام مفارقون أمر الله ونهيه . وقد ذكر أن هذه الآية نزلت حين صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبيّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى وسفيان بن وكيع ، وسوّار بن عبد الله ، قالوا : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، قال : جاء ابن عبد الله بن أبيّ ابن سلولَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات أبوه ، فقال : أعطني قميصك حتى أكفنه فيه ، وصلّ عليه واستغفر له فأعطاه قميصه ، وقال : «إذَا فَرَغْتُمْ فَآذِنُونِي » فلما أراد أن يصلي عليه ، جذبه عمر وقال : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ؟ فقال : «بَلْ خَيّرَنِي وقالَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفرْ لَهُمْ » قال : فصلي عليه . قال : فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ منْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ قال : فترك الصلاة عليهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن ابن عمر ، قال : لما توفي عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، جاء ابنه عبد الله إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه . ثم سأله أن يصلي عليه . فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأخذ بثوب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال ابنَ سلول أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّمَا خَيّرَنِي رَبّي ، فقالَ : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ وسأزِيدُ على سَبْعِينَ » . فقال : إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .
حدثنا سوار بن عبد الله العنبريّ ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مجالد ، قال : ثني عامر ، عن جابر بن عبد الله ، أن رأس المنافقين مات بالمدينة ، فأوصى أن يصلّى عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأن يكفن في قميصه . فكفنه في قميصه ، وصلى عليه ، وقام على قبره ، فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ منْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .
حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سلمة ، عن يزيد الرّقاشيّ ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي علي عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه فقال : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ منْهُمْ ماتَ أبَدا وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر ، قال : جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبيّ وقد أدخل حفرته ، فأخرجه ، فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه وتفل عليه من ريقه ، والله أعلم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهريّ ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لما توفي عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة ، تحوّلت حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلي على عدوّ الله عبد الله بن أبيّ القائل يوم كذا كذا وكذا ، أعدّد أيامه ، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يتبسمّ . حتى إذا أكثرت عليه ، قال : «اخّرْ عَنّيِ يا عُمَرُ إنّي خُيّرْتُ فاخْتَرْتُ ، وَقَدْ قِيلَ لي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لهم فلو أني أعلم أنين إن زدت على السبعين غفر له لزدت » قال ثم صلى عليه ومشى معه فقام على حتى نزلت هانان الاَيتان أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، ولا قام على قبره حتى قبضه الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : لما مات عبد الله بن أبيّ ، أتي ابنه عبد الله بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله قميصه ، فأعطاه ، فكفّن فيه أباه .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن عباس ، عن عمر بن الخطاب ، قال : لما مات عبد الله بن أبيّ ، فذكر مثل حديث ابن حميد ، عن سلمة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا ، وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ . . . الآية ، قال : بعث عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ليأتيه ، فنهاه عن ذلك عمر ، فأتاه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «أهْلَكَكَ حُبّ اليَهُودِ » . قال : فقال : يا نبيّ الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ، ولكن بعثت إليك لتستغفر لي وسأله قميصه أن يكفن فيه ، فأعطاه إياه ، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات ، فكفن في قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونفث في جلده ودلاّه في قبره . فأنزل الله تبارك وتعالى : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا . . . الآية . قال : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كلم في ذلك ، فقال : «وَما يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي مِنَ اللّهِ أوْ رَبّي وَصَلاتي عَلَيْهِ ؟ وإنّي لاَءَرْجُو أنْ يُسْلِمَ بِهِ ألْفٌ مِنْ قَوْمِهِ » .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : أرسل عبد الله بن أبيّ ابن سلول وهو مريض إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه ، قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أهْلَكَكَ حُبّ يَهُودَ » . قال : يا رسول الله ، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني . ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه ، فأعطاه إياه وصلى عليه ، وقام على قبره ، فأنزل الله تعالى ذكره : وَلا تُصَلّ على أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا ، وَلا تَقُمْ على قَبْرِهِ .
{ ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا } روي : ( أن عبد الله بن أبي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ، فلما دخل عليه سأله أن يستغفر له ويكفنه في شعاره الذي يلي جسده ويصلي عليه فلما مات أرسل قميصه ليكفن فيه وذهب ليصلي عليه ) فنزلت . وقيل صلى عليه ثم نزلت ، وإنما لم ينه عن التكفين في قميصه ونهى عن الصلاة عليه لأن الضن بالقميص كان مخلا بالكرم ولأنه كان مكافأة لإلباسه العباس قميصه حين أسر ببدر ، والمراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر ولذلك رتب النهي على قوله : { مات أبدا } يعني الموت على الكفر فإن إحياء الكافر للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحيى . { ولا تقم على قبره } ولا تقف عند قبره للدفن أو الزيارة . { إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } تعليل للنهي أو لتأبيد الموت .
هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أبي ابن سلول وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أنس بن مالك أن رسول الله عليه وسلم لما تقدم ليصلي عليه جاءه جبريل عليه السلام ، فجذبه بثوبه وتلا عليه ، { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً } الآية ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يصل عليه{[5819]} ، وتظاهرت الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الآية نزلت بعد ذلك ، وفي كتاب الجنائز من البخاري من حديث جابر ، قال : «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج ووضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه{[5820]} ، وروي في ذلك أن عبد الله بن أبي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ورغب إليه أن يستغفر له وأن يصلي عليه » .
وروي أن ابنه عبد الله بن عبد الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه فرغب في ذلك وفي أن يكسوه قميصه الذي يلي بدنه ، ففعل ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قام إليه عمر رضي الله عنه ، فقال يا رسول الله ، أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الاستغفار لهم ؟ وجعل يعدد أفعال عبد الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أ خر عني يا عمر ، فإني خيرت ، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت »{[5821]} وفي حديث آخر «إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئاً وإني لأرجو أن يسلم بفعلي هذا ألف رجل من قومي » ، كذا في بعض الروايات ، يريد من منافقي العرب ، والصحيح أنه قال رجال من قومه ، فسكت عمر وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله ، ثم نزلت هذه الآية بعد ذلك ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لموضع إظهاره الإيمان ، ومحال أن يصلي عليه وهو يتحقق كفره وبعد هذا والله أعلم ، عين له من لا يصلي عليه .
ووقع في معاني أبي إسحاق وفي بعض كتب التفسير ، فأسلم وتاب بهذه الفعلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة من عبد الله ألف رجل من الخزرج .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، قاله من لم يعرف عدة الأنصار .