جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

{ ولاتصل } ، صلاة الجنازة ، وقيل : لا تدع ولا تستغفر ، { على أحد منهم مات أبدا } ، الموت على الكفر موت أبدي ، فإن إحياءه للتعذيب أسوء وأسوء من الموت فكأنه لم يحي ، { ولا تقم على قبره } ، لا تقف تستغفر ، أو تدع له أو لا تتول دفنه ، { إنهم كفروا بالله رسوله وماتوا وهم فاسقون } ، تعليل للنهي ، نزلت بعد أن مات ابن{[2048]} أبي سلول وهو – صلى الله عليه وسلم - أرسل قميصه الأشراف لكفنه بالتماسه ، في مرض موته ، وقام ليصلي عليه ، وعمر – رضي الله عنه – قام بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم - والقبلة ؛ لئلا يصلي عليه ، فقال الأكثرون : نزلت بعد أن صلى عليه . و قال بعضهم : نزلت حين قام عمر فلم يصل عليه . ولما رأوا أنه ترك بقميصه أسلم من المنافقين يومئذ ألف ، وقال بعضهم : إنما ألبسه مكافأة ؛ لأن سلول{[2049]} ألبسه ثوبه يوم بدر العباس ، فإنه بين الأسارى ليس له ثوب .


[2048]:قال القرطبي في شرح صحيح مسلم له: إن عبد الله بن أبلي بن سلول كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم، فلما ظهر النبي– صلى الله عليه وسلم- وانصرف إليه الخزرج وغيرهم حسده وناصبه العداوة، غير أن الإسلام غلب عليه فنافق و كان رأسا في المنافقين وأعظمهم نفاقا وأشدهم كفرا وكان المنافقون كثيرا حتى لقد روي عن ابن عباس أنهم كانوا ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة، وكان ولده عبد الله – يعني ولد عبد الله بن أبي – من فضلاء الصحابة وأصدقهم إسلاما وأكثرهم عبادة وأشرحهم صدرا، وكان أبر الناس بأبيه وأحرص الناس على إسلامه، وعلى أن ينتفع من بركات النبي - صلى الله عليه وسلم- بشيء، ولذلك لما مات أبوه سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه قميصه فيكفنه فيه فأعطاه وسأله أن يصلي عليه فصلى عليه، كل ذلك إكراما لابنه عبد الله وإسعافا له وقول عمر: تصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه. يحتمل أن يكون قبل نزول "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا" ويظهر من هذا السياق أن عمر وقع في خاطره أن الله نهاه عن الصلاة عليه فيكون هذا من قبيل الإلهام والتحديث الذي شهد له به النبي – صلى الله عليه وسلم- / لباب التأويل المعروف بالخازن.
[2049]:سلول بالفتح قبيلة من هوازن، وهو اسم أمهم/12.