تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

بعد أن أمر الله رسوله بفضح المنافقين وإذلالهم بمنعهم من الجهاد ، أمره أن لا يصلّي على من مات منهم ، ولا يوليهم أيَّ تكريم ، فهم لا يستحقونه أبدا .

{ وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } .

لا تُصَلِّ أيها الرسولُ بعد الآن في جنازة أحدٍ من هؤلاء المنافقين ، ولا تتولّ دفنه ، ولا تقُمْ عليه كما تفعل على قبور المؤمنين . وكان الرسول إذا فرغ من دفن الميت وقف على قبره وقال : ( استغفِروا لأخيكم وسلوا له التثبُّت فإنّه الآن يُسأل ) . رواه أبو داود والحكم عن عثمان رضي الله عنه .

{ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } .

لأنهم كفروا وماتوا وهم خارجون من حظيرة الإسلام .

روى أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم عن ابن عباس قال : ( سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفي عبد الله بن أُبّي ، دُعي رسول الله للصلاة عليه ، فقام عليه ، فلما وقف قلت : أَتصلي على عدوّ الله ، عبدِ الله بن أبّي القائل كذا وكذا ؟ ورسولُ الله يبتسم . حتى إذا أكثرتُ قال : يا عمر ، أخِّر عني . إنّي قد خُيرت : قد قيل لي : استغفر لهم . . . الآية ، فلو أعلم أني زدتُ على السبعين غُفر له لزدتُ عليها ) . ثم صلى عليه ومشى معه حتى قام على قبره إلى أن فرغ منه . فعجبتُ لي ولجرأتي على رسول الله ، فوا اللهِ ما كان إلا يسيراً حتى نزلتْ هاتان الآيتان : ( ولا تصلِّ على أحدٍ منهم ماتَ أبدا . . ) فما صلى رسول الله على منافق بعده ) .

وقد أنكر بعضُ العلماء هذا الحديث ، وقالوا إنه مخالف للآية ، وقد روي عن طريق ابن عمر وجابر بن عبد الله ، ولا أرى في هذا الحديث ما يخالف الآية إذا كان الحديث من أسباب النزول . والحديث صحيح لا مجال للطعن فيه ، والنبي إنما صلى عليه من أجل ولدِه المؤمن الصحابيّ الجليل ، وكان هذا طلبَ من الرسول الكريم أن يصلّي على والده وقال له : يا رسول الله ، إنك إن لم تأتِه نُعَيَّر به .