بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

قوله تعالى : { وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } ، يعني : لا تصل أبداً على من مات من المنافقين . { وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ } ، يعني : لا تدفنه . { إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ } في السر ، { وَمَاتُواْ وَهُمْ فاسقون } ؛ يعني : ماتوا على الكفر . قال مقاتل : ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول ، وهو رأس المنافقين حين مات أبوه ، فقال : أنشدك الله أن لا تشمت بي الأعداء . فطلب منه أن يصلي على أبيه ، فأراد النبي أن يفعل ، فنزلت هذه الآية ، فانصرف النبي عليه السلام ولم يصل عليه . وقال في رواية الكلبي : لما اشتكى عبد الله بن أُبي ابن سلول ، عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطلب منه عبد الله أن يصلي عليه إذا مات ، وأن يقوم على قبره ، وأن يكفنه في القميص الذي يلي جلده فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال عمر : فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يصلي عليه فقلت : يا رسول الله ، أتصلي عليه وهو صاحب كذا وكذا ؟ فقال : « دَعْنِي يا عُمَر » ثم عدت ثانياً ، ثم عدت ثالثاً ، فنزلت هذه الآية { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } الآية .

وروى عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى عليه ، وقام على قبره ، وكفنه في قميصه ، فنزل { وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } الآية فنهي أن يصلي على أحد من المنافقين بعده . قال ابن عباس : والله لا أعلم أي صلاة كانت ؟ وما خادع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنساناً قط . وفي خبر آخر أنّ عمر قال يا رسول الله أتصلي عليه ، وتعطيه قميصك وهو كافر منافق ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « وَمَا عَلِمْتَ يا عُمَرُ ، عَسَى أنْ يُسْلِمَ بِسَبَبِ هذا القَمِيصِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَلا يُغْنِيهِ قَمِيصٌ مِنْ عَذابِ الله شَيْئاً » . فأسلم من أهاليه ومن بني الخزرج خلق كثير . وقالوا : لولا أن عبد الله عرفه حقاً ، ما تبرك بقميصه ، وما طلب منه أن يصلي عليه .