الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

{ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } قال المفسرون بروايات مختلفة : " بعث عبد الله بن أُبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : أهلكك يهود ، فقال : يارسول الله إني لم أبعث اليك لتؤنبني ولكن بعثت اليك لتستغفر لي وسأله أن يكفنه في قميصه ويصلي عليه ، فلما مات عبد الله بن أُبي إنطلق ابنه إلى النبي ( عليه السلام ) ودعاه إلى جنازة أبيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما اسمك ؟ قال : الحباب بن عبد الله فقال صلى الله عليه وسلم : أنت عبد الله بن عبد الله ، فإنَّ الحباب هو الشيطان " . ثم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام قال له عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : يا رسول الله تصلي على عدو الله ابن أُبي القائل يوم كذا وكذا ، وجعل يعد أيامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثر عليه قال : عني يا عمر إنما خيرني الله فاخترت ، قيل لي { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } هو أعلم فإن زدت على السبعين غفر له ؟ ؟ ثم شهَّده وكفَّنه في قميصه ونفث في جنازته ودلاه في قبره " .

قال عمر ( رضي الله عنه ) : فعجبت من جرأتي على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . فما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ يسيراً حتى نزلت { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } { وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } أي لا تصلي على قبره بمحل لا تتولَّ دفنه : من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره .

{ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق ولا قام على قبره حتى قبض ، " وعُيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله والله إني كنت أرجو أن يُسلم به ألف من قومه " .

قال الزجاج : فأسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الإستغفار بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة أثني عشر رجلا من المنافقين فقال ستة يكفيهم الله بألف مائة شهاب من نار تأخذ كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره ، وستة يموتون موتاً . فسأل عمر حذيفة عنهم فقال : ما أنا بمخبرك أحدٌ منهم ما كان حياً . فقال عمر : يا حذيفة أمنهم أنا ؟ قال : لا . قال : أفي أصحابي منهم أحد . فقال : رجل واحد . قال : قال : فكأنما دلّ عليهم عمر حتى نزعه من غير أن يخبره به .