التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

قوله : { ولا تصل على أحد منهم أبدا } نزلت هذه الآية في شأن الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول ؛ فقد أخرج الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقول : لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه . فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت : يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا كذا وكذا –يعدد أيامه ؟ - قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ، حتى إذا أكثرت عليه قال : ( أخر عني يا عمر . إني خيرت فاخترت . قد قيل لي : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } لو أعلم أني لو زدت على سبعين غفر له لزدت ) قال : ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه . قال : فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فوالله ما كان يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } الآية ، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل . فيستدل من ذلك على عدم الصلاة على المنافق الذي يظهر للمسلمين أنه منهم ولكنه يكتم في قلبه الكفر .

قوله : { ولا تقم على قبره } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له بالتثبيت ؛ فقد روي أبو داود بإسناده عن عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ؛ فإنه الآن يسأل ) .

قوله : { إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } وهذا تعليل لترك الصلاة على المنافقين أو القيام على قبورهم . وهو أنهم كانوا يخفون في صدورهم الكفر بالله ورسوله ولم يتوبوا عن ذلك ، بل ظلوا على حالهم من الكفر والجحود حتى ماتوا { وهم فاسقون } أي ماتوا وهم خارجون من ملة الإسلام مفارقون أمر الله ورسوله{[1865]} .


[1865]:تفسير الطبري جـ 10 ص 141 وتفسير البيضاوي ص 263.