غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ} (84)

80

عن ابن عباس أنه لما اشتكى عبد الله ابن أبيّ ابن سلول عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يصلي عليه إذا مات ويقوم على قبره ويعطيه قميصه الذي يلي جلده ليكفن فيه ففعل كل ذلك . وعنه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفي عبد الله بن أبيّ دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه ، فلما وقف علي يريد الصلاة تحوّلت حتى قمت في صدره فقلت : يا رسول الله أعلى عدوّ الله عبد الله ابن أبيّ القائل يوم كذا كذا وكذا ؟ أعدد أيامه ورسوله صلى الله عليه وسلم يتبسم ، حتى إذا أكثرت عليه قال : أخر عني يا عمر إني خيرت فاخترت ، قد قيل لي استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، ولو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت . قال : ثم صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه قال : فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم . قال : فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزل { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً } الآية . فما صلى الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله . قال المفسرون : وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بعبد الله بن أيّ قال : وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله ، والله إن كنت لأرجو أن يسلم به ألف من قومه وكان كما قال . وقيل : لعل السبب فيه أنه لما طلب من الرسول قميصه الذي مس جلده ليدفن فيه غلب على ظن الرسول أنه انتقل إلى الإيمان لأنه وقت يتوب فيه الكافرة فرغب أن يصلي عليه . وذكر من أسباب دفع القميص أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أسيراً ببدر ولم يجدوا له قميصاً طويلاً فكساه عبد الله قميصه ، ومنها أن المشركين قالوا له يوم الحديبية إنا لا ننقاد لمحمد ولكنا ننقاد لك . فقال : إن لي في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعه . ومنها أنه كان لا يرد السائل لقوله تعالى { وأما السائل فلا تنهر } [ الضحى : 10 ] ومنها أن ابنه عبد الله كان من الصالحين فالرسول أكرمه لمكان ابنه . ومنها إظهار الرأفة والرحمة كما مر .

قوله { مات } صفة لأحد { وأبداً } ظرف لقوله { لا تصل } وإنه يحتمل تأبيد النفي ونفي التأبيد والظاهر الأول ، لأن القرائن تدل على منعه من أن يصلي على أحد منهم منعاً كلياً دائماً . قال الزجاج : معنى قوله { ولا تقم على قبره } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع هاهنا منه . وقال الكلبي : معناه لا تقم بإصلاح مهمات قبره و{ أنهم كفروا } تعليل للنهي ويرد عليه أن الكفر حادث وحكم الله قديم والحادث لا يكون علة للقديم . وأجيب بأن العلة هاهنا بمعنى الإمارة المعرفة للحكم . قال في الكشاف : وإنما قيل مات وماتوا بلفظ الماضي والمعنى على الاستقبال على تقدير لكون والوجود لأنه كائن موجود لا محالة . وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر لأن الكافر قد يكون عدلاً في دينه ، والكذب والنفاق والخداع والجبن والخبث مستقبح في جميع الأديان .