قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ، قال مقاتل : وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن . فقال بعض مشركي مكة : إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو اثنين ؟ فأنزل الله عز وجل : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } . والحسنى تأنيث الأحسن ، كالكبرى والصغرى ، فادعوه بها .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله ابن بشران ، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله تسعةً وتسعين اسماً ، مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة ، وإنه وتر يحب الوتر ) .
قوله تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } ، قرأ حمزة : { يلحدون } بفتح الياء والحاء حيث كان ، وافقه الكسائي في النحل ، والباقون بضم الياء وكسر الحاء ، ومحنى الإلحاد هو : الميل عن القصد ، يقال : ألحد يلحد إلحادا ، ولحد يلحد لحدا ولحودا ، إذا مال ، قال يعقوب بن السكيت : الإلحاد هو العدول عن الحق ، وإدخال ما ليس منه فيه ، يقال : ألحد في الدين ، ولحد ، وبه قرأ حمزة .
قوله تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } هم المشركون ، عدوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم ، فزادوا ونقصوا ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، هذا قول ابن عباس ، ومجاهد . وقيل : هو تسميتهم الأصنام آلهة . وروي عن ابن عباس : يلحدون في أسمائه أي يكذبون . وقال أهل المعاني : الإلحاد في أسماء الله ، تسميته بما لم يتسم به ، ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجملته : أن أسماء الله تعالى على التوقيف ، فإنه يسمى جواداً ولا يسمى سخياً ، وإن كان في معنى الجواد ، ويسمى رحيماً ولا يسمى رفيقاً ، ويسمى عالماً ولا يسمى عاقلاً . وقال تعالى : { يخادعون الله وهو خادعهم } [ النساء : 142 ] وقال عز من قائل : { ومكروا ومكر الله } [ آل عمران : 54 ] ، ولا يقال في الدعاء يا مخادع ، يا مكار ، بل يدعى بأسمائه التي ورد بها التوقيف على وجه التعظيم فيقال : يا الله ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا عزيز ، يا كريم ، ونحو ذلك .
180 وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه ، بأن له الأسماء الحسنى ، أي : له كل اسم حسن ، وضابطه : أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة ، وبذلك كانت حسنى ، فإنها لو دلت على غير صفة ، بل كانت علما محضا لم تكن حسنى ، وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال ، بل إما صفة نقص أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح ، لم تكن حسنى ، فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها ، مستغرق لجميع معناها .
وذلك نحو العليم الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء ، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
و كالرحيم الدال على أن له رحمة عظيمة ، واسعة لكل شيء .
و كالقدير الدال على أن له قدرة عامة ، لا يعجزها شيء ، ونحو ذلك .
ومن تمام كونها " حسنى " أنه لا يدعى إلا بها ، ولذلك قال : فَادْعُوهُ بِهَا وهذا شامل لدعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب ، فيقول الداعي مثلا اللّهم اغفر لي وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم ، وتب عَلَيَّ يا تواب ، وارزقني يا رزاق ، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك .
وقوله : وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي : عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه ، وحقيقة الإلحاد الميل بها عما جعلت له ، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها ، كتسمية المشركين بها لآلهتهم ، وإما بنفي معانيها وتحريفها ، وأن يجعل لها معنى ما أراده اللّه ولا رسوله ، وإما أن يشبه بها غيرها ، فالواجب أن يحذر الإلحاد فيها ، ويحذر الملحدون فيها ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه صلى الله عليه وسلم ( أن للّه تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة )
وبعد أن بين - سبحانه - حال المخلوقين لجهنم بسبب غفلتهم وإهمالهم لعقولهم وحواسهم ، أعقبه ببيان العلاج الذي يشفى من ذلك ، وبالنهى عن اتباع المائلين عن الحق فقال - تعالى - : { وَللَّهِ الأسمآء الحسنى . . . } .
قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَللَّهِ الأسمآء الحسنى فادعوه بِهَا } أمر بإخلاص العبادة لله - تعالى - ومجانبة الملحدين والمشركين . قال مقاتل وغيره من المفسرين : نزلت الآية في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته : يا رحمن يا رحيم . فقال رجل من مشركى مكة : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فنزلت " .
والأسماء : جمع اسم ، وهو اللفظ الدال على الذات فقط أو على الذات مع صفة من صفاتها سواء كان مشتقا كالرحمن ، والرحيم ، أو مصدراً كالرب والسلام .
والحسنى : تأنيث الأحسن أفعل تفضيل ، ومعنى ذلك أنها أحسن الأسماء وأجلها ، لأنبائها عن أحسن المعانى وأشرفها .
والمعنى : ولله - تعالى - وحده جميع الأسماء الدالة على أحسن المعانى وأكمل الصفات فادعوه أى سموه واذكروه ونادوه بها .
روى الشيخان عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسماً من حفظها دخل الجنة والله وتر يحب الوتر " .
قال الآلوسى : والذى أراه أنه لا حصر لأسمائه - عزت أسماؤه - في التسعة والتسعين ، ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقى عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصابه هم أو حزن فليقل : اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتى في يدك ماضى في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استاثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وذهاب همى وجلاء حزنى . . . إلخ " فهذا الحديث صريح في عدم الحصر .
وحكى النووى اتفاق العلماء على ذلك وأن المقصود من الحديث الإخبار بأن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة ، وهو لا ينافى أن له - تعالى - أسماء غيرها " .
ثم قال - تعالى - { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
ويلحدون من الإلحاد وهو الميل والانحراف ، يقال : ألحد إلحاداً إذا مال عن القصد والاستقامة ، وألحد في دين الله : حاد عنه ؛ ومنه لحد القبر لأنه يمال بحفره إلى جانبه بخلاف الضريح فإنه يحفر في وسطه .
والمعنى : ولله - تعالى - أشرف الأسماء وأجلها فسموه بها أيها المؤمنون ، واتركوا جميع الذين يلحدون في أسمائه - سبحانه - بالميل لألفاظها أو معانيها عن الحق من تحريف أو تأويل أو تشبيه أو تعطيل أو ما ينافى وصفها بالحسنى اتركوا هؤلاء جميعا فإنهم سيلقون جزاء عملهم من الله رب العالمين .
ومن مظاهر إلحاد الملحدين في أسمائه - تعالى - تسمية أصنامهم باسماء مشتقة منها ، كاللات : من الله - تعالى - ، والعزى : من العزيز ، ومناة : من المنان وتسميته - تعالى - بما يوهم معنى فاسدا ، كقولهم له - سبحانه - : يا أبيض الوجه كذلك من مظاهر الإلحاد في أسمائه - تعالى - ، تسميته بما لم يسم به نفسه في كتابه ، أو فيما صح من حديث رسوله ، إلى غير ذلك مما يفعله الجاهلون والضالون .
عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " .
أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عنه{[12418]} رواه البخاري ، عن أبى اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبي الزناد به{[12419]} وأخرجه الترمذي ، عن الجوزجاني ، عن صفوان بن صالح ، عن الوليد بن مسلم ، عن شعيب فذكر بسنده مثله ، وزاد بعد قوله : " يحب الوتر " : هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الأحد ، الفرد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفوّ ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور{[12420]}
ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[12421]} ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث .
ورواه ابن حبان في صحيحه ، من طريق صفوان ، به{[12422]} وقد رواه ابن ماجه في سننه ، من طريق آخر{[12423]} عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعا{[12424]} فسرد الأسماء كنحو ما تقدم بزيادة ونقصان .
والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه ، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني ، عن زهير بن محمد : أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك ، أي : أنهم جمعوها من القرآن كما رود{[12425]} عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي ، والله أعلم .
ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين{[12426]} بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، عن يزيد بن هارون ، عن فضيل بن مرزوق ، عن أبي سلمة الجهني ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أعلمته{[12427]} أحدًا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا " . فقيل : يا رسول الله ، أفلا نتعلمها ؟ فقال : " بلى ، ينبغي لكل من سمعها{[12428]} أن يتعلمها " .
وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه بمثله{[12429]}
وذكر الفقيه الإمام أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية في كتابه : " الأحوذي في شرح الترمذي " ؛ أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم ، فالله أعلم .
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال : إلحاد الملحدين : أن دعوا " اللات{[12430]} في أسماء الله .
وقال ابن جريج ، عن مجاهد : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال : اشتقوا " اللات " من الله ، واشتقوا " العزى " من العزيز .
وقال قتادة : { يُلْحِدُونَ } يشركون . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الإلحاد : التكذيب . وأصل الإلحاد في كلام العرب : العدل عن القصد ، والميل والجور والانحراف ، ومنه اللحد في القبر ، لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر .