قوله تعالى : { وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا } وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن . فقال أبو جهل : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فأنزل الله تعالى { وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا } الرحمن الرحيم الملك القدوس ونحوه . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل فقال : « ادْعُ الله أَوْ ادْعُ الرحمن رَغْماً لأَنْفِ المُشْرِكِينَ » ويقال : { وَللَّهِ الأسماء الحسنى } يعني : الصفات العلى { فادعوه بِهَا } . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً إلاَّ وَاحِدَةً مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ وَمِنْ أسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ الرحمن الرَّحِيمُ » وقد ذكرنا تفسيرها ومن أسمائه الأحد وأصله الوحد بمعنى الواحد ، وهو الذي ليس كمثله شيء ، ومنها الصمد وهو السيد الذي صمد إليه كل شيء أي قصده . ومنها القيوم وهو البالغ في القيام بكل ما خلق . ومنها الولي يعني : المتولي أمور المؤمنين . ومنها اللطيف وهو الذي يلطف بالخلق من حيث لا يعلمون ، ولا يقدرون ومنها الودود المحب الشديد المحبة . ومنها الظاهر والباطن الذي يعلم ما ظهر وما بطن . ومنها البديع الذي ابتدع الخلق على غير مثال . ومنها القدوس أي ذو البركة . ويقال : الطاهر ومنها الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء . ومنها الحنان أي ذو الرحمة والعطف . ومنها المنان الكثير المنّ على عباده . ومنها الفتاح يعني : الحاكم . ومنها الديان يعني : المجازي . ومنها الرقيب : يعني الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء . ومنها ذو القوة المتين يعني الشديد القوة على أمره . ومنها الوكيل الذي يتوكل بالقيام بجميع ما خلق . ومنها السبوح الذي تنزه عن كل سوء ومنها السلام يعني : الذي سَلِم الخلق من ظلمه . ومنها المؤمن الذي أمن الخلق من ظلمه . ومنها العزيز أي : المنيع الذي لا يغلبه شيء . ومنها المهيمن يعني : الشهيد . ومنها الجبار الذي جبر الخلق على ما أراد . ومنها المتكبر الذي تكبر عن ظلم العباد . ومنها الباري يعني : الخالق وسائر الأسماء التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم . وقال الزجاج : لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يصف به نفسه ، ولم يسم به نفسه ، فيقول : يا جواد ولا ينبغي له أن يقول : يا سخي ، لأنه لم يسم به نفسه . وكذلك يقول : يا قوي ولا يقول : يا جلد .
ثم قال : { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قرأ حمزة { يُلْحِدُونَ } بنصب الياء والحاء .
وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الحاء { يُلْحِدُونَ } فمن قرأ بالنصب فمعناه : وذروا الذين يميلون في أسمائه يعني : يُحَوِّرون ويمارون في أسمائه ويعدلون ، فسموا اللات والعزى . ومن قرأ بالضم فمعناه : وذروا الذين يجادلون ويمارون في أسمائه . ويقال : إن الله تعالى قد احتج على الكفار بأربعة أشياء بالخلق . وهو قوله تعالى : { هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ بَلِ الظالمون فِي ضلال مُّبِينٍ } [ لقمان : 11 ] وقال : { إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَاً ولو اجتمعوا له } [ لقمان : 11 ] وقال : { يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب } [ الحج : 73 ] والثاني في الملك وهو قوله { وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون } [ البقرة : 116 ] .
وقال في الأوثان { أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } [ الزمر : 43 ] والثالث في القوة وهو قوله : { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أبصارهم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 20 ] { فَاطِرُ السماوات والأرض جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير } [ الشورى : 11 ] { وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا قَالَ يا قوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } [ هود : 61 ] { إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين } [ الذاريات : 58 ] وقال في الأوثان : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] فوصفهم بالعجز . والرابع بالأسماء فقال { وَللَّهِ الأسماء الحسنى } وقال في الأوثان { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } ويقال : إن الكفار أرادوا أن يسموا آلهتهم الله فجرى على لسانهم اللات وقال أهل اللغة : إنما سمي اللات لأنه كان عنده رجل كان يلت السويق . وأرادوا أن يسموا العزيز فجرى على لسانهم العزى . وأرادوا أن يسموا منان فجرى على لسانهم مناة . وبقيت تلك الأسماء للأصنام . وأصل الإلحاد هو الميل ولهذا سمي اللحد لحداً لأنه في ناحية .
ثم قال { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني : وسيهانون ويعاقبون بما كانوا يعملون من الشرك والإلحاد في الأسماء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.