بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

قوله تعالى : { وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا } وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن . فقال أبو جهل : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فأنزل الله تعالى { وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا } الرحمن الرحيم الملك القدوس ونحوه . فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل فقال : « ادْعُ الله أَوْ ادْعُ الرحمن رَغْماً لأَنْفِ المُشْرِكِينَ » ويقال : { وَللَّهِ الأسماء الحسنى } يعني : الصفات العلى { فادعوه بِهَا } . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً إلاَّ وَاحِدَةً مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ وَمِنْ أسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ الرحمن الرَّحِيمُ » وقد ذكرنا تفسيرها ومن أسمائه الأحد وأصله الوحد بمعنى الواحد ، وهو الذي ليس كمثله شيء ، ومنها الصمد وهو السيد الذي صمد إليه كل شيء أي قصده . ومنها القيوم وهو البالغ في القيام بكل ما خلق . ومنها الولي يعني : المتولي أمور المؤمنين . ومنها اللطيف وهو الذي يلطف بالخلق من حيث لا يعلمون ، ولا يقدرون ومنها الودود المحب الشديد المحبة . ومنها الظاهر والباطن الذي يعلم ما ظهر وما بطن . ومنها البديع الذي ابتدع الخلق على غير مثال . ومنها القدوس أي ذو البركة . ويقال : الطاهر ومنها الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء . ومنها الحنان أي ذو الرحمة والعطف . ومنها المنان الكثير المنّ على عباده . ومنها الفتاح يعني : الحاكم . ومنها الديان يعني : المجازي . ومنها الرقيب : يعني الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء . ومنها ذو القوة المتين يعني الشديد القوة على أمره . ومنها الوكيل الذي يتوكل بالقيام بجميع ما خلق . ومنها السبوح الذي تنزه عن كل سوء ومنها السلام يعني : الذي سَلِم الخلق من ظلمه . ومنها المؤمن الذي أمن الخلق من ظلمه . ومنها العزيز أي : المنيع الذي لا يغلبه شيء . ومنها المهيمن يعني : الشهيد . ومنها الجبار الذي جبر الخلق على ما أراد . ومنها المتكبر الذي تكبر عن ظلم العباد . ومنها الباري يعني : الخالق وسائر الأسماء التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم . وقال الزجاج : لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يصف به نفسه ، ولم يسم به نفسه ، فيقول : يا جواد ولا ينبغي له أن يقول : يا سخي ، لأنه لم يسم به نفسه . وكذلك يقول : يا قوي ولا يقول : يا جلد .

ثم قال : { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قرأ حمزة { يُلْحِدُونَ } بنصب الياء والحاء .

وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الحاء { يُلْحِدُونَ } فمن قرأ بالنصب فمعناه : وذروا الذين يميلون في أسمائه يعني : يُحَوِّرون ويمارون في أسمائه ويعدلون ، فسموا اللات والعزى . ومن قرأ بالضم فمعناه : وذروا الذين يجادلون ويمارون في أسمائه . ويقال : إن الله تعالى قد احتج على الكفار بأربعة أشياء بالخلق . وهو قوله تعالى : { هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ بَلِ الظالمون فِي ضلال مُّبِينٍ } [ لقمان : 11 ] وقال : { إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَاً ولو اجتمعوا له } [ لقمان : 11 ] وقال : { يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب } [ الحج : 73 ] والثاني في الملك وهو قوله { وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون } [ البقرة : 116 ] .

وقال في الأوثان { أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } [ الزمر : 43 ] والثالث في القوة وهو قوله : { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أبصارهم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 20 ] { فَاطِرُ السماوات والأرض جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير } [ الشورى : 11 ] { وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا قَالَ يا قوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } [ هود : 61 ] { إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين } [ الذاريات : 58 ] وقال في الأوثان : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] فوصفهم بالعجز . والرابع بالأسماء فقال { وَللَّهِ الأسماء الحسنى } وقال في الأوثان { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } ويقال : إن الكفار أرادوا أن يسموا آلهتهم الله فجرى على لسانهم اللات وقال أهل اللغة : إنما سمي اللات لأنه كان عنده رجل كان يلت السويق . وأرادوا أن يسموا العزيز فجرى على لسانهم العزى . وأرادوا أن يسموا منان فجرى على لسانهم مناة . وبقيت تلك الأسماء للأصنام . وأصل الإلحاد هو الميل ولهذا سمي اللحد لحداً لأنه في ناحية .

ثم قال { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني : وسيهانون ويعاقبون بما كانوا يعملون من الشرك والإلحاد في الأسماء .