محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

وقوله تعالى : [ 180 ] { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ( 180 ) } .

{ ولله الأسماء الحسنى } روى مقاتل ؛ " أن رجلا دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن . فقال بعض المشركين : إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربا واحدا ، فما بال هذا يدعو اثنين ؟ فنزلت الآية " . و { الحسنى } تأنيث ( الأحسن ) . والمعنى : لله الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجملها ، إنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها { فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } أي يميلون عن الإقرار بها ويجحدونها ، ويعدلون عنها كفرا بها . كقوله تعالى{[4254]} : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان أنَسْجُد لما تأمُرُنا وزادَهُم نُفُورا } أي زادهم ذكر الرحمن نفورا . ولذا قال تعالى{[4255]} : { سيجزون ما كانوا يعملون } يعني في الآخرة ، من جحدهم إياها ونفورهم عن الإيمان بها .

/ تنبيهات :

الأول : قال السيد محمد بن المرتضى اليماني في ( إيثار الحق ) : مقام معرفة كمال هذا الرب الكريم . وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى ، من تمام التوحيد ، الذي لا بد منه . لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى ، ونعوتها الشريفة . ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم . ولذلك عدّ مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها ، من أعظم مكائدهم للإسلام . فإنهم عكسوا المعلوم عقلا وسمعا . فذموا الأمر المحمود ، ومدحوا الأمر المذموم ، القائم مقام النفي والجحد المحض . وضادّوا كتاب الله ونصوصه الساطعة . قال الله جل جلاله : { ولله الأسماء الحسنى . . . } الآية . وقال{[4256]} : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان } الآية- فما كان منها منصوصا في كتاب الله ، وجب الإيمان به على الجميع ، والإنكار على من جحده ، أو زعم أن ظاهره اسم ذم لله سبحانه . وما كان في الحديث وجب الإيمان به على من عرف صحته . وما نزل عن هذه المرتبة ، أو كان مختلفا في صحته ، لم يصح استعماله . فإن الله أجل من أن يسمى باسم لم يتحقق أنه تسمى به . انتهى .

الثاني : روى الشيخان{[4257]} عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسما ، من حفظها دخل الجنة ، والله وتر يحب الوتر " . وفي رواية : " من أحصاها " . قال البخاري{[4258]} : أحصيناه : حفظناه وأخرجه الترمذي{[4259]} وزاد سوق الأسماء معدودة : / ثم قال : ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث . ورواه ابن ماجة{[4260]} أيضا : فسرد الأسماء بزيادة ونقصان .

قال الحافظ ابن كثير : والذي عول عليه جماعة من الحفاظ ؛ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه ، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك . أي أنهم جمعوها من القرآن . كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي . انتهى .

وقال النووي : اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى . وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين ، وإنما المقصود من الحديث الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها ، لا الإخبار بحصرها . ولهذا جاء في الحديث الآخر{[4261]} : " أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " . وقد ذكر الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي عن بعضهم ؛ أن لله ألف اسم . انتهى .

وقال السيد اليماني{[4262]} في ( إيثار الحق ) : عادة المتكلمين أن يقتصروا هنا على اليسير من الأسماء ، ولا ينبغي ترك شيء منها ، ولا اختصاره  ! فإن ذلك كالاختصار للقرآن الكريم . ولو كان منها شيء لا ينبغي اعتقاده ولا ذكره ، ما ذَكَره الله تعالى في القرآن العظيم . وعادة بعض المحدثين أن يوردوا جميع ما ورد في الحديث المشهور في تعدادها ، مع الاختلاف الشهير في صحته . وحسبك أن البخاري ومسلما تركا تخريجه مع رواية أوله . واتفاقهما على ذلك يشعر بقوة العلة فيه ، ولكن الأكثرين اعتمدوا ذلك تعرضا لفضل الله العظيم في وعده ، من أحصاها ، بالجنة كما اتفق على صحته . وليس يستيقن إحصاؤها بذلك إلا لو لم يكن لله سبحانه اسم غير تلك الأسماء . فأما إذا كانت أسماؤه سبحانه أكثر من أن تحصى ، بطل اليقين بذلك ، وكان الأحسن الاقتصار على ما في كتاب الله ، وما اتفق على صحته بعد ذلك ، وهو النادر وقد/ ثبت أن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك المروي بالضرورة والنص . أما الضرورة ، فإن في كتاب الله أكثر من ذلك . وأما النص ، فحديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال{[4263]} : " ما قال عبد أصابه همّ أو حزن : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمَتِك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيَّ حكمك ، عدل فيَّ قضاؤك . أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وغمه ، وأبدله مكان حزنه فرحا " - رواه أحمد ، وأبو عوانة في ( صحيحه ) وأبو يعلى والبزار .

ثم أخذ اليماني يذكر ما وجده من الأسماء منصوصا ، غير معرج على التقليد . فانظره في ( إيثار الحق ) ، فإنه جوّد البحث بمنزع شريف .

الثالث : قال بعض مفسري الزيدية في قوله تعالى : { فادعوه بها } : المعنى سموه بها ، وفي ذلك أمر بدعائه بالأسماء الحسنى ، وهو أمر ندب إذا حمل على التلاوة بالتسعة والتسعين ، وحث على ذلك في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم . وإن أريد التسمية بما فيه مدح ، دون ما فيه إلحاد ، فذلك وجوب .

الرابع : قال السيد اليماني في ( إيثار الحق ) : هل يجوز تسمية محامد الرب تعالى وأسمائه الحسنى صفات له سبحانه وتعالى ؟ قال الله تعالى : { ولله المثل الأعلى }{[4264]} وذكر أهل التفسير واللغة أنه الوصف الأعلى ، وكذلك جاء في كلام عليّ عليه السلام أنه قال : فعليك أيها السائل بما دل عليه القرآن من صفته- ذكره السيد أبو طالب في ( الأمالي ) بإسناده ، والسيد الرضى في ( النهج ) كلاهما في جوابه عليه السلام ، على الذي قاله له : / صف لنا ربنا- وهذا لا يعارض قوله عز وجل : { سبحانه وتعالى عما يصفون }{[4265]} لأنه لم ينزه ذاته عن الوصف مطلقا ، حتى يعم الوصف الحسن ، وإنما ينزه عن وصفهم له بالباطل القبيح . انتهى .


[4254]:- [25/ الفرقان/ 60].
[4255]:- [17/ الإسراء/ 110].
[4256]:- [17/ الإسراء/ 110].
[4257]:- أخرجه البخاري في: 80- كتاب الدعوات، 68- باب لله مائة اسم غير واحد، حديث رقم 1313. وأخرجه مسلم في: 48- كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث رقم 5 و6 (طبعتنا).
[4258]:- أخرجه في: 97- كتاب التوحيد، 12- باب إن لله مائة اسم إلا واحدا.
[4259]:- أخرجه الترمذي في: 45- كتاب الدعوات، 82- باب حدثنا يوسف بن حماد البصري.
[4260]:- أخرجه ابن ماجة في: 34- كتاب الدعاء، 10- باب أسماء الله عز وجل، حديث 3860 و3861 (طبعتنا).
[4261]:- من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 391 من الجزء الأول (طبعة الحلبي) والحديث رقم 3712 (طبعة المعارف).
[4262]:- الصفحة رقم 179. ؟؟
[4263]:- أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 391 من الجزء الأول (طبعة الحلبي) والحديث رقم 3812 (طبعة المعارف).
[4264]:- أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 391 من الجزء الأول (طبعة الحلبي) والحديث رقم 3812 (طبعة المعارف).
[4265]:- [6/ الانعام/ 100].