فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بماله من الأسماء ، على الجملة دون التفصيل ، والحسنى تأنيث الأحسن ، أي التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول ، ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة ، فإنه إذا دعي بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة ، وقد ثبت في الصحيح : " إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة " وسيأتي ، ويأتي أيضاً بيان عددها ، آخر البحث إن شاء الله .

قوله : { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } الإلحاد : الميل وترك القصد . يقال : لحد الرجل في الدين وألحد : إذا مال ، ومنه اللحد في القبر ، لأنه في ناحية ، وقرئ «يلحدون » وهما لغتان ، والإلحاد في أسمائه سبحانه يكون على ثلاثة أوجه ، إما بالتغيير كما فعله المشركون ، فإنهم أخذوا اسم اللات من الله ، والعزّى من العزيز ، ومناة من المنان ؛ أو بالزيادة عليها بأن يخترعوا أسماء من عندهم لم يأذن الله بها ، أو بالنقصان منها بأن يدعوه ببعضها دون بعض . ومعنى { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ } أتركوهم ولا تحاجوهم ، ولا تعرضوا لهم ، وعلى هذا المعنى فالآية منسوخة بآيات القتال ، وقيل معناه : الوعيد كقوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } ، وقوله : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ } وهذا أولى لقوله : { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فإنه وعيد لهم بنزول العقوبة ، وتحذير للمسلمين أن يفعلوا كفعلهم . وقد ذكر مقاتل وغيره من المفسرين ، أن هذه الآية نزلت في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته يا رحمن يا رحيم ، فقال رجل من المشركين : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ حكى ذلك القرطبي .

وقد أخرج أحمد ، والبخاري ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وأبو عوانة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن منده ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر " وفي لفظ ابن مردويه وأبي نعيم : «من دعا بها استجاب الله دعاءه » وزاد الترمذي في سننه بعد قوله يحبّ الوتر : «هو الله الذي لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصوّر ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصى ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفو ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور » .

هكذا أخرج الترمذي هذه الزيادة عن الجوزجاني ، عن صفوان بن صالح ، عن الوليد بن مسلم ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعة وقال : هذا حديث غريب . وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ، ولا يعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث . ورواه ابن حبان في صحيحه ، وابن خزيمة ، والحاكم من طريق صفوان بإسناده السابق . ورواه ابن ماجه في سننه من طريق أخرى ، عن موسى ابن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعاً ، فسرد الأسماء المتقدّمة بزيادة ونقصان .

قال ابن كثير في تفسيره والذي عوّل عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه . وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم ، وعبد الملك بن محمد الصنعاني ، عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك ، أي أنهم جمعوها من القرآن كما روي عن جعفر بن محمد ، وسفيان بن عيينة ، وأبي زيد اللغوي .

قال : ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين ، بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن يزيد بن هارون ، عن فضيل بن مرزوق ، عن أبي سلمة الجهنى ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما أصاب أحداً قط همّ ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك وأمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك ، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرجاً ، فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : «بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها » وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان في صحيحه بمثله انتهى . وأخرجه البيهقي أيضاً في الأسماء والصفات .

قال ابن حزم : جاءت في إحصائها ، يعني الأسماء الحسنى أحاديث مضطربة لا يصح منها شيء أصلاً . وقد أخرجها بهذا العدد الذي أخرجه الترمذي ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، عن ابن عباس ، وابن عمر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكراه ، ولا أدري كيف إسناده .

وأخرج ابن أبي الدنيا ، والطبراني كلاهما في الدعاء ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن أبي هريرة : إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة : أسأل الله الرحمن ، الرحيم ، الإله ، الربّ ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارىء ، المصوّر ، الحليم ، العليم ، السميع ، البصير ، الحي ، القيوم ، الواسع ، اللطيف ، الخبير ، الحنان ، المنان ، البديع ، الغفور ، الودود ، الشكور ، المجيد ، المبدئ ، المعيد ، النور ، البارىء ؛ وفي لفظ : القائم ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، العفوّ ، الغفار ، الوهاب ، الفرد ، وفي لفظ : القادر ، الأحد ، الصمد ، الوكيل ، الكافي ، الباقي ، المغيث ، الدائم ، المتعالي ، ذا الجلال والإكرام ، المولى ، البصير ، الحق ، المتين ، الوارث ، المنير ، الباعث ، القدير ، وفي لفظ : المجيب ، المحيي ، المميت ، الحميد ، وفي لفظ : الجميل ، الصادق ، الحفيظ ، المحيط ، الكبير ، القريب ، الرقيب ، الفتاح ، التواب ، القديم ، الوتر ، الفاطر ، الرزاق ، العلام ، العلي ، العظيم ، الغني ، الملك ، المقتدر ، الأكرم ، الرؤوف ، المدبر ، المالك ، القاهر ، الهادي ، الشاكر ، الكريم ، الرفيع ، الشهيد ، الواحد ، ذا الطول ، ذا المعارج ، ذا الفضل ، الخلاق ، الكفيل ، الجليل .

وأخرج أبو نعيم عن محمد بن جعفر قال : سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنة ؟ فقال : هي في القرآن ، ففي الفاتحة خمسة أسماء : يا الله ، يا ربّ ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا ملك . وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسماً : يا محيط ، يا قدير ، يا عليم ، يا حكيم ، يا علي ، يا عظيم ، يا تواب ، يا بصير ، يا ولي ، يا واسع ، يا كافي ، يا رؤوف ، يا بديع ، يا شاكر ، يا واحد ، يا سميع ، يا قابض ، يا باسط ، يا حيّ ، يا قيوم ، يا غني ، يا حميد ، يا غفور ، يا حليم ، يا إله ، يا قريب ، يا مجيب ، يا عزيز ، يا نصير ، يا قوي ، يا شديد ، يا سريع ، يا خبير . وفي آل عمران : يا وهاب ، يا قائم ، يا صادق ، يا باعث ، يا منعم ، يا متفضل . وفي النساء : يا رقيب ، يا حسيب ، يا شهيد ، يا مقيت ، يا وكيل ، يا عليّ ، يا كبير . وفي الأنعام : يا فاطر ، يا قاهر ، يا لطيف ، يا برهان . وفي الأعراف : يا محيي ، يا مميت . وفي الأنفال : يا نعم المولى ، ويا نعم النصير ، وفي هود : يا حفيظ ، يا مجيد ، يا ودود ، يا فعال لما تريد . وفي الرعد : يا كبير ، يا متعالي . وفي إبراهيم : يا منان ، يا وارث . وفي الحجر : يا خلاق . وفي مريم : يا فرد . وفي طه : يا غفار . وفي قد أفلح : يا كريم . وفي النور : يا حق ، يا مبين . وفي الفرقان : يا هادي . وفي سبأ : يا فتاح . وفي الزمر : يا عالم . وفي غافر : يا قابل التوب ، يا ذا الطول ، يا رفيع . وفي الذاريات : يا رزاق ، يا ذا القوة ، يا متين . وفي الطور : يا برّ . وفي اقتربت : يا مقتدر ، يا مليك . وفي الرحمن : يا ذا الجلال والإكرام ، يا رب المشرقين ، يا ربّ المغربين ، يا باقي ، يا معين .

وفي الحديد : يا أوّل ، يا آخر ، يا ظاهر ، يا باطن . وفي الحشر : يا ملك ، يا قدّوس ، يا سلام ، يا مؤمن ، يا مهيمن ، يا عزيز ، يا جبار ، يا متكبر ، يا خالق ، يا بارئ ، يا مصوّر . وفي البروج : يا مبدىء ، يا معيد . وفي الفجر : يا وتر . وفي الإخلاص : يا أحد ، يا صمد . انتهى .

وقد ذكر ابن حجر في التلخيص أنه تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حرّرها منه تسعة وتسعين ثم سردها فابحثه . ويؤيد هذا ما أخرجه أبو نعيم ، عن ابن عباس ، وابن عمر ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة ، وهي في القرآن " وأخرج البيهقي ، عن عائشة أنها قالت : «يا رسول الله علمني اسم الله الذي إذا دعي به أجاب ، قال لها : قومي فتوضئي وادخلي المسجد فصلي ركعتين ثم ادعي حتى أسمع ، ففعلت ؛ فلما جلست للدعاء قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم وفقها " ، فقالت : اللهمّ إني أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم ، وأسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير ، الأكبر ، الذي من دعاك به أجبته ، ومن سألك به أعطيته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أصبتيه أصبتيه " .

وقد أطال أهل العلم الكلام على الأسماء الحسنى حتى أن ابن العربي في شرح الترمذي حكى عن بعض أهل العلم أنه جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال : الإلحاد ، أن يدعو اللات والعزّى في أسماء الله . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه ، قال : الإلحاد التكذيب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج ، في الآية قال : اشتقوا العزّى من العزيز ، واشتقوا اللات من الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء في الآية قال : الإلحاد المضاهاة . وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش أنه قرأ { يلحدون } من لحد ، وقال تفسيرها : يدخلون فيها ما ليس منها . وأخرج عبد الرزاق بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة ، في الآية قال : يشركون .