جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

{ ولله{[1768]} الأسماء الحسنى{[1769]} } هي أحسن الأسماء دالة على أحسن المعاني وليست منحصرة في التسعة والتسعين{[1770]} { فادعوه بها } سموه بتلك الأسماء { وذروا{[1771]} الذين يُلحدون في أسمائه } ذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على آلهتهم بزيادة ونقصان كاللات من الله والمنات من المنان والعزى من العزيز وقيل الإلحاد فيها تسميته بما لم يرد في الكتاب ولا في السنة كيا سخي ويا مكار ، ويا عاقل { سيُجزون ما كانوا يعملون } من الإلحاد .


[1768]:ولما ذكر حكاية بلعم وهو كان عالما بالاسم الأعظم ثم بين لنا علامة من هو مخلوق لجهنم وختم بكمال غفلتهم نبهنا أن لا نكون من الغافلين فقال: (ولله الأسماء الحسنى)/12.
[1769]:قال ابن كثير في تفسيره: والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء مدرج في هذا الحديث يعني حديث الترمذي الذي سرد فيه الأسماء وأنهم جمعوها من القرآن/12 فتح.
[1770]:كما ورد: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)/12 وجيز، ومنه الحديث رواه أحمد في مسنده وأخرج أبو حاتم وابن حبان في صحيحه بمثله/12 فتح. [وقال الشيخ أحمد شاكر في (تعليقه على المسند) (3412): إسناده صحيح].
[1771]:قوله تعالى: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته ما يفعله كثير من الفلاسفة والمتكلمين المتفلسفين الذين يجعلون الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني تخالف لغة العرب وتناقض ثبوت الصفات فهؤلاء عمدوا إلى لفظ الغنى والقديم والواجب بنفسه فصاروا يجعلونها تدل على معاني وتستلزم معاني تناقض شيء من الصفات وتوسع في التعبير ثم ظنوا أن هذا الذي فعلوه موجب الأدلة غلط منهم فموجب الأدلة العقلية لا تتلقى عن مجرد التعبير وموجب الأدلة السمعية تتلقى من عرف التكلم بالخطاب لا من الوضع للأحداث فليس لأحد أن يجعل الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني ثم يريد أن يفسر مراد الله بتلك المعاني بل هذا من فعل أهل الإلحاد المفترين؛ فإن هؤلاء عمدوا إلى معاني ظنوها ثابتة فجعلوها هي معنى الوحدة والوجوب والغنى والقدم ونفي المثل، ثم عمدوا إلى ما جاء في القرآن والسنة من تسمية الله بأنه أحد واحد وغني ونحو ذلك من نفي المثل والكفو عنه فقالوا: هذا يدل على المعاني التي سميناها بهذه الأسماء، وهذا من أعظم الافتراء على الله وكذلك فعل من فعل بلفظ المتكلم وغير ذلك من الأسماء ولو فعل هذا بكلام سيبويه وبقراط؛ لفسد ما ذكروه من النحو والطب ولو فعل هذا بكلام آحاد العلماء كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، لفسد العلم بذلك ولكان ملبوسا عليهم فكيف إذا فعل هذا بكلام رب العالمين وهذه طريقة الملاحدة الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته ومن شركهم في بعض ذلك مثل قول من يقول: الواحد هو الذي لا ينقسم ومعنى قوله لا ينقسم أي: لا يتميز منه شيء عن شيء ويقول: لا تقوم به صفة ثم زعموا أن الأحد والواحد في القرآن يراد به هذا ومعلوم أن كل ما في القرآن من اسم الواحد والأحد كقوله تعالى: (وإن كانت واحدة فلها النصف) (النساء: 11)، وقوله: (قالت إحداهما يا أبت استأجره) (القصص: 26)، وقوله: (ولم يكن كفوا أحد) (الإخلاص: 4) وقوله: (وإن أحد من المشركين استجارك) (التوبة: 6)، وقوله: (ذرني ومن خلقت وحيدا) (المدثر: 11)، وأمثال ذلك يناقض ما ذكروه فإن هذه الأسماء أطلقت على قائم بنفسه مشار إليه يتميز منه شيء عن شيء وهو الذي يسمونه في اصطلاحهم جسما، وكذلك إذا قالوا الموصوفات تتماثل أو الأجسام تتماثل أو الجواهر تتماثل وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) (الشورى: 11)، على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث كان هذا افتراء على القرآن فإن هذا ليس هو المثل في لغة العرب لا لغة لقرآن ولا غيرها، قال تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (محمد: 38)، فنفى مماثلة هؤلاء لهؤلاء مع اتفاقهم في الإنسانية فكيف يقال: إن لغة العرب توجب أن كل ما يشار إليه مثل لكل ما يشار إليه وقال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) (الفجر: 7،8)، فأخبر أنه لم يخلق مثلها في البلاد وكلاهما بلد فكيف يقال، إن كل جسم فهو مثل لكل جسم في لغة العرب حتى يحمل على ذلك قوله (ليس كمثله شيء) وقد قال شاعر العرب: ليس كمثل الفتى زهير. وقال الآخر: ما إن كمثلهم في الناس من بشر ولم يقصد هذا أن ينفي وجود جسم من الأجسام، وكذلك لفظ التشابه ليس هو التماثل في اللغة قال تعالى: (وأتوا به متشابها) (البقرة: 25) وقال تعالى: (متشابها وغير متشابه) (الأنعام: 141)، ولم يرد به شيئا هو مماثل في اللغة، وليس المراد هنا كون الجواهر متماثلا في العقل أو ليست متماثلة فإن هذا مبسوط في موضعه، بل المراد أن أهل اللغة التي نزل بها القرآن لا يجعلون مجرد هذا موجبا لإطلاق اسم المثل ولا يجعلون نفي المثل نفيا لهذا فحمل القرآن على ذلك كذب على القرآن/12، هذا ما قاله شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام قدس الله روحه في بعض رسائله.