اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } الآية .

وهذا كالتنبيه على أن الموجب لدخولهم جهنم هو الغفلة عن ذكر الله .

واعلم أن قوله : { ولله الأسماء الحسنى } مذكور في أربع سور :

أولها : هذه السورة .

وثانيها : آخر الإسراء { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى } [ الإسراء 110 ] .

وثالثها : أول طه : { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى } [ طه : 8 ] .

ورابعها : آخر الحشر { له الأسماء الحسنى } [ الحشر 24 ] .

والحسنى فيها قولان ، أظهرهما : أنها تأنيث : " أحسن " والجمع المكسر لغير العاقل يجوز أن يوصف به المؤنث نحو : { مآرب أخرى } [ طه : 18 ] ولو طوبق به لكان التركيب " الحسن " كقوله : { من أيام أخر } [ البقرة 184 ] .

والثاني : أن " الحسنى " مصدر على " فعلى " كالرجعى ، والبقيا .

قال : [ الوافر ]

ولا يجزون من حسنى بسوء *** . . . {[17030]}

والأسماء هنا : الألفاظ الدالة على الباري تعالى ك : الله والرحمن .

قال القرطبي{[17031]} : وسمى الله أسماءه بالحسنى ، لأنها حسنة في الأسماع والقلوب ، فإنها تدل على توحده وكرمه وجوده ورحمته وإفضاله .

وقال ابن عطية{[17032]} المراد بها التسميات إجماعا من المتأولين لا يمكن غيره . وفيه نظر : لأن التسمية مصدر ، والمصدر لا يدعي به على كلا القولين في تفسير الدعاء ، وذلك أن معنى فادعوه نادوه بها ، كقولهم : يا الله ، يا رحمن ، يا ذا الجلال والإكرام اغفر لنا .

وقيل : سموه بها كقولك : سميت ابني بزيد ، والآية دالة على أن لله تعالى أسماء حسنة وأن الإنسان لا يدعو الله إلا بها ، وأنها توقيفية لا اصطلاحية ، لأنه يجوز أن يقال : يا جواد ولا يجوز أن يقال : يا سخي ، ويجوز أن يقال : يا عالم ، ولا يجوز أن يقال : يا فقيه ، يا عاقل يا طبيب .

وقال تعالى : { يخادعون الله وهو خادعهم } [ النساء 142 ] .

وقال : { ومكروا ومكر الله } [ آل عمران : 54 ] ولا يقال في الدعاء : يا مخادع يا مكار .

روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله تسعة وتسعين اسما إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة " {[17033]} . " إنه وتر يحب الوتر " {[17034]} .

قوله : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } قرأ{[17035]} حمزه هنا ، وفي النحل ، وحم السجدة يلحدون بفتح الياء والحاء من " لحد " ثلاثيا ، والباقون بضم الياء وكسر الحاء ، من " ألحد " .

فقيل هما بمعنى واحد وهو : الميل والانحراف ، ومنه : لحد القبر ، لأنه يمال بحفرة إلى جانبه ، بخلاف الضريح ، فإنه يحفر في وسطه .

ومن كلامهم ، ما فعل الواحد ؟ قالوا : لحده اللاحد ، وإلى كونهما بمعنى واحد ذهب ابن السكيت وقال : هما العدول عن الحق ، وألحد : أكثر استعمالا من " لحد " قال : [ الرجز ]

ليس الإمام بالشحيح الملحد{[17036]}

وقال غيره : " لحد : بمعنى : ركن وانضوى ، وألحد : مال وانحرف " قاله الكسائي ونقل عنه أيضا : ألحد : أعرض ولحد : مال .

قالوا : ولهذا وافق حمزة في النحل إذ معناه : يميلون إليه .

وروى أبو عبيدة عن الأصمعي : " ألحد : مارى ، وجادل ، ولحد : حاد ومال " .

فصل

ورجحت قراءة العامة بالإجماع على قوله : { بإلحاد } [ الحج : 25 ] .

وقال الواحدي : ولا يكاد يسمع من العرب لاحد ، يعني : بامتناعهم من مجيء اسم فاعل الثلاثي يدل على قلته وقد تقدم من كلامهم " لحده اللاحد " . ومعنى الإلحاد فيها أن اشتقوا منها أسماء لآلهتهم فيقولون " اللات " من لفظ الله ، و " العزى " من لفظ العزيز ، و " مناة " من لفظ المنان ، ويجوز أن يراد سموه بما لا يليق بجلاله ، مثل تسميته أبا للمسيح ، وكقول النصارى : أب ، وابن ، وروح القدس .

ثم قال : " سيجزون ما كانوا يعملون " وهذا تهديد ووعيد لمن ألحد في أسماء الله .


[17030]:صدر البيت لأبي الغول وعجزه: ولا يجزون من غلظ بلين ينظر الحماسة 1/40، ابن يعيش 6/100، 102، الخزانة 6/434، 8/314، الدر المصون 3/375.
[17031]:ينظر: تفسير القرطبي 7/207.
[17032]:ينظر: المحرر الوجيز 2/480.
[17033]:متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري في الصحيح 13/377، كتاب التوحيد: باب إن لله مائة اسم إلا... الحديث (7392) وأخرجه مسلم في الصحيح 4/2063، كتاب الذكر. باب أسماء الله تعالى 2 الحديث (6/2677) واللفظ لهما.
[17034]:متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 1/214، كتاب الدعوات : باب مائة اسم.. الحديث (6410) واللفظ له، وأخرجه مسلم في الصحيح 4 كتاب الذكر.
[17035]:ينظر: السبعة 298، والحجة 4/107-108، وإعراب القراءات 1/215، وحجة القراءات 303، وإتحاف 2/70.
[17036]:البيت لأبي نخيلة، وقيل لغيره: ينظر الكتاب 2/371، ابن يعيش 3/124، الإنصاف 1/131، الهمع 1/64، الكشاف 2/132، البحر 4/417، الدر المصون 3/376.