غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

172

ثم نبه بقوله { ولله الأسماء الحسنى } على أن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكره سبحانه ، والمخلص من عذاب جهنم هو ذكره ، وكل من له ذوق وجد من نفسه أن الأمر كذلك فإن القلب إذا غفل عن الذكر وأقبل على الدنيا وقع في نار الحرص وزمهرير الحرمان ولا يزال ينتقل من رغبة إلى رغبة ومن طلب إلى طلب ومن ظلمة إلى ظلمة فإذا فتح على قلبه الذكر خلص من نيران الآفات وخسران الحسرات إلى معرفة رب الأرض والسموات . وهذا اللفظ مذكور في ثلاثة مواضع أخر : في آخر بني إسرائيل وفي أوّل طه وفي آخر الحشر . ومعنى حسن الأسماء حسن معانيها ومفهوماتها لأنها أسماء دالة على معاني الكمال ونعوت الجلال وهي محصورة في نوعين : عدم افتقاره تعالى إلى غيره وثبوت افتقار غيره إليه . وقد عرفت في تفسير البسملة أن أسماء الله تعالى لا تكاد تنحصر بحسب السلوب والإضافات ، فكل من كان وقوفه على أسرار حكمه في مخلوقاته أكثر كان علمه بأسماء الله الحسنى أكثر . والآن نقول : إن من تقسيمات أسماء الله ما يقوله المتكلمون من أن صفات الله أنواع ما يجب وما يجوز وما يستحيل عليه تعالى . ومنها أن يقال إن أسماء الله إما أن يجوز إطلاقها على غيره كالرحيم والكريم وإن كان معناها في حق الله مغايراً لمعناها في حق غيره ، وإما أن لا يجوز نحو «الله » و «الرحمن » . وقد يقيد القسم الأوّل بقيود مثل «يا أرحم الراحمين » و «يا أكرم الأكرمين » و «يا خالق السموات والأرضين » . ومنها أن يقال من الأسماء ما يمكن ذكره وحده كقولنا «يا الله يا رحمن يا حي يا حكيم » . ومنها ما لا يكون كذلك كقولنا «مميت » و «ضارّ » فإنه لا يجوز إفراده بالذكر بل يجب أن يقال «يا محيي يا مميت يا ضار يا نافع » . ومنها أن يقال أوّل ما يعلم من صفات الله تعالى كونه محدثاً للأشياء مرجحاً لوجودها على عدمها ، وذلك إنما يعلم بواسطة الاستدلال بوجود الممكنات عليه ، وذلك المرجح إما أن يرجح على سبيل الوجوب أو على سبيل الصحة ، والأوّل باطل وإلا لزم دوام العالم بدوامه ، والثاني هو المعنيّ بكونه قادراً . ثم إنا بعد هذا نستدل بكون أفعاله محكمة متقنة على كونه عالماً ثم نقول : إن القادر العالم يمتنع أن لا يكون حياً فظهر أن العلم بصفاته وبأسمائه ليس واقعاً في درجة واحدة بل العلم بها علوم مترتبة يستفاد بعضها من بعض ، ومن البين أن الأسماء الحسنى لا تكون إلا لله تعالى لأن كل الشرف والجلالة يستلزم وجوب الوجود ، وكل نقص وخساسة فإنه يعقب الإمكان وكل اسم لا يفيد في المسمى صفة كمال وجلال فإنه لا يجوز إطلاقه على الله تعالى . ومن هنا اختلف في أنه هل يطلق عليه اسم الشيء أم لا ؟ وقد مر تحقيق ذلك في تفسير البسملة وفي الأنعام في قوله { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله } [ الأنعام : 19 ] أما قوله { فادعوه بها } ففيه دليل على أن الإنسان لا يجوز أن يدعو ربه إلا بتلك الأسماء الحسنى بعد أن عرف معانيها ويكون مستحضراً الأمرين : عزة الربوبية وذلة العبودية ، كما أنه في قوله عند التحريم «الله أكبر » يشير إلى أنه لا نسبة لكبريائه وعظمته إلى ما سواه من الروحانيات والجسمانيات والعلويات والسفليات وإنما هو أكبر من هذه الأشياء وأكبر من أن يقال له أكبر من هذه الأشياء { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } قال ابن السكيت : الملحد العادل عن الحق والمدخل فيه ما ليس منه . يقال قد ألحد في الدين ولحد . وقال غيره من أهل اللغة : الإلحاد العدول عن الاستقامة والانحراف عنها ومنه للحد الذي يحفر إلى جانب القبر . قال الواحدي : الأجود قراءة العامة ولا يكاد يسمع من العرب لأحد بمعنى ملحد . والإلحاد في أسماء الله تعالى يقع على ثلاثة أوجه : الأوّل : إطلاق أسمائه المقدسة على الأصنام كاشتقاقهم اللات من الله والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، وكان مسيلمة الكذاب يسمى نفسه الرحمن . والثاني أن يسموه بما لا يجوز عليه كما سمع عن البدو وإن قالوا بجهلهم «يا أبا المكارم ، يا أبيض الوجه ، يا نخّي » بناء على أن النخوة مدح . الثالث : أن يأبوا تسميته ببعض أسمائه الحسنى كالرحمن مثلاً . قال بعض العلماء : إن ورود الإذن في بعض الأسماء لا يجوز إطلاق سائر الألفاظ المشتقة منه عليه ، فلا يجوز أن يقال «يا معلم » وإن ورد { وعلم آدم الأسماء } [ البقرة : 31 ] وكذا في حق الأنبياء لا يجوز أن يقال إن آدم عاصٍ أو غاوٍ وإن ورد { وعصى آدم ربه فغوى } [ طه : 121 ] ثم أوعد الملحدين في أسمائه بقوله { سيجزون ما كانوا يعملون } . /خ183