قوله تعالى : { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر }
وذلك أنه قال له : اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين ماء بارد فأمره أن يغتسل منها ففعل فذهب كل داء كان بظاهره ، ثم مشى أربعين خطوة فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل فنبعت عين ماء بارد ، فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم . { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } واختلفوا في ذلك ، فقال ابن مسعود و قتادة ، وابن عباس ، و الحسن ، وأكثر المفسرين : رد الله عز وجل إليه أهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله له وأعطاهم مثلهم معهم ، وهو ظاهر القرآن . قال الحسن : آتاه الله المثل من نسل ماله الذي رد الله إليه وأهله يدل عليه ما روي عن الضحاك عن ابن عباس أن الله عز وجل رد إلى المرأة شبابها فولدت له ستة وعشرين ذكراً . قال وهب كان له سبع بنات وثلاثة بنين . وقال ابن يسار : كان له سبع بنين وسبع بنات . وروي عن أنس يرفعه : أنه كان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله عز وجل سحابتين فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض . وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكاً وقال له : إن ربك يقرئك السلام بصبرك فأخرج على أندرك ، فخرج إليه فأرسل الله عليه جراداً من ذهب فطارت واحدة فاتبعها وردها إلى أندره ، فقال له الملك : أما يكفيك ما في أندرك ؟ فقال هذه بركة من بركات ربي ولا أشبع من بركته .
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن همام بن منبه ، قال : أنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أيوب يغتسل عرياناً خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه ، فناداه ربه يا أيوب : ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى ، وعزتك ، ولكن لا غنى لي عن بركتك " . وقال قوم : آتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه في الدنيا . قال عكرمة : قيل لأيوب : إن أهلك لك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا وإن شئت كانوا لك في الآخرة ، وآتيناك مثلهم في الدنيا فقال : يكونون لي في الآخرة ، وأوتى مثلهم في الدنيا ، فعلى هذا يكون معنى الآية : وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد { رحمة من عندنا } أي نعمة من عندنا ، { وذكرى للعابدين } أي : عظة وعبرة لهم .
فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه ، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ ، وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له ، وقال له : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب ، فأذهب الله عنه ما به من الأذى ، { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } أي : رددنا عليه أهله وماله .
{ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا ، { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } به ، حيث صبر ورضي ، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة .
{ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي : جعلناه عبرة للعابدين ، الذين ينتفعون بالعبر ، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء ، ثم ما أثابه الله بعد زواله ، ونظروا السبب ، وجدوه الصبر ، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر .
وبعد أن دعا أيوب ربه - تعالى - بهذه الثقة ، وبهذا الأدب والإخلاص ، كانت الإجابة المتمثلة فى قوله - تعالى - : { فاستجبنا لَهُ } أى دعاءه وتضرعه { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } أى : فأنزلنا ما نزل به من بلاء فى جسده ، وجعلناه سليما معافى . بأن أمرناه أن يضرب برجله الأرض ففعل ، فنبعت له عين فاغتسل منها ، فزال عن بدنه كل مرض أصابه بإذن الله - تعالى - .
قال - سبحانه - : { واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . . } وقال - تعالى - : { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } أى : لم نخيب رجاء أيوب حين دعانا ، بل استجبنا له دعاءه ، بفضلنا وكرمنا ، فأزلنا عنه المرض الذى نزل به ، ولم نكتف بهذا - أيضا - بل عوضناه عمن فقده من أولاده ، ورزقناه مثلهم معهم .
قال الآلوسى ما ملخصه : " قوله : { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال : سالت النبى - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } فقال : " رد الله - تعالى - امرأته إليه ، وزاد فى شبابها ، حتى ولدت له ستا وعشرين ذكرا " .
فالمعنى على هذا : آتيناه فى الدنيا مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر .
وعن قتادة : إن الله أحيا له أولاده الذين هلكوا فى بلائه ، وأوتى مثلهم فى الدنيا .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله - تعالى - : { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وذكرى لِلْعَابِدِينَ } أى : أجبنا له دعاءه ، وفعلنا معه ما فعلناه من ألوان الخيرات ، من أجل رحمتنا به ، ومن أجل أن يكون ما فعلناه معه عبرة وعظة وذكر لغيره من العابدين حتى يقتدوا به فى صبره على البلاء ، وفى المداومة على شكرنا فى السراء والضراء .
وخص - سبحانه - العابدين بالذكرى ، لأنهم أكثر الناس بلاء وامتحانا . ففى الحديث الشريف : " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " .
وفى حديث آخر : " يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان فى دينه صلابة زيد فى بلائه " .
وقد كان أيوب آية فى الصبر ، وبه يضرب المثل فى ذلك .
هذا ، وقصة أيوب - عليه السلام - ستأتى بصورة أكثر تفصيلا فى سورة " ص " ، وقد تركنا هنا أقوالا عن كيفية مرضه ، وعم مدة هذا المرض . . . نظرا لضعفها ، ومنافاتها لعصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من الأمراض المنفرة .
وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب إلى ربه بهذه الثقة وبذلك الأدب كانت الاستجابة ، وكانت الرحمة ، وكانت نهاية الابتلاء : ( فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ، وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) . .
رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح . ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم ، ورزقه مثلهم . وقيل هم أبناؤه فوهب الله له مثليهم . أو أنه وهب له أبناء وأحفادا .
( رحمة من عندنا ) فكل نعمة فهي رحمة من عند الله ومنة . ( وذكرى للعابدين ) . تذكرهم بالله وبلائه ، ورحمته في البلاء وبعد البلاء . وإن في بلاء أيوب لمثلا للبشرية كلها ؛ وإن في صبر أيوب لعبرة للبشرية كلها . وإنه لأفق للصبر والأدب وحسن العاقبة تتطلع إليه الأبصار .
والإشارة( للعابدين ) بمناسبة البلاء إشارة لها مغزاها . فالعابدون معرضون للابتلاء والبلاء . وتلك تكاليف العبادة وتكاليف العقيدة وتكاليف الإيمان . والأمر جد لا لعب . والعقيدة أمانة لا تسلم إلا للأمناء القادرين عليها ، المستعدين لتكاليفها وليست كلمة تقولها الشفاه ، ولا دعوى يدعيها من يشاء . ولا بد من الصبر ليجتاز العابدون البلاء . .
يذكر تعالى عن أيوب ، عليه السلام ، ما كان أصابه من البلاء ، في ماله وولده وجسده{[19748]} ، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير ، وأولاد كثيرة ، ومنازل مرضية . فابتلي في ذلك كله ، وذهب عن آخره ، ثم ابتلي في جسده - يقال : بالجذام في سائر بدنه ، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه ، يذكر بهما الله عز وجل ، حتى عافه الجليس ، وأفردَ في ناحية من البلد ، ولم يبق من الناس أحد{[19749]} يحنو عليه سوى زوجته ، كانت تقوم بأمره{[19750]} ، ويقال : إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " {[19751]} وفي الحديث الآخر : " يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه " {[19752]} .
وقد كان نبي الله أيوب ، عليه السلام ، غاية في الصبر ، وبه يضرب المثل في ذلك .
وقال يزيد بن ميسرة : لما ابتلى الله أيوب ، عليه السلام ، بذهاب الأهل والمال والولد ، ولم له يبق شيء ، أحسن الذكر ، ثم قال : أحمدك رب الأرباب ، الذي أحسنت إلي ، أعطيتني المال والولد ، فلم يبق من قلبي شعبة ، إلا قد دخله ذلك ، فأخذت ذلك كله مني ، وفرَّغت قلبي ، ليس يحول بيني وبينك شيء ، لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت ، حسدني . قال : فلقي إبليس من ذلك منكرًا .
قال : وقال أيوب ، عليه السلام : يا رب ، إنك أعطيتني المال والولد ، فلم يقم على بابي أحد يشكوني لظلم ظلمته ، وأنت تعلم ذلك . وأنه كان يوطأ لي الفراش فأتركها وأقول لنفسي :
يا نفس ، إنك لم تخلقي لوطء الفرش{[19753]} ، ما تركت ذلك إلا ابتغاء وجهك . رواه ابن أبي حاتم .
وقد ذكر عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ، ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه ، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين ، وفيها غرابة تركناها لحال الطول{[19754]} .
وقد روى أنه مكث في البلاء مدة طويلة ، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء ، فقال الحسن وقتادة ، ابتلي أيوب ، عليه السلام ، سبع سنين وأشهرًا ، ملقى على كُنَاسَة بني إسرائيل ، تختلف الدواب في جسده ففرج الله عنه ، وعَظَمَّ له الأجر ، وأحسن عليه الثناء .
وقال وهب بن منبه : مكث في البلاء ثلاث سنين ، لا يزيد ولا ينقص .
وقال السدي : تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام ، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزاد يكون فيه ، فقالت له امرأته لما طال وجعه : يا أيوب ، لو دعوت ربك{[19755]} يفرج عنك ؟ فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحًا ، فهل{[19756]} قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ؟ فجَزَعت من ذلك فخرجت ، فكانت تعمل للناس بأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه ، وإن إبليس انطلق إلى رجلين من فلسطين كانا صديقين له وأخوين ، فأتاهما فقال : أخوكما أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا ، فأتياه وزوراه واحملا معكما من خمر أرضكما ، فإنه إن شرب منه بَرَأ . فأتياه ، فلما نظرا إليه بكيا ، فقال : من أنتما ؟ فقالا{[19757]} : نحن فلان وفلان ! فرحَّب بهما وقال : مرحبًا بمن لا يجفوني عند البلاء ، فقالا يا أيوب ، لعلك كنت تُسر شيئًا وتظهر غيره ، فلذلك ابتلاك الله ؟ فرفع رأسه إلى السماء ثم قال : هو يعلم ، ما أسررت شيئًا أظهرت غيره . ولكن ربي ابتلاني لينظر أأصبر أم أجزع ، فقالا له : يا أيوب ، اشرب من خمرنا فإنك إن شربت منه بَرَأت . قال : فغضب وقال جاءكما الخبيث فأمركما بهذا ؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما عليّ حرام . فقاما من عنده ، وخرجت امرأته تعمل للناس فخبزت لأهل بيت لهم صبي ، فجعلت لهم قرصًا{[19758]} ، وكان ابنهم نائمًا ، فكرهوا أن يوقظوه ، فوهبوه لها .
فأتت به إلى أيوب ، فأنكره وقال : ما كنت تأتيني بهذا ، فما بالك اليوم ؟ فأخبرته الخبر . قال : فلعل الصبي قد استيقظ ، فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله . [ فانطلقي به إليه . فأقبلت حتى بلغت درجة القوم ، فنطحتها شاة لهم ، فقالت : تعس أيوب الخطاء ! فلما صعدت وجدت الصبي قد استيقظ وهو يطلب القرص ، ويبكي على أهله ]{[19759]} ، لا يقبل منهم شيئًا غيره ، فقالت : رحم الله أيوب فدفعت القرص إليه ورجعت . ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب ، فقال لها : إن زوجك قد طال سُقمه ، فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابًا فليذبحه باسم صنم بني فلان فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك . فقالت ذلك لأيوب ، فقال : قد أتاك الخبيث . لله عليّ إن برأت أن أجلدك مائة جلدة . فخرجت تسعى عليه ، فحظر عنها الرزق ، فجعلت لا تأتي أهل بيت فيريدونها ، فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب لجوع حلقت من شعرها قرنًا فباعته من صبية من بنات الأشراف ، فأعطوها طعامًا طيبًا كثيرًا فأتت به أيوب ، فلما رآه أنكره وقال : من أين لك هذا ؟ قالت : عملت لأناس فأطعموني . فأكل منه ، فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضًا قرنًا فباعته من تلك الجارية ، فأعطوها من ذلك الطعام ، فأتت به أيوب ، فقال : والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو ؟ فوضعت خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقًا جزع جزعًا شديدًا ، فعند ذلك دعا ربه عز وجل : { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن نَوْف البِكَالي ؛ أن الشيطان الذي عرج في أيوب كان يقال له : " سوط " {[19760]} ، قال : وكانت امرأة أيوب تقول : " ادع الله فيشفيك " ، فجعل لا يدعو ، حتى مر به نفر من بني إسرائيل ، فقال بعضهم لبعض : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه ، فعند ذلك قال : " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " .
وحدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا جرير بن حازم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب ، عليه السلام ، أخوان فجاءا يومًا ، فلم يستطيعا أن يدنوا منه ، من ريحه ، فقاما من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما ابتلاه بهذا ؟ فجزع أيوب من قولهما جَزعا لم يجزع من شيء قط ، فقال : اللهم ، إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان{[19761]} وأنا أعلم مكان جائع ، فصدقني . فصدق من السماء وهما يسمعان . ثم قال : اللهم ، إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ، وأنا أعلم مكان عار ، فَصَدقني فصدق من السماء وهما يسمعان . اللهم{[19762]} بعزتك ثم خر ساجدًا ، ثم قال{[19763]} اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدًا حتى تكشف عني . فما رفع رأسه حتى كشف عنه .
وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعًا بنحو هذا فقال : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب أخبرني نافع بن يزيد ، عن عُقَيل ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من إخوانه ، كانا من أخص إخوانه ، كانا{[19764]} يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تَعَلَّم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين . فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف{[19765]} ما به . فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب ، عليه السلام : ما أدري ما تقول ، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما ، كراهة أن يذكرا الله إلا في حق . قال : وكان يخرج في حاجته{[19766]} ، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه ، فأوحى إلى أيوب في مكانه : أن اركض برجلك ، هذا مغتسل بارد وشراب " {[19767]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مِهْران ، عن ابن عباس ، قال : وألبسه الله حلة من الجنة ، فتنحى أيوب فجلس في ناحية ، وجاءت امرأته ، فلم تعرفه ، فقالت : يا عبد الله ، أين ذهب المبتلى الذي كان هاهنا ؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ، فجعلت تكلمه ساعة ، فقال : ويحك ! أنا أيوب ! قالت : أتسخر مني يا عبد الله ؟ فقال : ويحك ! أنا أيوب ، قد رد الله علي جسدي .
وبه قال ابن عباس : ورد عليه ماله وولده عيانا ، ومثلهم معهم .
وقال وهب بن منبه : أوحى الله إلى أيوب : قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم ، فاغتسل بهذا الماء ، فإن فيه شفاءك ، وقرب عن صاحبتك{[19768]} قربانًا ، واستغفر لهم ، فإنهم قد عصوني فيك . رواه ابن أبي حاتم .
[ وقال ]{[19769]} أيضًا : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن النضر ابن أنس ، عن بَشير{[19770]} بن نَهِيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما عافى الله أيوب ، أمطر عليه جرادًا من ذهب ، فجعل يأخذ بيده ويجعله في ثوبه " . قال : " فقيل له : يا أيوب ، أما تشبع ؟ قال : يا رب ، ومن يشبع من رحمتك " .
أصله في الصحيحين{[19771]} ، وسيأتي في موضع آخر .
وقوله : { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } قد تقدم عن ابن عباس أنه قال : ردوا عليه بأعيانهم . وكذا رواه العوفي ، عن ابن عباس أيضًا . وروي مثله عن ابن مسعود ومجاهد ، وبه قال الحسن وقتادة .
وقد زعم بعضهم أن اسم زوجته رحمة ، فإن كان أخذ ذلك من سياق الآية فقد أبعد النَّجْعَة ، وإن كان أخذه من نقل أهل الكتاب ، وصح ذلك عنهم ، فهو مما لا يصدق ولا يكذب . وقد سماها ابن عساكر في تاريخه - رحمه الله تعالى - قال : ويقال : اسمها ليا ابنة مِنَشَّا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : ويقال : ليا بنت يعقوب ، عليه السلام ، زوجة أيوب كانت معه بأرض البَثَنيَّة .
وقال مجاهد : قيل له : يا أيوب ، إن أهلك لك في الجنة ، فإن شئت أتيناك بهم ، وإن شئت تركناهم لك في الجنة ، وعوضناك مثلهم . قال : لا بل اتركهم لي في الجنة . فتُركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا .
وقال حماد بن زيد ، عن أبي عمران الجَوْني ، عن نَوف البِكَالي قال : أوتي أجرهم في الآخرة ، وأعطي مثلهم في الدنيا . قال : فحدثت به مُطَرَّفا ، فقال : ما عرفت وجهها قبل اليوم .
وهكذا روي عن قتادة ، والسدي ، وغير واحد من السلف ، والله أعلم .
وقوله : { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } أي : فعلنا به ذلك رحمة من الله به ، { وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي : وجعلناه في ذلك قدوة ، لئلا يظن أهل البلاء إنما فعلنا بهم ذلك{[19772]} لهوانهم علينا ، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما{[19773]} يشاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك .
ثم عرفه تعالى بأنه قد أذن في صلاح حاله وعاد عليه بفضله ، فدعا أيوب عن ذلك فاستجيب له ، ويروى أن أيوب لم يزل صابراً لا يدعو في كشف ما به ، وكان فيما روي تقع منه الدود فيردها بيده ، حتى مر به قوم كانوا يعادونه فشمتوا به ، فتألم لذلك ودعا حينئذ فاستجيب له ، وكانت امرأته غائبة عنه في بعض شأنها فأنبع الله تعالى له عيناً وأمر بالشرب منها فبرئ باطنه ، وأمر بالاغتسال فبرئ ظاهره ، ورد إلى أفضل جماله ، وأتي بأحسن الثياب ، وهب عليه رجل{[8255]} من جراد من ذهب فجعل يحثي منها في ثوبه فناداه الله تعالى يا أيوب ألم أغنيتك عن هذا ، قال بلى يا رب ولكن لا غنى بي عن بركتك ، فبينما هو كذلك إذ جاءت امرأته فلم تره على السباطة فجزعت وظنت أنه أزيل عنها ، وجعلت تتوله{[8256]} فقال لها ما شأنك أيتها المرأة فهابته لحسن هيئته ، وقالت إني فقدت مريضاً كان لي في هذا الموضع ومعالم المكان قد تغيرت ، وتأملته في أثناء المقاولة ، فرأت أيوب ، فقالت له أنت أيوب ، فقال لها نعم واعتنقها وبكى فروي أنه لم يفارقها حتى أراه الله تعالى جميع ماله حاضراً بين يديه ، واختلف الناس في أهله وولده بأعيانهم وجعل مثلهم له عدة في الآخرة ، وقيل بل أتى جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال وقوله تعالى : { وذكرى للعابدين } أي وتذكرة وموعظة للمؤمنين ، ولا يعبد الله تعالى إلا مؤمن والذكرى إنما هي في محنته والرحمة في زوال ذلك ، وقوله { أني مسني الضر } تقديره «بأني مسني » فحذف الجار وبقيت { أني } في موضع نصب ، وروي أن سبب محنة أيوب أنه دخل مع قوم على ملك جار عليهم فأغلظ له القوم ، ولين له أيوب القول خوفاً منه على ماله ، فعاقبه الله تعالى على ذلك ، وروي أنه كان يقال له ما لك لا تدعو في العافية فكان يقول إني لأستحيي من الله تعالى أن أسأله زوال عذابه حتى يمر علي فيه ما مر من الرخاء ، وأصابه البلاء فيما روي وهو ابن ثمانين سنة .
لكون ثناء أيوب تعريضاً بالدعاء فرع عليه قوله تعالى : { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر } . والسين والتاء للمبالغة في الإجابة ، أي استجبنا دعوته العُرْضية بإثر كلامه وكشفنا ما به من ضرّ ، إشارة إلى سرعة كشف الضرّ عنه ، والتعقيب في كل شيء بحَسَبه ، وهو ما تقتضيه العادة في البُرء وحصوللِ الرزق وولادة الأولاد .
والكشف : مستعمل في الإزالة السريعة . شبهت إزالة الأمراض والأضرار المتمكنة التي يعتاد أنها لا تزول إلا بطول بإزالة الغطاء عن الشيء في السرعة .
والموصول في قوله تعالى : { ما به من ضر } مقصود منه الإبهام . ثم تفسيره ب ( مِن ) البيانية لقصد تهويل ذلك الضرّ لكثرة أنواعه بحيث يطول عدّها . ومثله قوله تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله } [ النحل : 53 ] إشارة إلى تكثيرها . ألا ترى إلى مقابلته ضدها بقوله تعالى : { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } [ النحل : 53 ] ، لإفادة أنهم يهرعون إلى الله في أقل ضرّ وينسون شكره على عظيم النعم ، أي كشفنا ما حلّ به من ضرّ في جسده وماله فأعيدت صحته وثروته .
والإيتاء : الإعطاء ، أي أعطيناه أهله ، وأهل الرجل أهل بيته وقرابته . وفهم من تعريف الأهل بالإضافة أن الإيتاء إرجاع ما سلب منه من أهل ، يعني بموت أولاده وبناته ، وهو على تقدير مضاف بيّن من السياق ، أي مثل أهله بأن رُزق أولاداً بعدد ما فَقَد ، وزاده مثلهم فيكون قد رزق أربعة عشر ابناً وست بنات من زوجه التي كانت بلغت سنّ العقم .
وانتصب { رحمةً } على المفعول لأجله . ووصفت الرحمة بأنها من عند الله تنويهاً بشأنها بذكر العندية الدالة على القرب المراد به التفضيل . والمراد رحمة بأيوب إذ قال { وأنت أرحم الراحمين } .
والذكرى : التذكير بما هو مظنة أن ينسى أو يغفل عنه . وهو معطوف { على رحمة } فهو مفعول لأجله ، أي وتنبيهاً للعابدين بأن الله لا يترك عنايته بهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فاستجبنا له} دعاءه {فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله} فأحياهم الله، عز وجل، {ومثلهم معهم}... {رحمة} يقول: نعمة {من عندنا وذكرى للعابدين} يقول: وتفكرا للموحدين فأعطاه الله، عز وجل، مثل كل شيء ذهب له، يعني: أيوب، وكان أيوب من أعبد الناس فجهد إبليس ليزيله عن عبادة ربه، عز وجل، فلم يستطع.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فاستجبنا لأيوب دعاءه إذ نادانا، فكشفنا ما كان به من ضرّ وبلاء وجهد. وكان الضرّ الذي أصابه والبلاء الذي نزل به، امتحانا من الله له واختبارا...
واختلف أهل التأويل في الأهل الذي ذكر الله في قوله:"وآتَيْناهُ أهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ" أهم أهله الذين أوتيهم في الدنيا، أم ذلك وعد وعده الله أيوب أن يفعل به في الآخرة؟
فقال بعضهم: إنما آتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا، فإنهم لم يُرَدّوا عليه في الدنيا، وإنما وعد الله أيوب أن يؤتيه إياهم في الآخرة...
وقال آخرون: بل ردّهم إليه بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم...
وقال آخرون: بل آتاه المثل من نسل ماله الذي ردّه عليه وأهله، فأما الأهل والمال فإنه ردّهما عليه...
وقوله: "رَحْمَةً "بمعنى: فعلنا بهم ذلك رحمة منا له.
"وَذِكْرَى للْعابِدِينَ": وتذكره للعابدين ربهم فعلنا ذلك به ليعتبروا به؛ ويعلموا أن الله قد يبتلي أولياءه ومن أحبّ من عباده في الدنيا بضروب من البلاء في نفسه وأهله وماله، من غير هوان به عليه، ولكن اختبارا منه له ليبلغ بصبره عليه واحتسابه إياه وحسن يقينه منزلته التي أعدها له تبارك وتعالى من الكرامة عنده.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر} هو ظاهر أنه كشف عنه ما أصابه من البلاء في بدنه وأهله حتى عاد إلى الحال التي كان قبل ذلك. وقال بعضهم: أوتي أهله في الدنيا ومثل أجورهم في الآخرة... وقال بعضهم: {وآتيناه أهله} أي ما يتأهل به من الأهل والأنصار على ما كان له من قبل، والله أعلم.
{رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} يحتمل وجهين: أحدهما: أن من ابتلي ببلاء، فصبر عليه كما صبر أيوب على بلائه، فرَّج الله عنه ذلك البلاء...كما فرجه عن أيوب. والثاني: يُعلِمُ أن ما أصابه ليس لأمر سبق منه، ولكنه ابتداء محنة من الله، امتحنه بها، وله أن يمتحن من شاء بما شاء من المحن.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وذكرى للعابدين} أي وتذكرة وموعظة للمؤمنين، ولا يعبد الله تعالى إلا مؤمن، والذكرى إنما هي في محنته والرحمة في زوال ذلك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فاستجبنا له} أي أوجدنا إجابته إيجاد من كأنه طالب لها بسبب ندائه، هذا بعظمتنا في قدرتنا على الأمور الهائلة، وسبب عن ذلك قوله: {فكشفنا} أي بما لنا من العظمة {ما به من ضر} بأن أمرناه أن يركض برجله، فتنبع له عين من ماء، فيغتسل فيها، فينبت لحمه وجلده أحسن ما كان وأصحه ودل على تعاظم هذا الأمر بقوله: {وءاتيناه أهله} أي أولاده وما تبعهم من حشمه، أحييناهم له بعد أن كانوا ماتوا {ومثلهم} أي وأوجدنا له مثلهم في الدنيا، فإن قوله: {معهم} يدل على أنهم وجدوا عند وجدان الأهل، حال كون ذلك الكشف والإيتاء {رحمة} أي نعمة عظيمة تدل على شرفه بما من شأنه العطف والتحنن، وهو من تسمية المسبب باسم السبب، وفخمها بقوله: {من عندنا} بحيث لا يشك من ينظر ذلك أنا ما فعلناه إلا رحمة منا له وأن غيرنا لم يكن يقدر على ذلك {وذكرى} أي عظة عظيمة {للعابدين} كلهم، ليتأسوا به فيصبروا إذا ابتلوا بفتنة الضراء ولا يظنوا أنها لهوانهم، ويشكروا إذا ابتلوا بنعمة السراء لئلا تكون عين شقائهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والإشارة (للعابدين) بمناسبة البلاء إشارة لها مغزاها، فالعابدون معرضون للابتلاء والبلاء، وتلك تكاليف العبادة وتكاليف العقيدة وتكاليف الإيمان، والأمر جد لا لعب، والعقيدة أمانة لا تسلم إلا للأمناء القادرين عليها، المستعدين لتكاليفها وليست كلمة تقولها الشفاه، ولا دعوى يدعيها من يشاء، ولا بد من الصبر ليجتاز العابدون البلاء.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لكون ثناء أيوب تعريضاً بالدعاء فرع عليه قوله تعالى: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر}. والسين والتاء للمبالغة في الإجابة، أي استجبنا دعوته العُرْضية بإثر كلامه وكشفنا ما به من ضرّ، إشارة إلى سرعة كشف الضرّ عنه، والتعقيب في كل شيء بحَسَبه، وهو ما تقتضيه العادة في البُرء وحصولِ الرزق وولادة الأولاد.
والكشف: مستعمل في الإزالة السريعة. شبهت إزالة الأمراض والأضرار المتمكنة التي يعتاد أنها لا تزول إلا بطول بإزالة الغطاء عن الشيء في السرعة. والموصول في قوله تعالى: {ما به من ضر} مقصود منه الإبهام. ثم تفسيره ب (مِن) البيانية لقصد تهويل ذلك الضرّ لكثرة أنواعه بحيث يطول عدّها. ومثله قوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} [النحل: 53] إشارة إلى تكثيرها. ألا ترى إلى مقابلته ضدها بقوله تعالى: {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} [النحل: 53]، لإفادة أنهم يهرعون إلى الله في أقل ضرّ وينسون شكره على عظيم النعم،... والذكرى: التذكير بما هو مظنة أن ينسى أو يغفل عنه.
{رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} ليعلم كل عابد أخلص عبادته لله تعالى، أنه إذا مسه ضر أو كرب ولجأ إلى الله أجابه الله إلى ما يريد، وأعطاه فوق الإجابة نافلة أخرى، وكأن ما حدث لنبي الله أيوب نموذج يجب أن يحتذى.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ رجال الحقّ لا تتغيّر أفكارهم وأعمالهم بتغيّر النعم، فهم يتوجّهون إلى الله في حريتهم وسجنهم وسلامتهم ومرضهم وقوّتهم وضعفهم، وبكلمة واحدة في كلّ الأحوال، ولا تغيّرهم حوادث الحياة، فإنّ أرواحهم كالمحيط العظيم لا يؤثّر في هدوئه تلاطم الرياح العاتية. كما أنّهم لا ييأسون لهول الحوادث المرّة وكثرتها، بل يواجهونها ويصمدون لها حتّى تفتح أبواب الرحمة الإلهيّة، لعلمهم أنّ الحوادث والظروف الصعبة امتحانات إلهيّة يُعدّها الله لخاصّة عباده ليكونوا أكثر مراناً ومراساً.