{ قتل أصحاب الأخدود } أي : لعن ، و{ الأخدود } الشق المستطيل في الأرض كالنهر ، وجمعه : أخاديد واختلفوا فيهم .
أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد ابن أبي عبد الله بن سعدان الخطيب ، أخبرني أبو أحمد محمد بن أحمد بن محمد بن قريش بن نوح بن رستم ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ، حدثنا هدية بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر ، فلما كبر قال : إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاماً يعلمه ، وكان في طريقه إذا سلك إليه راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ، وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب ، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه ، وإذا رجع من عند الساحر قعد إلى الراهب وسمع كلامه فإذا أتى أهله ضربوه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر ، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم الراهب أفضل أم الساحر ؟ فأخذ حجراً ثم قال اللهم : إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ، فمضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني أنت اليوم أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى فإن ابتليت فاصبر فلا تدل علي ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء ، فسمع جليس للملك وكان قد عمي ، فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال : ما هذا ؟ قال : هذا لك أجمع إن أنت شفيتني ، قال : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله ، فإن آمنت بالله دعوت الله لك فشفاك ، فآمن بالله فشفاه الله ، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ؟ قال : ربي عز وجل ، قال أولك رب غيري ؟ قال : ربي وربك الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ، فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الأكمه والأبرص وتفعل كذا ، وتفعل كذا ، قال : إني لا أشفى أحداً إنما يشفي الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب فقيل : ارجع عن دينك ، فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ، ثم جيء بجليس الملك فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ، ثم جيء بالغلام فقيل له : ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا كذا فاصعدوا به فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ، فذهبوا به فصعدوا به الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل فسقطوا ، فجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله ، فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال : وما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس وقل : بسم الله رب الغلام ، ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم ، في كبد قوسه ، ثم قال : بسم الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع السهم في صدغه ، فوقع يده على صدغه في موضع السهم ، فمات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ثلاثاً فأتي الملك ، فقيل له : رأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود بأفواه السكك ، فخدت وأضرم بها النيران ، وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ، قال : ففعلوا حتى جاءت امرأة معها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أماه اصبري فإنك على الحق " . هذا حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج عن هدية بن خالد عن حماد بن سلمة . وذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه : أن رجلاً كان قد بقي على دين عيسى فوقع إلى أهل نجران فدعاهم فأجابوه فسار إليه ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير وخيرهم بين النار واليهودية ، فأبوا عليه فخد الأخاديد وأحرق اثني عشر ألفاً ، ثم لما غلب أرياط على اليمن فخرج ذو نواس هارباً فاقتحم البحر بفرسه فغرق ، قال الكلبي : وذو نواس قتل عبد الله بن التامر . وقال محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر : أن خربة احتفرت في زمن عمر بن الخطاب فوجدوا عبد الله بن التامر واضعاً يده على ضربة في رأسه إذا أميطت يده عنها انبعثت دماً وإذا تركت ارتدت مكانها ، وفي يده خاتم من حديد فيه مكتوب : ربي الله ، فبلغ ذلك عمر فكتب أن أعيدوا عليه الذي وجدتم عليه . وروى عطاء عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له : يوسف ذو نواس بن شرحبيل بن شرحيل في الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة ، وكان في بلاده غلام يقال له عبد الله بن تامر ، وكان أبوه سلمه إلى معلم يعلمه السحر فكره ذلك الغلام ولم يجد بداً من طاعة أبيه فجعل يختلف إلى المعلم وكان في طريقه راهب حسن القراءة حسن الصوت ، فأعجبه ذلك ، وذكر قريباً من معنى حديث صهيب إلى أن قال الغلام للملك : إنك لا تقدر على قتلي إلا أن تفعل ما أقول لك ، قال : فكيف أقتلك ؟ قال : تجمع أهل مملكتك وأنت على سريرك فترميني بسهم باسم إلهي ، ففعل الملك ذلك فقتله ، فقال الناس : لا إله إلا الله ، إله عبد الله بن تامر لا دين إلا دينه ، فغضب الملك وأغلق باب المدينة وأخذ أفواه السكك وخد أخدوداً وملأه ناراً ثم عرضهم رجلاً رجلاً فمن رجع عن الإسلام تركه ، ومن قال : ديني دين عبد الله بن تامر ألقاه في الأخدود فأحرقه ، وكان في مملكته امرأة أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاث أحدهم رضيع ، فقال لها الملك : ارجعي عن دينك وإلا ألقيتك وأولادك في النار ، فأبت فأخذ ابنها الأكبر فألقاه في النار ، ثم قال لها : ارجعي عن دينك ، فأبت فألقى الثاني في النار ، ثم قال لها : ارجعي ، فأبت فأخذوا الصبي منها ليلقوه في النار فهمت المرأة بالرجوع ، فقال الصبي : يا أماه لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ، ولا بأس عليك ، فألقي الصبي في النار ، وألقيت أمه على أثره . وقال سعيد بن جبير وابن أبزى : لما انهزم أهل اسفنديار قال عمر بن الخطاب : أي شيء يجري على المجوس من الأحكام فإنهم ليسوا بأهل كتاب ؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بلى قد كان لهم كتاب ، وكانت الخمر أحلت لهم فتناولها ملك من ملوكهم فغلبته على عقله ، فتناول أخته فوقع عليها فلما ذهب عنه السكر ندم ، وقال لها : ويحك ما هذا الذي أتيت ، وما المخرج منه قالت : المخرج منه أن تخطب الناس ، وتقول : إن الله قد أحل نكاح الأخوات فإذا ذهب في الناس وتناسوه خطبتهم فحرمته ، فقام خطيباً فقال : إن الله قد أحل لكم نكاح الأخوات ، فقال الناس بأجمعهم : معاذ الله أن نؤمن بهذا ، أو نقر به ، ما جاءنا به نبي ولا أنزل علينا فيه كتاب ، فبسط فيهم السوط فأبوا أن يقروا فجرد فيهم السيف . فأبوا أن يقروا فخد لهم أخدوداً وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها فمن أبى ولم يطعه قذفه في النار ومن أجاب خلى سبيله . وقال الضحاك : أصحاب الأخدود من بني إسرائيل ، أخذوا رجالاً ونساء فخدوا لهم أخدوداً ثم أوقدوا فيه النيران فأقاموا المؤمنين عليها ، فقالوا : أتكفرون أم نقذفكم في النار ؟ ويزعمون أنه دانيال وأصحابه . وهذه رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما . وقال أبو الطفيل عن علي رضي الله عنه : كان أصحاب الأحدود نبيهم حبشي ، بعث نبي من الحبشة إلى قومه ، ثم قرأ علي رضي الله عنه : { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك }( غافر-78 ) فدعاهم فتابعه أناس فقاتلهم أصحابه وأخذوا وأوثق ما أفلت منهم فخدوا أخدوداً فملؤها ناراً فمن اتبع النبي رمي فيها ، ومن تابعهم تركوه ، فجاؤوا بامرأة ومعها صبي رضيع فجزعت ، فقال الصبي : يا أماه مري ولا تنافقي . وقال عكرمة : كانوا من النبط أحرقوا بالنار . وقال مقاتل : كانت الأخدود ثلاثة : واحدة بنجران باليمن ، وواحدة بالشام ، والأخرى بفارس ، أما التي بالشام فهو أبطاموس الرومي ، وأما التي بفارس فبختنصر ، وأما التي بأرض العرب فهو ذو نواس يوسف ، فأما التي بالشام وفارس فلم ينزل الله فيهما قرآناً وأنزل في التي كانت بنجران ، وذلك أن رجلاً مسلماً ممن يقرأ الإنجيل آجر نفسه في عمل ، وجعل يقرأ الإنجيل فرأت بنت المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل ، فذكرت ذلك لأبيها فرمقه حتى رآه فسأله فلم يخبره ، فلم يزل به حتى أخبره بالدين والإسلام ، فتابعه هو وسبعة وثمانون إنساناً من بين رجل وامرأة وهذا بعد ما رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ، فسمع ذلك يوسف ذو نواس فخد لهم في الأرض وأوقد فيها ناراً فعرضهم على الكفر ، فمن أبى أن يكفر قذفه في النار ومن رجع عن دين عيسى لم يقذفه ، وإن امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلم ، فلما قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت عن النار ، فضربت حتى تقدمت فلم تزل كذلك ثلاث مرات ، فلما كانت في الثالثة ذهبت ترجع فقال لها ابنها : يا أماه إني أرى أمامك ناراً لا تطفأ ، فلما سمعت ذلك قذفا جميعاً أنفسهما في النار ، فجعلها الله وابنها في الجنة ، فقذف في النار في يوم واحد سبعة وسبعون إنساناً ، فذلك قوله عز وجل : { قتل أصحاب الأخدود } .
وقيل : إن المقسم عليه قوله { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } وهذا دعاء عليهم بالهلاك .
و { الأخدود } الحفر التي تحفر في الأرض .
وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين ، ولديهم قوم مؤمنون ، فراودوهم للدخول{[1394]} في دينهم ، فامتنع المؤمنون من ذلك ، فشق الكافرون أخدودًا [ في الأرض ] ، وقذفوا فيها النار ، وقعدوا حولها ، وفتنوا المؤمنين ، وعرضوهم عليها ، فمن استجاب لهم أطلقوه ، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار ، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين ، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال : { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ }
وقوله - تعالى - { قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود } جواب القسم بتقدير اللام وقد .
أى : وحق السماء ذات البروج ، وحق اليوم الموعود ، وحق الشاهد والمشهود ، لقد قتل ولعن أصحاب الأخدود ، وطردوا من رحمة الله بسبب كفرهم وبغيهم .
والأخدود : وهو الحفرة العظيمة المستطيلة فى الأرض ، كالخندق ، وجمعه أخاديد ، ومنه الخد لمجارى الدمع ، والمخدة : لأن الخد يوضع عليها .
ويقال : تخدد وجه الرجل ، إذا صارت فيه التجاعيد . . ومنه قول الشاعر :
ووجه كأن الشمس ألقت رداءها . . . عليه ، نقى اللون لم يتخدد
وقيل : إن جواب القسم محذوف ، دل عليه قوله - تعالى - : { قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود } كأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود .
وأصحاب الأخدود : هم قوم من الكفار السابقين ، حفروا حفرا مستطيلة فى الأرض ، ثم أضرموها بالنار ، ثم ألقوا فيها المؤمنين ، الذين خالفوهم فى كفرهم ، وأبوا إلا إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده .
وبعد رسم هذا الجو ، وفتح هذا المجال ، تجيء الإشارة إلى الحادث في لمسات قلائل :
( قتل أصحاب الأخدود . النار ذات الوقود . إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود . وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد . الذي له ملك السماوات والأرض ، والله على كل شيء شهيد ) . .
وتبدأ الإشارة إلى الحادث بإعلان النقمة على أصحاب الأخدود : ( قتل أصحاب الأخدود ) . . وهي كلمة تدل على الغضب . غضب الله على الفعلة وفاعليها . كما تدل على شناعة الذنب الذي يثير غضب الحليم ، ونقمته ، ووعيده بالقتل لفاعليه .
وقوله : { قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ } أي : لعن أصحاب الأخدود ، وجمعه : أخاديد ، وهي الحفر في الأرض ، وهذا خبر عن قوم من الكفار عَمَدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله ، عز وجل ، فقهروهم وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم ، فأبوا عليهم ، فحفروا لهم في الأرض أخدُودًا وأججوا فيه نار ، وأعدوا لها وقودًا يسعرونها به ، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم ، فقذفوهم فيها ؛
ولهذا قال تعالى : { قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } أي : مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"قُتِلَ أصحَابُ الأُخْدُودِ "يقول: لعن أصحاب الأخدود. وكان بعضهم يقول: معنى قوله: "قُتِلَ أصحَابُ الأُخْدُودِ" خبر من الله عن النار أنها قتلتهم.
وقد اختلف أهل العلم في أصحاب الأخدود من هم؟
فقال بعضهم: قوم كانوا أهل كتاب من بقايا المجوس...
عن قتادة، في قوله: قُتِلَ أصحَابُ الأُخْدُودِ قال: يعني القاتلين الذين قتلوهم يوم قتلوا...
عن ابن عباس: "قُتِلَ أصحَابُ الأُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الوَقُودِ" قال: هم ناس من بني إسرائيل، خدّوا أخدودا في الأرض، ثم أوقدوا فيها نارا، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء، فعرضوا عليها...
عن مجاهد، قوله: "قُتِلَ أصحَابُ الأُخْدُودِ" قال: كان شقوق في الأرض بنَجْران، كانوا يعذّبون فيها الناس.
[عن] الضحاك يقول في قوله: "قُتِلَ أصحَابُ الأُخْدُودِ" يزعمون أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالاً ونساء، فخدّوا لهم أخدودا، ثم أوقدوا فيها النيران، فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار.
حدثني محمد بن معمر، قال: ثني حرمي بن عمارة، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا ثابت البُنانيّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلَى، عن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ مَلِكٌ، وكانَ لَهُ ساحِرٌ، فأَتى السّاحِرُ المَلِكَ، فَقالَ: قَدْ كَبِرَتْ سِنّي، وَدَنا أجَلِي، فادْفَعْ لي غُلاما أُعَلّمْهُ السّحْرَ قالَ: فَدَفَعَ إلَيْهِ غُلاما يُعَلّمَهُ السّحْرَ، قالَ: فَكانَ الغُلامُ يَخْتَلِفُ إلى السّاحِرِ، وكانَ بَينَ السّاحِرِ وَبَينَ المَلِكِ رَاهِبٌ قال: فَكانَ الغُلامُ إذَا مَرّ بالرّاهِبِ قَعَدَ إلَيْهِ، فَسَمِعَ مِنْ كَلامِهِ، فأُعْجِبَ بكَلامِهِ، فَكان الغُلامُ إذَا أَتى السّاحِرُ ضَرَبَهُ وَقالَ: ما حَبَسَكَ؟ وَإذَا أَتى أهْلَه قَعَدَ عِنْدَ الرّاهِبِ يَسْمَعُ كَلامَهُ، فإذَا رَجَعَ إلى أهْلِهِ ضَرَبُوهُ وَقالُوا: ما حَبَسَكَ؟ فَشَكا ذلك إلى الرّاهِبِ، فَقالَ لَهُ الرّاهِبُ: إذَا قالَ لكَ السّاحِر: ما حَبَسَكَ؟ قُلْ حَبَسَنِي أهْلِي، وَإذَا قالَ أهْلُكَ: ما حَبَسَكَ؟ فَقُلْ حَبَسَنِي السّاحِرُ. فَبَيْنَما هُو كَذلكَ إذْ مَرّ في طَرِيقٍ وَإذَا دَابّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الطّرِيقِ قَدْ حَبَسَتِ النّاسَ لا تَدَعْهُمْ يَجُوزُونَ فَقالَ الغُلامُ: الاَنَ أعْلَمُ أمْرُ السّاحِرِ أرْضَى عِنْدَ اللّهِ أمْ أمْرُ الرّاهِبِ؟ قال: فأخَذَ حَجَرا، قال: فَقالَ: اللّهُمّ إنْ كانَ أمْرُ الرّاهِبِ أحَبّ إلَيْكَ مِنْ أمْرِ الساحِرِ فإنّي أرْمي بِحَجَرِي هَذَا فَيَقْتُلَهُ ويَمُرّ النّاسُ. قالَ: فَرَماها فَقَتَلَها، وَجازَ النّاسُ فَبَلَغَ ذلكَ الرّاهِبَ قال: وأتاهُ الغُلام فَقالَ الرّاهِبُ للْغُلامِ: إنّكَ خَيْرٌ مِنّي، وَإن ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلّنّ عَليّ قال: وكانَ الغُلامُ، يُبْرِىء الأكْمَهَ والأبْرَصَ، وَسائِرَ الأدْوَاءِ وكان للْمَلِكِ جَلِيسٌ، قال: فَعَمِيَ قال: فَقِيلَ له: إنّ هاهُنا غُلاما يُبْرِئ الأكمَهَ والأبْرَص، وَسائِرَ الأدْوَاءِ، فَلَوْ أتَيْتَهُ؟ قال: فاتّخَذَ لَهُ هَدَايا قال: ثُمّ أتاهُ فَقالَ: يا غُلامُ إنْ أبْرأتَنِي فَهَذه الهَدَايا كُلّها لَكَ، فَقال: ما أنا بطَبِيبٍ يَشْفِيكَ، وَلَكِنّ اللّهَ يَشْفِي، فإذَا آمَنْتَ دَعَوْتُ اللّهَ أنْ يَشْفِيَكَ قال: فآمَنَ الأعْمَى، فَدَعا اللّهَ فَشَفاهُ، فَقَعَدَ الأعْمَى إلى المَلِكِ كمَا كانَ يَقْعُدُ، فَقالَ لَهُ المَلِكُ: ألَيْسَ كُنْتَ أعْمَى؟ قالَ: نَعَمْ قال: فَمَنْ شَفاكَ؟ قال: رَبّي قال: ولَكَ رَبّ غَيرِي؟ قال: نَعَمْ، رَبّي وَرَبّكَ اللّهُ قال: فأخَذَهُ بالْعَذَابِ فَقالَ: لَتَدُلّنّنِي عَلى مَنْ عَلّمَكَ هَذا، قال: فَدَلّ عَلى الغُلامِ، فَدَعا الغُلامَ فقالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، قال: فأَبى الغُلامُ قال: فأخَذَهُ بالعَذَابِ قال: فَدَلّ عَلى الرّاهِبِ، فأخَذَ الرّاهِبَ، فَقالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فأَبى قال: فَوَضَعَ المِنْشارَ عَلى هامَتِهِ فَشَقّهُ حتى بَلَغَ الأرْضَ، قال: وأخَذَ الأعْمَى فَقال: لَترْجِعَنّ أوْ لأَقْتُلَنّكَ قال: فأَبى الأعْمَى، فَوَضَعَ المِنْشارَ عَلى هامَتِهِ، فَشَقّهُ حتى بَلَغَ الأرْضَ، ثُمّ قالَ للْغُلامِ: لَترْجِعَنّ أوْ لأَقْتُلَنّكَ قال: فأَبى قال: فقال: اذْهَبُوا بِهِ حتى تَبْلُغُوا بِهِ ذِرْوَةَ الجَبَلِ، فإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإلاّ فَدَهْدِهُوهُ، فَلَمّا بَلَغُوا به ذِرْوَةَ الجَبَلِ فَوَقَعُوا فَمَاتُوا كُلّهُمْ. وَجاءَ الغُلامُ يَتَلَمّسُ حتى دَخَلَ عَلى المَلِكِ، فَقال: أيْنَ أصحَابُكَ؟ قال: كَفانِيهُمُ اللّهُ قال: فاذْهَبُوا بِهِ فاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلاّ فَغَرّقُوهُ قال: فَذَهَبُوا بِهِ، فَلَمّا تَوَسّطُوا بِهِ البَحْرَ قالَ الغُلامُ: اللّهُمّ اكْفِنِيهِمْ، فانْكَفأَتْ بِهِمُ السّفِينَةُ. وَجاءَ الغُلامُ يَتَلَمّسُ حتى دَخَلَ على المَلِكِ فَقالَ المَلِكُ: أيْنَ أصحَابُكَ؟ فقال: دَعَوْتُ اللّهَ فَكَفانِيهِمْ، قال: لأَقْتُلَنّكَ، قال: ما أنْتَ بقاتِلي حتى تَصْنَعَ ما آمُرُكَ، قال: فَقال الغُلامُ للْمَلِكِ: اجْمَعِ النّاسَ فِي صَعِيدٍ واحِدٍ، ثُمّ اصْلُبْنِي، ثُمّ خُذْ سَهْما مِنْ كِنانَتي فارْمِني وَقُلْ: باسْمِ رَبّ الغُلامِ، فإِنّكَ سَتَقْتُلُنِي قال: فَجَمَعَ النّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ قال: وَصَلَبَهُ وأخَذَ سَهْما مِنْ كِنانَتهِ، فَوَضَعَهُ فِي كَبِدِ القَوْسِ، ثُمّ رَمى، فَقال: باسْمِ رَبّ الغُلامِ، فَوَقَعَ السّهْمُ فِي صُدْغِ الغُلامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ هَكَذَا عَلى صُدْغِهِ، وَماتَ الغُلامُ، فَقالَ النّاسُ: آمَنّا بِرَبّ الغُلامِ، فَقالُوا للْمَلِكِ: ما صَنَعْتَ، الّذِي كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَقَعَ، قَدْ آمَنَ النّاسُ، فأمَرَ بأفْوَاهِ السّكَكِ فأُخِذَتْ، وخَدّ الأُخْدُودَ وضَرّمَ فِيهِ النّيرَانَ، وأخَذَهُمْ وَقالَ: إنْ رَجَعُوا وَإلاّ فألْقُوهُمْ فِي النّارِ، قال: فَكانُوا يُلْقُونَهُمْ فِي النّارِ، قال: فَجاءَتِ امْرأةٌ مَعَها صَبِيّ لَهَا، قالَ: فَلَمّا ذَهَبَتْ تَقْتَحِمُ وَجَدَتْ حَرّ النّارِ، فَنَكَصَتْ، قال: فَقالَ لَهَا صَبِيّها يا أُمّاهُ، امْضِي فإنّكِ عَلى الحَقّ، فاقْتَحَمَتْ فِي النارِ».
وقال آخرون: بل الذين أحرقتهم النار هم الكفار الذين فَتَنوا المؤمنين... واختُلف في موضع جواب القسم بقوله: "والسّماءِ ذَاتِ البُرُوجِ"؛ فقال بعضهم: جوابه: "إنّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ"... وقال بعض نحويّي البصرة: موضع قسمها والله أعلم، على قتل أصحاب الأخدود...
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب: قول من قال: جواب القسم في ذلك متروك، والخبر مستأنف لأن علامة جواب القسم لا تحذفها العرب من الكلام إذا أجابته.
وأولى التأويلين بقوله: "قُتِلَ أصحَابُ الأُخْدُودِ": لُعِن أصحاب الأخدود الذين ألقوا المؤمنين والمؤمنات في الأخدود.
وإنما قلت: ذلك أولى التأويلين بالصواب للذي ذكرنا... وهو أن الله أخبر أن لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنم، ولو لم يكونوا أحرقوا في الدنيا لم يكن لقوله "ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ" معنى مفهوم، مع إخباره أن لهم عذاب جهنم، لأن عذابَ جهنم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابها في الآخرة، والأخدود: الحفرة تحفر في الأرض.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
والأخدودُ: الحُفْرةُ في الأرض إِذا كانت مستطيلةً...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: أين جواب القسم؟ قلت: محذوف يدل عليه قوله: {قُتِلَ أصحاب الأخدود} كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون، يعني كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود؛ وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدّمهم: من التعذيب على الإيمان. وإلحاق أنواع الأذى، وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن كفارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذبين المحرّقين بالنار، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم: قتلت قريش، كما قيل: قتل أصحاب الأخدود وقتل: دعاء عليهم، كقوله: {قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(قتل أصحاب الأخدود).. وهي كلمة تدل على الغضب. غضب الله على الفعلة وفاعليها. كما تدل على شناعة الذنب الذي يثير غضب الحليم، ونقمته، ووعيده بالقتل لفاعليه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجواب القسم قيل محذوف لدلالة قوله: {قتل أصحاب الأخدود} عليه والتقدير أنهم ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود. وقيل: تقديره: أن الأمر لحق في الجزاء على الأعمال: أو لتبعثن. وقيل: الجواب مذكور فيما يلي فقال الزجاج: هو {إن بطش ربك لشديد} [البروج: 12] (أي والكلام الذي بينهما اعتراض قصد به التوطئة للمقسم عليه وتوكيد التحقيق الذي أفاده القسم بتحقيق ذكر النظير). وقال الفراء: الجواب: {قُتل أصحاب الأخدود} (أي فيكون قُتِلَ خَبَراً لا دعاء وَلا شتماً ولا يلزم ذكر (قد) في الجواب مع كون الجواب ماضياً لأن (قد) تحذف بناء على أن حذفها ليس مشروطاً بالضرورة). ويتعين على قول الفراء أن يكون الخبر مستعملاً في لازم معناه من الإِنذار للذين يَفتنون المؤمنين بأن يحلّ بهم ما حلّ بفاتني أصحاب الأخدود، وإلا فإن الخبر عن أصحاب الأخدود لا يحتاج إلى التوكيد بالقسم إذ لا ينكره أحد فهو قصة معلومة للعرب. واتساق ضمائر جمع الغائب المرفوعة من قوله: {إذ هم عليها قعود} إلى قوله: {وما نقموا} يقتضي أن يكون أصحاب الأخدود وَاضعيه لتعذيب المؤمنين. وقيل: الجواب هو جملة: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} [البروج: 10] فيكون الكلام الذي بينهما اعتراضاً وتوطئة على نحو ما قررناه في كلام الزجاج. وقوله: {قتل أصحاب الأخدود} صيغته تشعر بأنه إنشاء شتم لهم شتم خزي وغضب وهؤلاء لم يُقتلوا ففعل قُتِل ليس بخبر بل شتم نحو قوله تعالى: {قُتل الخرّاصون} [الذاريات: 10]. وقولهم قاتله الله، وصدوره من الله يفيد معنى اللعن ويدل على الوعيد لأن الغضب واللعن يستلزمان العقاب على الفعل الملعون لأجله. وقيل: هو دعاء على أصحاب الأخدود بالقتل كقوله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17] والقَتل مستعار لأشد العذاب كما يقال: أهلكه الله، أي أوقعه في أشد العناء، وأيَّاً مَّا كان فجملة {قتل أصحاب الأخدود} على هذا معترضة بين القسم وما بعده. ومَن جَعل {قتل أصحاب الأخدود} جواب القسم جعل الكلام خبراً وقدَّره لقد قتل أصحاب الأخدود، فيكون المراد من أصحاب الأخدود الذين أُلقوا فيه وعُذبوا به ويكون لفظ أصحاب مستعملاً في معنى مجرد المقارنة والملازمة كقوله تعالى: {يا صاحبي السجن} [يوسف: 39] وقد علمتَ آنفاً تَعيُّن تأويل هذا القول بأن الخبر مستعمل في لازم معناه. ولفظ {أصحاب} يعمّ الآمرين بجعل الأخدود والمباشرين لِحفره وتسعيره، والقائمين على إلقاء المؤمنين فيه. وهذه قصة اختلف الرواة في تعيينها وفي تعيين المراد منها في هذه الآية. والروايات كلها تقتضي أن المفتونين بالأخدود قوم اتبَعوا النصرانية في بلاد اليمن على أكثر الروايات، أو في بلاد الحبشة على بعض الروايات، وذُكرتْ فيها روايات متقاربة تختلف بالإِجمال والتفصيل، والترتيب، والزيادة، والتعيين وأصحّها ما رواه مسلم والترمذي عن صُهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قصَّ هذه القصة على أصحابه. وليس فيما رُوي تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقها تفسيراً لهذه الآية والترمذي ساق حديثها في تفسير سورة البروج...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ولعل السر في الإتيان بهذه القصة هو مواساة المؤمنين المستضعفين الذين كان سفهاء المشركين يعذبونهم أشد العذاب بمكة في فجر الإسلام، وتعريفهم بما سبق للمؤمنين قبلهم في عصور قديمة، من التعرض لأنواع الإذاية والتنكيل، وبما آل إليه أمر الكافرين الذين عذبوهم، من سوء العاقبة والعذاب الوبيل، ولذلك جاء التعقيب هنا مباشرة بقوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق10}، وقوله تعالى: {إن بطش ربك لشديد12 إنه هو يبدئ ويعيد13}، أي: سيعذبون عذابا أليما من جنس ما عذبوا به المؤمنين: حريقا بحريق، وبطشا ببطش. وهذه الآية كما يندرج تحتها قدماء الكفار الذين حفروا الأخدود لإحراق المؤمنين قبل الإسلام، تشمل أيضا مشركي قريش الذين يعذبون المستضعفين من المؤمنين في فجر الإسلام...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
هل هو حديثٌ عن حادثة القتل التي حدثت لأولئك المؤمنين ليكونوا المراد من أصحاب الأخدود، أو هو دعاء بالهلاك ليكون المراد منهم الطغاة الذين قاموا بالتعذيب والإحراق؟ والظاهر هو الوجه الثاني، لأنّ السياق مسوقٌ لإعلان الغضب على الفاعلين، كما أن الضمير في الآيات الأخرى يوحي بذلك. والأخدود، هو الشّقّ في الأرض الذي شقّوه بما يشبه الحفيرة وملأوه ناراً وألقوا فيه أولئك المؤمنين. ولما كانت النار هي العنصر البارز في هذه العملية الوحشية بحيث لا دور للأخدود إلا من حيث كونه ظرفاً للنار، فسره بها...